صديقي على حق !

202

حسن العاني /

في سنوات قلائل تمكن أبطالنا من دحر داعش في أعتى معاقلها، وسحقوا سمعتها الزائفة وأحلامها الشيطانية بالأحذية. وها قد مضت 20 سنة، ولم نستطع دحر الطائفية، على الرغم من جهود الخيّرين، وهم بالملايين.وقد فكرت طويلاً -كما فكر غيري- حتى أتعبنا التفكير، بوسيلة مجدية تضع حداً للأصوات التي فقدت حياءها وشرفها ودينها، وهي تجاهر بالطائفية على مرأى ومسمع من الحكومة والبرلمان والقضاء ونقاط السيطرة ومنظمات المجتمع المدني.
وقد اكتشفت -مثلما اكتشف العراقيون- أن فعاليات المواعظ والصلاة الموحدة لا تجدي نفعاً، لأن (معظم) تلك الأصوات كتبت عهوداً ومواثيق، وأقسمت بالله على أن تعمل بالعدل والمساواة، وتخدم الشعب وتحافظ على وحدة الوطن، لكنها تنصلت عن وعودها، وقالت في سرِّها وهي تبتسم: إن هي إلا أوراق نكتبها في النهار ونمزقها في الليل!!
قبل أيام غمرني شعور بالفرح بعد توصلي إلى أن القضاء على الطائفية لا يأتي عبر إصدار قانون نطلق عيه اسم (قانون مكافحة الطائفية)، مثلاً، أو تشكيل هيأة بعنوان (هيأة اجتثاث الطائفية)، وإنما يكمن في (العقوبة المادية) القاسية. وقد عرضت هذه الفكرة، أو هذا المقترح، على صديقي (عمر عبد الزهرة)، الذي يصفني دائماً بالغبي، من باب الملاطفة، وشرحت له ما توصلت إليه وهو: تشكيل لجنة مستقلة بالمعنى الحرفي للكلمة (في حال تعذر الحصول على مستقلين يمكن استيرادهم من إيران أو تركيا)، تتألف من (12) شخصاً مشهود لهم بالعفة والنزاهة والتقوى، ومن حملة الشهادات العليا – على شرط ألا تكون مزورة – وألا تقل أعمارهم عن 70 سنة ولا تزيد على التسعين.. مهمتها رصد أي خطاب، أو حديث، أو كلمة، أو حوار، أو تصريح، يدلى به في السر أو العلن، وفيه تحريض طائفي، أو تلميح، أو إشارة مبطنة إليه، يجري تغريم فاعله في الحال مبلغ (5) ملايين دينار، فإذا ما ارتكب الواحد منهم هذه الجريمة (10) مرات في السنة، كحد أدنى على سبيل المثال، فإنه سوف يدفع إلى خزينة الدولة مبلغ (50) مليون دينار، وأعتقد.. قلت لصديقي، أن هذا المبلغ سيكون عقوبة رادعة لكل من تسوِّل له نفسه، الأمّارة بالسوء، إثارة النعرات الطائفية. وقلت كذلك: لو أن (800) مسؤول، من أي عنوان رسمي أو سياسي من عناوين المسؤولية، شملتهم هذه العقوبة المالية فسوف تحصل الخزينة على (40) مليار دينار سنوياً، يمكن أن تبني الدولة منها (40) مدرسة نموذجية كل عام!!
نظر إليّ الرجل باستغراب، وتأمل مقترحي على مهل، ثم فاجأني قائلاً: “كنت أنعتك سابقاً بالرجل الغبي من باب الميانة والمحبة، أما الآن فأقول لك بكل جدية: أنت حقاً غبي بامتياز، لأن الخمسين مليوناً لن تردع المسؤول الطائفي، ولن تردعه مئة مليون، فهذا المبلغ يساوي راتب وامتيازات شهر واحد، وهو سوف يسترجع أضعافه من صفقة واحدة، والصفقات لا تأتي مالم يكن باقياً في موقع المسؤولية، ولن يضمن له هذا البقاء سوى خطابه الطائفي، مفهوم افندي!!”
لو تخلى صديقي عن (ميانته) ومزاحه الثقيل معي، فإنه على حق في كل ما قاله..