يوميات لندن (2)
عواد ناصر/
أشرت في الجزء الأول من هذا العمود، بالعنوان نفسه، إلى بعض المظاهر البسيطة في حياة اللندنيين، وهي مظاهر قد لا تلفت انتباه أولئك المواطنين الذين يعيشونها يومياً، حيث ينتفي عنصر الدهشة أو الإعجاب إزاء ما يحدث تكراراً في حياتهم.
في هذا الجزء سأتعرض إلى المكتبة المحلية العامة، في الحي الصغير أو المدينة الكبيرة، كما تعاملت معها وعاملتني.
بدءاً، في كل مدينة/محلة، لا بد من مكتبة عامة، أحرص على التعرف عليها عند كل انتقال أو تغيير محل السكنى.
هكذا، تعرفت، أولاً، على مكتبة المحلة وفِي خاطري الأرجنتيني خورخه بورخس أشهر مكتبي في القرن العشرين والذي استوحى إحدى
قصصه القصيرة من عالم المكتبة وتاريخها، ومن تعليقاته:
“يمكن أن تضيع حياة الناس في المكتبة. ينبغي تحذيرهم من ذلك”.
كم أضاعت المكتبة من حياتنا؟
كم أغنت المكتبة حياتنا؟
من هذه المكتبة، التي لا تبعد عن سكني أكثر من عشر دقائق مشياً، حصلت على عضويتي المجانية، عبر موظفة أريحية في حوالي الأربعين من عمرها. لم يستغرق هذا أكثر من بضع دقائق.
كانت الكتب التي انتظمت بشكل أنيق ومفهرس استحوذت علي، كأنني طفل طماع يريد الحصول على ألعاب العالم كلها.
سألتها: ما عدد الكتب المسموح لي باستعارتها؟
ردت بابتسامة لطيفة: خمسة عشر كتاباً كحد أقصى. ثم استطردت مازحة: لا أظنك بقادر على قراءة كتاب كل يوم، إذ عليك أن تعيدها بعد أسبوعين.
أجبت: ليس في نيتي هذا، إنما هو الفضول معاً.
سألتها: هل لديكم كراس يحتوي تاريخ المكتبة وأقسامها ووو؟
ردت: لا يوجد هذا الكراس، لكنك ستجد بغيتك بمساعدة العم “غوغل”.
وأنا أتصفح الكتب لفتني كتاب عن الحياة المشتركة لجان بول سارتر وسيمون دي بوفوار عنوانه “الجنس والفلسفة”.
ترجم الكثير من كتب سارتر وبوفوار لكنني لم أقرأ مثل هذا الكتاب.
قرأت دراسات ومقالات عن طبيعة العلاقة العاطفية والفكرية للاثنين، في ما كتبه سارتر وبوفوار، لكن الكتاب أغراني فاستعرته، إلى جانب كتاب آخر كتبته النجمة السويدية إنغمار برغمان (يلفظها السويديون بريمان) كسيرة ذاتية عن حياتها في السينما والبيت والمجتمع.
أخبرت هذه السيدة: إنني مزمع على نشر عمود صحفي في مجلة عراقية منوعة اسمها “الشبكة” عن تجربتي مع هذه المكتبة، فأفتر فمها عن ابتسامة امتنان وإعجاب مؤكدة: أنا سعيدة بالتعرف عليك ككاتب عمود عربي، وأتمنى أن تزودنا بالمقال المنشور لنعلقه في لوحة المكتبة ونحتفظ بنسخة أخرى منه في الآرشيف.
أوضحت لها: لكنه مكتوب بالعربية!
ردت: سنترجمه للإنكليزية ونعيد نشرهما معاً.
علقت أنا: وهذا نموذج بسيط من حوار الحضارات.
شكراً لك سيدتي.