وحيداً يطارد أشباح الموت
عبد الله صخي /
يعتقد خبراء عسكريون أن إزالة الألغام ومخلفات المعارك أصعب من الحرب نفسها. فالمناطق التي شهدت قتالاً تظل تشكل تهديداً لحياة الإنسان وبيئته ومصدر رزقه إذا لم تطهّر من الألغام والذخائر القابلة للانفجار. وقد تستمر المخاطر عقوداً عدة قبل أن يصبح بمقدور السكان الذين هجروا تلك المناطق العودة إليها وهم مطمئنون على سلامتهم، فرمال منطقة العلمين المصرية لا تزال ملغمة بعد 75 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ويعتبر مرصد مراقبة الألغام الأرضية أن العراق من بين البلدان الأكثر تضرراً من الألغام ومخلفات الحروب التي أدت إلى مقتل ما يناهز نحو 29 ألف شخص وبترت أطراف المئات وقضت على قطعان لا حصر لها من الحيوانات. واستناداً إلى تقرير دولي صدر مؤخراً فإن محافظة الموصل وحدها تحتاج إلى عشر سنوات لإزالة آلاف الأطنان من الألغام والمواد المتفجرة المنتشرة في أراضيها. عملية التطهير من الألغام تستلزم إجراءات مسح وجمع المعلومات المتعلقة بالألغام ومواقعها ودراسة خرائطها إن وجدت، ثم وضع علامات لتحديد حقولها لمنع الناس، الرعاة خاصة، من الدخول إلى المناطق الملغَّمة. كل ذلك يحتاج إلى جهود ضخمة وموازنة مالية كبيرة، ذلك أن زراعة لغم أرضي واحد تكلف بين خمسة إلى عشرة دولارات بينما إزالته تكلف بين مئة ومئة وخمسين دولاراً. كما أن العملية بحاجة إلى خبراء مهرة كي تكلل بالنجاح. لكن هناك عراقياً يدعى هوشيار علي (56 عاماً) نذر نفسه متطوعاً لإزالة الألغام منذ ثلاثة وثلاثين عاماً. وحسب تقرير صحافي فإنه تمكن من تفكيك مئات الآلاف من الألغام التي كانت مزروعة في مدينة حلبجة. يقول هوشيار إنه أزال نحو 2700 لغم زرعها تنظيم “داعش” في العديد من المناطق العراقية عام 2014.
كان هوشيار تدرب على إزالة الألغام في إيران عام 1980 قبل أن يقرر العودة إلى العراق ليساهم في الحفاظ على حياة مواطنيه. لكنه، وفي سيره الخطر بين حقول الموت، فقد قدميه، في حادثين منفصلين، عندما انفجر لغمان أثناء محاولته تفكيكهما. إنه يتحرك الآن بأطراف اصطناعية، مؤكداً إصراره على المضي بمهمته الشاقة بدون إعانة من منظمة أو جهة مسؤولة. هوشيار علي يطارد أشباح الموت وحده بدأب إنساني نادر، وبشجاعة متناهية، كما لو أنه كتيبة من الخبراء المدرَبين.