دردشة مائية !!

167

حسن العاني /

كنا على عادتنا اليومية في فصل الصيف نلتقي في حديقة جارنا ( أبو أشرف)، ومن الطبيعي أن تتنوع أحاديثنا وتتنقل بين الجد والهزل، لكن أجمل ما في حواراتنا أنها خالية من التعصب، بعيدة عن الزعل والعناد، لأن أعمارنا أصبحت على كف عفريت، ولكوننا جميعاً مستقلين ونمقت السياسة، ولم ينتم أحد منا إلى أي تنظيم سابق أو لاحق!!
في إحدى الليالي تركزت أحاديثنا حول مشكلة المياه والمخاطر التي تهدد مستقبل العراق.. أذكر أن أحدنا تحدث عن موضوع قرأه عام 2008 في مجلة عراقية، جاء فيه أنّ دجلة والفرات سيتحولان، بعد أربعة عقود، إلى أرض قاحلة، وعلق (أبو آمنة)، ساخراً: “أتصور أن الأرض راح يتم توزيعها من الآن!” فيما تساءل (أبو غايب): “حسب تصورك أبو آمنة.. عليمن تتوزع؟!” فرد عليه: “بشرفك أبو غايب هذا سؤال.. يعني قابل لخالتك لو خالتي!” وضجّ المكان بالضحك، وقال (أبو ضياء): “من الممكن استثمار الأرض لبناء مجمعات سكنية،” وعلق (أبو سلمان): “على الأكثر راح يبنون بيها 200 مول و 900 مطعم.” وفيما ضحكنا من جديد، قال (أبو فاطمة): “يمكن تركيا وإيران وسوريا يفكرون ينطونه برميل مي مقابل برميل نفط!” وهنا تساءل صاحب الدار: “لماذا لا نوقف استيرادنا من إيران وتركيا ونخليهم يموتون جوع إذا لم يعطونا حقنا القانوني من الماء؟” فعلق أبو آمنة ساخراً: “مشكلة الماء ينرادلها واحد مخبل مثل صدام حسين.. حرب وقادسية ثالثة!” وتعالى الضحك، فيما اقترح أبو غايب ساخراً “على الحكومة العراقية أن تقوم بحفر أنفاق عميقة تحت الأرض لسرقة الماء من تركيا وإيران!!”
فجأة طلب (أبو شكر) – أكبر الأصدقاء الحاضرين سناً – أن نستمع الى ما سيقوله، وفيما استجبنا لطلبه، راح يروي حكاية أقسم على صحتها، وهي أن القنصل البريطاني في الموصل -أيام زمان- رأى الناس ذات مرة في وقت مبكر من الصباح وهم يغادرون منازلهم بأعداد كبيرة، وحين سأل عن السبب أخبروه بأنهم يتوجهون لأداء (صلاة الاستسقاء)، وحين عرف معنى وموجبات هذه الصلاة قال منزعجاً: “أعطى الله العراقيين نهرين عظيمين وأربعين رافداً مائياً، لكنهم لم يستثمروا هذه الوفرة المائية لإنشاء سدود وخزانات وبحيرات.. فماذا يعطيهم سبحانه وتعالى؟ أتمنى ألا يستجيب لصلاتهم ولا يعطيهم قطرة ماء واحدة!!” فوجهنا إليه شتائم قاسية، باستثناء صاحب الرواية الذي قال: “يا جماعة.. أسألكم بالله، أليس الرجل على حق؟!” فلزمنا الصمت.. وفي داخلنا تفجرت أسئلة لا تصلح للنشر!!