نجمةٌ سمراء

1٬342

جمعة اللامي/

” النُجومُ الصغيرةُ تُضيء دوماً ،

والشَمسُ تَكسفُ أحياناً”

(مثال إثيوبي)

ذات ظهيرة قائظة، في يوم خليجي رطب، أشرقت نجمة صغيرة في فضاء بيتنا. نجمة سمراء بلون حبّة قهوة حبشية، تلك القهوة التي عرفتها في طفولتي بمرابع أهلي. ظهرت نجمة، وهذا هو اسمها، في سَمتِ جدتها بلقيس، وباب المنزل موارب قليلاً ، قائلة:” هل ترغبون في بنت إثيوبية مخلصة في عملها؟”. بعد ذلك تكرر ظهور نجمة في منزلنا، مقترناً برائحة المسك الحبشي.

دخلت كلمات الفتاة السمراء، إلى قلوب أفراد أُسرتنا، بيسر وسهولة. فرحنا بها، وتناولت عندنا شاياً عراقياً، وقالت إنها تعرف عن العراق قليلاً. وبعد ذلك، عندما تكررت زياراتها لبيتنا، قالت نجمة: الآن، أنا أحب العراق. وفي كل زيارة لها لبيتنا، كانت نجمة تدلي بحكاية جديدة. لكن قبل أية حكاية، كانت تزورنا لوجود ما يستحق الزيارة، ومعها ورد يناسب زيارتها، لاسيما في الظروف الصحية الصعبة التي أمرُّ بها منذ سنوات.

ـ “لماذا يا نجمة ، تبدّدين نقودك؟”

ـ “من يعرف الطيّب، لا يخسر . هذا مثال إثيوبي”.

نجمة تعيش منذ عشر سنوات في أحد بلدان الخليج العربي. لقد كونت حول نفسها مجموعة صغيرة من النجوم الإثيوبية، وصارت شمسهن التي لا تنكسف. أوصت كل واحدة منهن أن تحب بلادها، وتخلص في عملها. وكانت تدّخر الدرهم بجانب الدرهم، ثم اشترت مزرعة وبيتاً لها في قريتها، وعلّمت إخوتها وأخواتها، واحتفظت بثروة قليلة في صندوق إفريقي معروف، حتى تقدمها “مهراً” لعرسها. وكانت تقول دائماً “الحمد لله . إنه يباركني”.

نجمة.. نجمة قبطية!

في يوم، في مطلع هذه السنة، أشرقت “النجمة السمراء” في منزلنا دامعة العينين، وقالت: “لابد من العودة إلى إثيوبيا. لا أمان الاّ في الوطن”، ثم غادرت منزلنا، لكن فضاءهُ، بقى إلى يومنا هذا، يضوع مسكاً إثيوبياً لا ينسى، ومذاق قهوة حبشية، حلاوتها في مرارتها.

نجمة.. ما أشرف أخلاق العمل الحر..!