رسالة العارف!
جمعة اللامي /
تجلس المعرفة على عرشها، مكتفية بسراجها، غير منقادة إلّا إلى نورها، ولا منتمية إلّا إلى تاريخها. وعندما اهتدى كونفوشيوس إلى قوائم عرشها، عرف أنه لا يعرف. من قال إنه عرف، كشف جهله وتبلّده. المعرفة معمل، والعمالُ العارفون، والشَّغيلةُ العرفاء.
«إنني سائح وملاّح في وقت واحد، وفي كل صباح أكتشف قارة جديدة في نفسي».
(جبران)
وهي رأس الدين، ومَنْ لا دين له، لا خَلاق له. والتدين أن تستقيم كما أمِرْتَ، وأن تعرف، عندما تكتشف أنك تعرف شيئاً واحداً، أنك لا تعرف شيئاً. ومَنْ تديَّن، وصل!
هكذا قال سقراط.
والمعرفة قوة، وقوة المعرفة أن تعرف سرّ أضعف مخلوقات الله. ومجتمع المعرفة قويّ بالمعرفة ذاتها، وليس بالعديد، ولا بالعدّة، أو المال، أو الولد. ودولة المعرفة حلم الفنان، وأمل الفيلسوف، ونشدان الثائر، لأنها الموسيقا الصافية، وسط عالم يضرب في خيامه النَّشاز.
والمعرفة سؤال.
من يخشى الأسئلة، ومن يخاف استيلادها بأية صورة، ظهر على أبناء جلدته، وعلى محيطه، وعلى العالم، لا تقربه المعرفة، ولا تمرّ بعرصته، ولا تقترب من دياره ولا تسلم عليه. وفي مجتمع المعرفة، حين تتعادل الحقوق والواجبات، يَعْرفُ الشباب، ويستطيع الشيوخ. وهذه وربّ الشِّعْرى غاية المنى، وطريق العارف، وسُنَّة العُرفاء، وحُلم الثوار.
والعارف ثائر بالسليقة.
وبيئة المعرفة تعُج بالثوار، هؤلاء الذين يثورون على رغائب أنفسهم، ورغبات المسوخ النائمة في تضاعيف تكوينهم، وداخل مستنقعات الطمع والشهوة التي بنت أسوارها تحت عرش الجهل. وللجهل عرش أيضاً. وله مريدون، وقبائل، وممثلون رسميون، ورعاة، ورؤوس. والويل لأمة رؤوسها رُعاةُ الجهْل، وملوكها أساطين التجهيل، وحُداة قوافلها أعداء العلم والكلمة والنور.
فسبِّح بَحمدِ ربك الذي جاد عليك بتاج المعرفة، ووهبك عرشها، وأهدى إليك جيادها، وسخّر لك عرباتها، ووضع بيمينك فأس القول، وسراج الكلمة، لتهدم من يهدم بنيان الله، وتنير طريق السالكين في بساتين المعرفة.
وتحية إلى بستانيّ المعرفة في العراق.