الاقتصادي د.محمد العبيدي: لا سيادة من دون أمن غذائي
آمنة الموزاني /
تخيلوا أن حرباً عسكرية تفصلنا عنها قارات، أو أزمة بيولوجية ضاربة في عمق المحيط الأوروبي، كفيلتان بوضع المواطن العراقي في مقدمة المتضررين باقتصاده الزراعي والحيواني والغذائي المهمل واكتفائه الذاتي،نحن لا نملك بديلاً طبيعياً عمّا تدرهُ آبار النفطِ الخام ووارداتهِ التي تموّل قاصة البلاد ورزقِ مواطنيها، علماً أن بيئتنا الدسمة بمواردها قادرة على استثمارِ تلك الأزماتِ العالمية وتحويل تبعاتها السلبية على مدارِ العالمِ بمساحاتٍ زراعيةٍ وثرواتٍ حيوانية فيما لو توفرت إرادات وطنية وخطط ستراتيجية صادقة.
مشروعٌ اقتصاديٌ مدروس عن كيفيةِ تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في ظلِ تحديات مستقبل النمو الصناعي والغذائي والحيواني في بلدنا العزيز، قدمه الخبير الاقتصادي المهندس د.محمد العبيدي، الحاصل على شهادةِ البكالوريوس في هندسةِ مشاريعِ الثروة الحيوانية والماجستير في نظم التهوية ودورها في التربيةِ الحيوانيةِ والدكتوراه في الاكتفاءِ الذاتي والتنمية المستدامة وعمل في أكثرِ من دولةٍ أوروبيةٍ وعربيةٍ في مجال الأمن الغذائي والزراعي والحيواني، ولهُ تجارب نجاح في الاكتفاءِ الذاتي في مجالِ الثروةِ الحيوانيةِ والزراعية والغذائية لدولةِ أذربيجان.
كورونا ثروة لا تعوض!
فكرة المشروع تُعيد بلاد الرافدين الى هويتها الزراعية والحيوانية الأصلية ونجاحها تضمنهُ أزمة كورونا! وعائداتها الاستثمارية تؤمن اكتفاءً على مستوى الأرض او المواطن، سواء من ناحية الإنتاج المحلي او خفض الصادرات. د.محمد العبيدي، استرسل في حديثه عن مشروعه الوطني لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي مؤكداً:
“قدمنّا تجربة زراعية مؤمنة بخطط ستراتيجية وطنية ناجحة سبق أن طبقناها في محافظة المثنى، التي دخلنا اليها بخمسةِ مشاريع ستراتيجية على أرض الواقع وخرجنا منها بنسبِ انجازٍ متقدمة. وفيما يخص تأكيدنا على تقديم مشروع الاكتفاء الذاتي في هذا الوقت تحديداً من الجائحة، فيعود السبب لما لجائحةِ كورونا وتداعياتها من ناحية تصفير أسعار النفط والأزمة العالمية، لذلك رأيت أن من واجبي كمختص ومواطن ومن اجل ان يكون للبلد رافد اقتصادي حيوي رديف او بديل للنفط في وقت الأزمات، لذلك قمت بإعداد هذه الدراسة الدقيقة، وقدمناها هديةً للعراق عن طريق وزارة التخطيط العراقية، وجرى الإعلان عن هذه الدراسة بحضور خمسة وزراء ووكلاء وزارات عراقيين وأعضاء من مجلس النواب العراقي-لجنة الزراعة، وكذلك لجنة البنك المركزي ومصارف عراقية عدة، وايضاً بوجود ممثلي الأمم المتحدة ومنظمة الفاو العالمية. قدمت هذه الدراسة من أجل أن تأخذ مسارها الاقتصادي الصحيح، ليعود البلد الى هويتهِ الأصلية، هوية بلاد الرافدين في الثروة الحيوانية والزراعة، وهذا كان الوازع الوحيد لتقديمي تلك الدراسة. اما أهم أسباب اختيار محافظة المثنى فلكي لا نُتهم بأننا أشخاص منظرون، آثرنا على أنفسنا أن نكون أول الداخلين في تنفيذ هذه الدراسة، لأن نسبة الفقر فيها تقريباً ٥٤٪، والمحافظة من الناحية البيئية صعبة جداً، لذلك كنا مثل عنصرٍ يبعث الأمل، وحاولنا امتصاص شيء من أعداد البطالة الكبيرة ورفع مستوى الدخل، وبالتالي توفير المنتج المحلي لتلك المحافظة العزيزة. وفيما يخص عدد المشاريع التي دخلنا بها فهي خمسة مشاريع ستراتيجية حيوية، اذكر منها مشروع دواجن متكامل لإنتاج لحم الدجاج والتفقيس، وهذا المشروع على مساحة ألف ومئتين وخمسين دونماً. المشروع الثاني دواجن لإنتاج بيض المائدة.”
هموم المستثمر المحلي
وعن الصعوبات المصرفية التي يقال إنها تعترض تنفيذ الفكرة الاستثمارية المُقدمة من المستثمر المحلي، فضلاً عن عراقيل وقصور الجهاتِ ذات العلاقة، يؤكد العبيدي هنا:
“بيروقراطيات الاستثمار في العراق مملة أمام المستثمر المحلي لأنه يصطدم عادة بالبيروقراطيات والمصاعب وعدم وجود التسهيلات التي تذلل عمله، وهو ما واجهناه. قسم منها تجاوزناه واستطعنا تذليله، اما القسم الآخر فلاقى عدم التجاوب الإيجابي من المصارف المرتبطة بالبنك المركزي. وعليه فإن مسيرة الحصول على مبادرة البنك المركزي العراقي مسيرة صعبة، وعقباتها ليست بالبسيطة، بدليل اننا لغاية اليوم لم نتمتع ولم نحظَ بدعم المصارف العراقية، وبصراحة فإن القصور عادة لا يقع على البنك المركزي، وانما على النظام المصرفي الوسيط بين البنك المركزي والمستثمر، وفي قضية التدخلات الحزبية حقيقة لم ألمس تدخلات حزبية او جهات سياسية عائقة باعتبار أن المتداول في الشارع العراقي أن الاقتصاديات الكبرى تقف خلفها عادةً علاقة ظل سياسية، حقيقة لم المس ذلك، وانما ما لمستهُ هو أن المستثمر المحلي غير مرغوبٍ فيه.”
محنة الفلاح العراقي
التجارب العربية والغربية أمّنت لشعوبها، من خلال الاستثمارات الزراعية والحيوانية، بدائل ناجعة عن النفط الخام، فما الذي يُعيقنا عن تفعيل فكرة الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي الذي يجعل من الاستثمار نفطاً دائماً، يأتي هنا جواب الخبير الاقتصادي بصيغةِ سؤالٍ:
“اذا شح المنتوج ماذا سنفعل؟ وكيف يتم تأمين منتجات الثروة الحيوانية والصناعات الغذائية التحويلية وحتى الوقود في ظلِ وضعٍ لا وجود فيه للدراسات الستراتيجية المستقبلية طويلة الأمد، التي تؤمن لهذا البلد حلولا بديلة واحتياطات ممكن أن تحافظ على مستقبل هذا البلد، اضافة الى ذلك فإنّ استبعاد أصحاب الاختصاص الحقيقيين وذوي التكنوقراط عن المشهد الاقتصادي أسهم بشكلٍ كبير في هذا التخبط والإهمال الذي نعيشه، وتحول الى مصدر إفقارٍ للعراق، فاصبحنا نفتقر الى التخطيط الستراتيجي والخطط الخمسية التي تخدم الشعب العراقي وأجياله القادمة، ولأرقام واقعية مدروسة من الناحيتين العلمية والنظرية وامكانية تطبيقها، والمُلاحظ ان مواقع التواصل الاجتماعي اصبحت تعج بآراء الناس وخططهم وتصوراتهم الى جانب ما يعانيه الفلاح العراقي من تهميش، علماً انهُ لا يوجد دعم في السنوات الماضية للفلاح العراقي بدليل أن المساحات الزراعية يجري تقليصها سنة بعد اخرى، لذلك اصبح العراق اليوم أمام أزمة اقتصادية حقيقية.”
كومشنات وصراع إقليمي
لو تساءلنا عما يعانيه قطاع الزراعة والثروة الحيوانية من ركود، هل هو إهمال متعمد تقف خلفه أجندة إقليمية، ام أن القضية متعلقة بغول الفساد الداخلي الذي يلف غالبية القطاعات، يجيب الخبير الاقتصادي بغصةٍ:
“الشق الأول تحكمه الفائدة الكبيرة التي تحصل عليها الدول المجاورة المصدرة لنا، ايران او سوريا او تركيا او السعودية، سواء في الثروة الحيوانية او الصناعات الغذائية التحويلية، لذلك قطعاً ليس من مصلحتها ان يعود العراق الى هويتهِ الأصلية واكتفائه بالاستغناء عنها. اما الشق الثاني فمحلياً لدينا كم هائل من الفساد المستشري يرافقهُ غياب الدعم الحقيقي من قبل وزارة الزراعة للمزارع الستراتيجي او مربي الثروة الحيوانية او الصناعات الغذائية، واذا بالمزارع يجد نفسه ربما يبدل رأس المال مقابل المنتج اي انه لا توجد أرباح، الدعم الموجود لا يجعل الفلاح او المزارع في الموقع الحقيقي المسيطر على الانتاج والجدوى الاقتصادية المتحققة من العمل.”
الحرب الروسية الأوكرانية
الأزمة الأوكرانية ألقت بتداعياتها الاقتصادية السلبية على المواطنين الأوروبي والعربي، علماً أن أبسط حادثة في المحيط الإقليمي تضع العراق في مقدمة المتضررين، هنا يجزم المُختص بهندسةِ المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية:
“سأجيبك بطريقة قد لا تسر الإخوة المحللين الاقتصاديين او الباحثين، وانا مختص وصاحب دراسات أمن واكتفاء ذاتي، انا أعتقد أن الحرب الروسية الأوكرانية إيجابية جداً بالنسبة للعراق وفرصة ذهبية لانعاش ثرواتهِ الزراعية والحيوانية ولاسيما المحاصيل الستراتيجية، إذ بإمكانهِ ان ينهض بشكل سريع جداً، وخلال عامين بإمكانه الانتقال من بلد مستورد للحبوب الستراتيجية الى بلد مصدر لها، كل ما نحتاجهُ هو وضع خطط مدروسة بشكل صحيح وبأرقامٍ صحيحة، اذن علينا أن ننتهز تلك الفرصة الثمينة لأنها في غاية الأهمية، موظفين من خلالها الإرباك الحاصل في السوق العالمية لأن كل الظروف التي تؤدي لإنجاح تجربة العراق مهيأة ومتوفرة وبإمكان العراق أن يحصد ١٢ مليون طن من الحنطة سنوياً بكل بساطة، لأن كل ما يحتاجه دراسات وخططاً وطنية تليق بمستوى العراق لإحلال هذه الأزمة من الجانب السلبي الى الجانب الإيجابي، اليوم المواطن العراقي لا يملك أية خطط بديلة عندما يحدث اختلاف بين المعسكرين الشرقي والغربي، فيصبح المواطن هنا اول وأكبر المتضررين، بل إن أبسط حادثة في المحيط الاقليمي قد تضع العراق في مقدمة المتضررين، هنا اؤكد -من خلال مشروعنا للوطني- بأننا يمكننا، وقادرون جداً، على استثمار تلك الأزمات العالمية وتحويل تبعاتها السلبية الى فوائد على مدار العالم بمساحاتٍ زراعية وثروات حيوانية.”
الزراعة.. سيادة مطلقة
الزراعة واستثماراتها ثروة نفطية دائمية لا تحتاج لإدامتها إلا خططاً وإرادات وطنية صادقة، تُرى ما هي الرسالة والنصيحة الاقتصادية اللتين يقدمهما د.محمد، كمواطن عراقي بهذا الشأن، وما الكلمة التي يوجهها الى المسؤولين في الحكومة والوزارة المعنية بصفتهِ يحمل مشروعاً زراعياً واستثماراً حيوانياً يؤمن حاجة المواطن واكتفاءه الذاتي:
“كلامي ورسالتي أولاً موجهان الى مجلس النواب العراقي الذي ناقش قانون الأمن الغذائي، أقول إن الأمن الغذائي لا يعني تضخيم العملية الاستيرادية، والاكتفاء الذاتي لا يعني الاستعاضة عن المنتج المحلي بمنتجات البلدان الاخرى واستيرادها وخزنها، لربما تكون عملية الخزن لمنتجات تالفة، اهم الفقرات التي يفتقر اليها البلد من شماله الى جنوبه الى شرقه وغربه هي العملية الخزنية التي تحافظ على المنتجات، وهو ما ناقشناه مع وزارة الزراعة وشخصنا الخلل بافتقارنا الى المجمعات الخزنية والمخازن المبردة والمكيفة، اما الفقرة الثانية، اذا افترضنا ان الحكومة التنفيذية تفترض استيراد المواد وتضخيم الخزين ليصل الى الاكتفاء الذاتي، فهذا الحل خاطئ، وايضاً على مجلس النواب ان يعتمد على دعم المشاريع الستراتيجية لتوفير المنتج المحلي بأسرع ما يمكن، ولاسيما في المحاصيل الزراعية. المناشدة الثانية التي لطالما ناشدت بها دولة رئيس الوزراء المحترم مصطفى الكاظمي هي أن يكون الأب الراعي لبرنامج الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي ويدعم المستثمرين المحليين في سبيل تحقيق الأرقام المستهدفة في الاكتفاء الذاتي بالثروتين الحيوانية والزراعية، وأدعو ابناء الشعب كافة للتكاتف في دعم خارطة طريق تؤدي بنا الى المنتج المحلي الذي يصل بنا الى الأمن الغذائي الذي يعني السيادة الكاملة بخروج البلد من أسر الدول المنتجة، الذي بحد ذاته هو مطلق السيادة.”