قطار الموت العراقي

968

جمعة اللامي/

وقاتل الجسم مقتول بفعلته

وقاتل الروح لا تدري به البشر..!!

(جبران)

بعد “حادث” جوي مروّع ، في بدايات عقد الثمانينات من القرن الماضي، خلع رئيس أركان القوات المسلحة اليابانية، وقائد سلاح الجو في بلاد الهيراكيري، رتبتيهما العسكرية، وتقدما ـ حفاة الأقدام ـ الى منطقة سكنية في اليابان، اعتذاراً من الشعب الياباني. للضحايا المادية والبشرية التي نتجت جراء سقوط وتحطم طائرة عسكرية على تلك المنطقة.

وما دمنا قد بدأنا هذا الايجاز باليابان، نشير الى “حادث مروري”، في تلك الفترة أيضا وقع على السكة الحديد جنوب العاصمة طوكيو، كان سببه اصطدام قطارين ببعضهما، عقب اصطدام احدهما بـ “خنزير” برّي في منطقة “مونتاكا” التي تبعد حوالي 900 (كلم) عن طوكيو. وقد تم نقل (77) جريحاً الى المستشفيات بسبب هذا الحادث. وفي تلك الأيام قامت الدنيا ولم تقعد باليابان.

ولن أنسى أبدا حكاية ” قطار الموت” العراقي ، الذي كان نازلاً من بغداد نحو السماوة، وهو يقطر عربة واحدة فقط، ملئت بمجموعة من العسكريين والمثقفين العراقيين، من نزلاء “السجن العسكري رقم ـ 1” قرب معسكر الرشيد ، في أعقاب فشل حركة 5 تموز1963 التي نظمها نفر من ضباط الصف والجنود العراقيين، في مقدمتهم خالد الذكر الجندي البطل “حسن السريع”.

“حشرونا حشراً في تلك العربة الحديدية، ثم أقفلوها علينا من الخارج بإحكام، ولم يكن معنا ماء، ولا ملابس اضافية، سوى سراويلنا العسكرية وملابسنا الداخلية، ثم أخذ القطار يسير الهوينا، وفوقنا شمس تموز اللهّاب، حتى عرفنا مكيدة الذين دفعوا بنا الى تنور من حديد”. هكذا وصف لي أحد زملائي المساجين بداية رحلة الموت تلك.

كان القطار لا يتوقف، وكانت العربة تضيق بالحر الشديد، والزحام الأشد، وانتظار الموت اختناقاً. فأغمي على معظم السجناء، وظل آخرون يقاومون الموت البطيء ببسالة. وكانت أخبار “قطار الموت” تنتقل بسرعة من مدينة الى أخرى على إمتداد نهر الفرات، حتى وصلت الى “السماوة” التي من المفترض أن يتم منها نقل السجناء الى سجن “نقرة السلمان”.

تلك حكاية طويلة ومؤلمة، لكنها مشرفة من جانب آخر، عند فرز عناوينها الكثيرة، ومنها عنوان “نساء السماوة” وفي مقدمتهن والدة صديقنا خضير السماوي، اللاتي تصدين للقاطرة المجنونة، وأوقفنها وسط زغاريدهن، ليتم انقاذ مجموعة من أشرف مثقفي وعسكريي العراق، من موت مخطط ومحتم، وبعضهم لا يزال حياً يرزق إلى يومنا هذا.

والى يومنا هذا ، لا أزال أنتظر قيام ” عسكري عراقي” شارك في جريمة “قطار الموت العراقي” ليعتذر عن تلك الجريمة البشعة، كما فعل العسكريون اليابانيون..!