حديقة الغريبة
جمعة اللامي/
” وَحدَهُ يعرف الحبّ ، من يحبّ من دون أمل “
(فردريك تشيلر)
وحدها، تبقى تلك المخلوقة الصغيرة، شاعرة متمكنة في سلوكها، الرغم من أنها لم تعرف كتابة اسمها باللغة العربية، لأنها شابة هندية بقيت تعمل بجد واجتهاد، في مدرسة التمريض العليا بولاية كيرللا، ثم في عدد من البلدان العربية، لتحصل في نهاية المطاف على عمل في أحد البلدان الخليجية.
ــ “ستكون في عنبرك حديقة كاملة ذات يوم “.
قالت الممرضة ذات العشرين ربيعاً، للمريض العجوز الذي تعوّد أن يقرأ على سريره، في المستشفى الأميري، حين حدثها عن عشقه للتراث الهندي.
ــ “سأكون ممتناً لك، شانيي “.
ــ “سأفي بوعدي.”
قالت شانيي مبتسمة، ثم تحركت بقامتها الراقصة نحو سرير مريض آخر. وسمعها العجوز تقول لجاره البريطاني :
ــ “وانت يا سيدي، بماذا ترغب من شانيي ؟ ”
غمغم الرجل البريطاني، بينما استمر العجوز العربي يتابع ممرضته الحسناء ببصره شبه الكفيف، ويتذكر سنواته الأربع في هذه الردهة التي تحمل رقم (8)، عندما التقى بتلك الممرضة الهندية ذات القامة الراقصة.
ــ “هذه ممرضتك التي تشرف عليك، وعليك مساعدتها في علاجك”، أخبرته رئيسة الممرضات.
ومنذ ذلك اليوم، وهذا المريض العربي لا يتأخر عن تلبية أي توجيه تقدمه له ممرضته التي كانت تحرص على تذكيره بضرورة الحفاظ على صحته، على امتداد ايام العلاج الأُسبوعي.
ــ “هذه هديتي إليك، شايني .. عزيزتي “.
قال العجوز العربي للممرضة الشابة، في صبيحة يوم صادف عيداً هندياً معروفاً. تلقت شانيي، زهرة صغيرة من فصيلة الرازقي العراقي، وفي حينه ردّت عليه مع تلك الابتسامة الساحرة التي لا تفارق وجهها :
ــ “سأهدي إليك حديقة كاملة. “
وتتابعت الأيام والأسابيع والأشهر والسنوات، والمريض العربي ينتظر هدية ممرضته شانيي إليه، حتى كان يوم الخامس والعشرين من شهر نيسان سنة 2015، عندما امتلأت الغرفة رقم (8) بعطر زهرة اللوتس المقدسة.
ــ “سيدي حكمة الشامي، هذه زهرة صغيرة لكنها بالنسبة لعاشقة هندية، تعني حديقة كاملة .”