كيف “نخلق” قطاعا خاصا؟
عماد عبد اللطيف سالم/
لا يوجد قطاع خاص “مُنتج” في العراق إلاّ في اضيق نطاق ممكن. وهذا القطاع غير مؤثّر، وغير فاعل، ومتطفّل على الريع النفطي (وهذه بديهيّة فاقعة يعرفها أي بائع “بَسْطيّة”، على أمتداد أرصفتنا الخَرِبة) . ومع ذلك فانّني أرى (وقد أكونُ “في ضلالً مُبين”) أنّ على “الدولة “ (إن وجدتْ) أن تتولّى “خلق” هذا القطاع “خلقاً” بكلّ مافي هذه الكلمة من معنى (وهناك تجارب عالميّة عديدة يمكن استعراضها ودراستها بهذا الصدد)، وذلك بدلاً من رصد تخصيصات هي بحكم الضائعة في الموازنة العامة للدولة، تُنفَق على مشاريع “استثمارية” فاشلة ، يتقاسم “حصصها” مُقاولون أو (متعهدّون) فاسدون.
ومن باب البديهيّات الاقتصادية والأدارية (وليس من باب “اختراع العجلة” من جديد) ، يمكن أن يتم تحويل المشروعات التي “تخلقها” الدولة الى شركات مساهمة، تتم ادارتها، وضمان عملية تراكم وتكوين رأس المال الثابت فيها، بعشرات الطرق والأساليب (التي انتهجتها، ونجحتْ فيها عشرات الدول المتقدّمة، والنامية، والمتخلفّة، وما دون المتخلّفة أيضاً) .
يمكن ان تكون المشاريع الصناعية القائمة على استراتيجية “إحلال الواردات” هي المدخل. يمكن ان تكون التطبيقات العملية المدروسة بعناية لنظرية “الدفعة القويّة” في قطاع يتمتّع بالميزة النسبية، وبتعدّد وتشابُك وتكامل المدخلات والمخرجات مع قطاعات أخرى هي المدخل. لستُ مؤهّلاً لتحديد التوجّهات التنمويّة، لـ “دولةٍ” لا يعرفُ “النظام” الأقتصادي فيها “رأسهُ من رِجٍلَيه”.. ولكنّني مؤهّلٌ (وبشراسة) للتأكيد على أنّ الموازنة الأستثمارية (في اطار الموازنة العامة للدولة) هي مجرد هدر للأمكانيّات الماليّة، وتبديد للثروة الوطنية، واستنزافٌ مقصود للمال العام.
انّ “الخراب العام” الحالي، يمنحنا فرصةً لا تعوّض، ولا ينبغي اضاعتها، من أجل فعل ذلك. أمّا كيف يُمكنُ فعلُ ذلك.. فإنّ لدى الدولة الكثير من الأكاديميّين والخبراء والمستشارين، والمعنيّين بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر بالشأن الاقتصادي، ممن يستطيعون أن يقدّموا لها ما يكفي، ويزيد، بهذا الصدد.
هل نحتاج للخبرة الأجنبية، من خلال الاستعانة بخبراء أكفاء من دول أخرى مرّتْ بظروف “ميدانيّة” شبيهة بظروفنا العويصة (وليس بمقاولين، ومتعهدي “انفار” يعملون في “مكاتب” المنظمات الأقتصادية الدولية) ليساعدونا في ذلك؟. نعم نحتاج.. ولكن بشرط أن يجلس هؤلاء الخبراء الأجانب، مع “الفاعلين الاقتصاديين” العراقيّين بشكلٍ مباشر وأن يتدارسوا معهم كلّ ما يمكن فعله، من دون زعيقٍ، وشعارات “شعبويّة” حمقاء، وتنظيرات فارغة.. وأن يتعرّفوا منهم على تفاصيل محنتنا متعدّدة الأبعاد، وأن يفكّروا معهم بتدبّر في ما يمكن فعله (ومالا يمكن فعله) في الأجلين القصير والطويل.. لأنّ في بلدنا من “المحدّدات والمعيقات والتحديّات”، ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذنٌ سمعتْ..