الموازنة العامة..مــــا لهــــا ومــــا عليهــــا
مصطفى الهاشمي/
أبدى مختصون بالشأن الاقتصادي ملاحظاتهم على ما جاء في قانون الموازنة لثلاثة أعوام الذي أقرّ في سابقة تاريخية هي الأولى من نوعها في العراق، مشيدين بما جاء إيجابيا لصالح اقتصاد البلد، ومؤشرين بعض السلبيات التي أوردها القانون المذكور.
وافق مجلس النواب على إقرار مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية للأعوام 2023 – 2024 – 2025، بمبلغ 198.9 تريليون دينار (153 مليار دولار)، وبعجز يقدر بنحو 64,36 تريليون دينار، نسبة إقليم كردستان منها تقدر بـ 12.6%، بينما بلغ العجز المخطّط المقدر نحو (17%) من إجمالي الناتج المحلي للعراق, وهذه النسبة مرتفعة إذا ما قورنت بنسبة العجز للموازنة السابقة، على أن يصدّر العراق 3.5 مليون برميل نفط يوميا، من ضمنها نحو 400 ألف برميل من حقول كردستان، عبر ميناء جيهان التركي.
قيود قانونية
وقال الدكتور علي محمود سلمان من قسم العلاقات الاقتصادية الدولية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/ الدائرة الإدارية والمالية “من الملاحظ أنّ مجلس النواب صوّت على مادة جديدة تنص على عدم التعامل بأي نص أو قانون أو قرار يتعارض مع قانون الموازنة، وهذا من شأنه أن يقيّد أي قانون أو تعديل قانون يحتمل أن يطرأ خلال الثلاث سنوات المقبلة ويكون من الضروري تشريعه، ما قد يربك مشاريع إصلاح الخلل في ثغرات قانون الموازنة”.
وأضاف سلمان في حديثه لـ”الشبكة” أنّ “الموازنة جاءت بتقدير سعر برميل النفط على (70) دولاراً وبسعر صرف 1300 دينار لثلاث سنوات وهذا قد يشكّل خطورة محتملة على البلد نتيجة لتقلبات الأسعار العالمية، في ظل المتغيرات المستمرة والمتوقعة, وأن أي انخفاض بمستوى الأسعار سيؤدي إلى خلل بتنفيذ بعض فقرات الموازنة, ثم تضطر الحكومة إلى سد فجوة انخفاض أسعار النفط من خلال الاقتراض الداخلي والخارجي بنسبة قد تصل إلى 66%, ما يزيد نسبة المديونية”.
استهلاكية لا استثمارية
وبيّن: “قد يواجه العراق أوقاتاً صعبة وتحديات حكومية خلال العامين المقبلين في ظل هذه الموازنة التي اتّسمت بالاستهلاكية أكثر من الاستثمارية في المجالات التي تزيد من نسبة الدخل القومي لا سيما في المشاريع الحيوية الصناعية، كما لم تعتمد على خطط تنموية ذات جدوى اقتصادية, وإنما جاءت توافقية سياسية وترضية للأطراف المشكّلة للحكومة”.
وتابع أنّ “من الأمور التي ترهق الموازنة، الرواتب والرعاية الاجتماعية وتخصيص مبالغ خيالية كنفقات للبرلمان، تصل إلى نحو 30 مليون دينار شهريا عدا الرواتب، ما يكبّد العراق خسائر كبيرة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار عدد الأعضاء, وتكاليف جولات التراخيص النفطية التي لا يمكن تخفيضها خلال العامين المقبلين، لا سيما أن الموازنة قد اعتمدت على تصدير النفط بنسبة 90% في ظل القيود المفروضة على البلد من عدم زيادة الإنتاج وفق الاتفاقيات مع مجموعة “أوبك بلس” وما تبعها من توقف صادرات إقليم كردستان النفطية”.
الدرجات الوظيفية
بدوره قال الاكاديمي الاقتصادي الدكتور ماجد البيضاني: إن “إضافة درجات وظيفية للقطاع العام تضاف إلى الدرجات التي تمت إضافتها في قانون الأمن الغذائي من خلال مجلس الخدمة العامة الاتحادي، ستدخل العراق في مشكلة كبيرة لن تستطيع الحكومات المقبلة معالجتها، وستضاف إلى نسبة الموازنة التشغيلية، لا سيما أن عدد الموظفين الحكوميين سيتجاوز 4.5 مليون موظف بما يعادل أكثر من 11% من سكان البلد، ما يعد بطالة مقنعة”.
ولفت البيضاني الى أن “فقرة إسقاط الديون على الشركات لم تكن موفقة ولم تكن عملية كذلك، وكان من المفروض أن يصار الى تبويب استرداد مبالغها الى شركات ومشاريع تنموية صغيرة ومتوسطة وكبيرة لتحقيق الفائدة والجدوى الاقتصادية وشمول أكبر عدد من الشباب بالدعم الإنتاجي بما من شأنه تحقيق زيادة في الناتج المحلي الاجمالي”.
بوصلة الإنفاق
من جهته رأى الاكاديمي الاقتصادي الدكتور صفوان قصي، أن الحكومة مطالبة بالقيام بعملية تغيير بوصلة الانفاق العام وتتجه نحو الاستثمار، مُقترِحا فكّ ارتباط الموازنة الاستثمارية من الانفاق العام. وقال قصي: إن “زيادة مستوى الإنفاق بسبب زيادة الانفاق التشغيلي وليس الاستثماري، فعدد موظفي الدولة العراقية ارتفع من 800 ألف موظف قبل عام 2003 إلى ما يقارب 5 ملايين موظف حتى الآن، فضلا عن أعداد المتقاعدين وكذلك المشمولين بالرعاية الاجتماعية”.
وعن فائدة إقرار الموازنة لمدة 3 سنوات، قال قصي: إن “إقرار الموازنة بهذه الطريقة يساعد في الكشف عن عدم تكرار الإنفاق على نفس البند ونفس الوزارة من سنة إلى أخرى”.
وأضاف قصي في حديثه لـ “الشبكة”: “كان هناك هدر في المال العام يرافق عملية الإنفاق في السنوات السابقة بسبب ظهورها على أساس سنوي، وليس على أساس 3 سنوات”.
مراجعة التقديرات
وبيَّن أن “الاستقرار المالي والاقتصادي سيتيح إمكانية إجراء التعاقدات الوزارية لترتفع بمستوى التخصيصات، ونحن مع إقرارها على أساس 3 سنوات، مع إعادة النظر في التقديرات نهاية العام الحالي لكي نقبل على 2024 ضمن تقديرات واقعية تعتمد على برنامج الحكومة والأهداف التي تستجد أو تحذف أو عندما تتبدل الأولويات، فعملية إقرارها ستكون ضمن نظرة واقعية حالية مع مراجعتها سنة 2024”.