تعدد مصادر القرار يضعف عملها الموانئ العراقية: الأكثر تراجعاً في الشرق الأوسط

601

طه حسين/

تواجه‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬لموانئ‭ ‬العراق‭ ‬اتهامات‭ ‬عديدة،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬تغييب‭ ‬الكفاءات‭ ‬العراقية‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة،‭ ‬التي‭ ‬تتقاسمها‭ ‬جهات‭ ‬حزبية‭ ‬تتصارع‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬نفوذها‭ ‬بهدف‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مواردها‭ ‬الضخمة،‭ ‬فيما‭ ‬ينعكس‭ ‬الإهمال‭ ‬على‭ ‬موانئها،‭ ‬حيث‭ ‬السفن‭ ‬الغارقة‭ ‬والزوارق‭ ‬المتروكة‭ ‬تخنق‭ ‬ممراتها‭ ‬الملاحية‭.‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬الموانئ‭ ‬تمثل‭ ‬رئة‭ ‬العراق‭ ‬وبوابته‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬يطل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬إذ‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬إدخال‭ ‬جميع‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬البضائع‭ ‬المُختلفة‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬الموانئ‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭. ‬ومع‭ ‬هذا،‭ ‬فهي‭ ‬تُصنف‭ ‬اليوم‭ ‬بأنها‭ ‬الأكثر‭ ‬تراجعاً‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬البحرية‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

بالطبع،‭ ‬فإن‭ ‬الموانئ‭ ‬تُحقق‭ ‬واردات‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة،‭ ‬يسيل‭ ‬لها‭ ‬لعاب‭ ‬الفاسدين،‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬تقاسم‭ ‬النفوذ‭ ‬داخلها،‭ ‬وإضعاف‭ ‬دور‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬العاملة‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬طرق‭ ‬الترغيب‭ ‬والترهيب‭.‬

خطط‭ ‬لتغيير‭ ‬واقع‭ ‬الموانئ

لكن‭ ‬مدير‭ ‬العلاقات‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬لموانئ‭ ‬العراق،‭ ‬أنمار‭ ‬عبد‭ ‬المنعم‭ ‬الصافي،‭ ‬أكد‭  ‬لـ‭ “‬مجلة‭ ‬الشبكة‭” ‬أن‭ “‬الشركة‭ ‬تعمل‭ ‬بحلتها‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬للموانئ،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬النهوض‭ ‬بها‭ ‬وتطويرها،‭ ‬وجعلها‭ ‬من‭ ‬الموانئ‭ ‬الجاذبة‭ ‬لشركات‭ ‬النقل‭ ‬البحري‭. ‬ويظهر‭ ‬ذلك‭ ‬جلياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التطور‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬الأرصفة،‭ ‬فقد‭ ‬حرصت‭ ‬الشركة‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬أرصفة‭ ‬جديدة‭ ‬وساحات‭ ‬خزن‭ ‬للحاويات‭ ‬والبضائع؛‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬انسيابية‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الحاصل‭ ‬فيها‭.”‬

فريق‭ ‬واحد

أضاف‭ ‬الصافي‭: ‬إن‭ “‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الشركة‭ ‬يعملون‭ ‬بروح‭ ‬الفريق‭ ‬الواحد‭ ‬ضمن‭ ‬السياقات‭ ‬الإدارية‭ ‬والفنية‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬الشركة،‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬أساسياتها‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬الشخص‭ ‬المُناسب‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬المُناسب،‭ ‬لذا‭ ‬فهي‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬احتضان‭ ‬جميع‭ ‬الموظفين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمييز،‭ ‬وتعطي‭ ‬الكفاءات‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬تبوّء‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭. ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬الشركة‭ ‬تعمل‭ ‬بموجب‭ ‬القوانين‭ ‬والأنظمة‭ ‬المشرعة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬العراقية،‭ ‬أما‭ ‬بخصوص‭ ‬القوانين‭ ‬الخاصة‭ ‬بالملاحة‭ ‬فإن‭ ‬الشركة‭ ‬تعمل‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬مع‭ ‬إجراء‭ ‬التعديلات‭ ‬عليها‭ ‬ضمن‭ ‬حدود‭ ‬القانون‭ ‬المُلائم‭ ‬للتطور‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬فلا‭ ‬يصح‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬وفق‭ ‬القوانين‭ ‬الملاحية‭ ‬السابقة،‭ ‬والجميع‭ ‬يلاحظ‭ ‬التطور‭ ‬الحاصل‭ ‬بهذا‭ ‬المجال‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬والعالم‭.”‬

سلطة‭ ‬الدولة

وشدد‭ ‬الصافي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ “‬لا‭ ‬صحة‭ ‬للشائعات‭ ‬التي‭ ‬تقول‭: ‬إن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الموانئ‭ ‬مُقسم‭ ‬بين‭ ‬الأحزاب‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬جهات‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬سُلطة‭ ‬الموانئ،‭  ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الأعمال‭ ‬فيها‭ ‬تُدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإدارة‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الشركة،‭ ‬وشركات‭ ‬التشغيل‭ ‬المُشترك‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬التعاقد‭ ‬معها‭ ‬وفق‭ ‬القانون‭ ‬العراقي‭ ‬النافذ،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬الموانئ‭ ‬تعتبر‭  ‬النافذة‭ ‬التي‭ ‬يطل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬ويوفر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬كل‭ ‬السلع‭ ‬التي‭ ‬تحتاجها‭  ‬السوق‭ ‬المحلية‭.”‬

على‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬يقول‭ ‬وزير‭ ‬النقل‭ ‬الأسبق،‭ ‬كاظم‭ ‬فنجان‭ ‬الحمامي‭: ‬إن‭ “‬السُفن‭ ‬الغارقة‭ ‬والزوارق‭ ‬المتروكة،‭ ‬باتت‭ ‬تخنق‭ ‬الممرات‭ ‬الملاحية‭ ‬وتعيق‭ ‬انسيابية‭ ‬مرور‭ ‬الناقلات،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬لهذه‭ ‬المُشكلة‭.”‬

لكن‭ ‬مدير‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬للموانئ،‭ ‬أنمار‭ ‬الصافي،‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ “‬الإدارة‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬لموانئ‭ ‬العراق‭ ‬وضعت‭ ‬جدولاً‭ ‬زمنياً‭ ‬لرفع‭ ‬جميع‭ ‬الغوارق‭ ‬بحسب‭ ‬تأثير‭ ‬موقع‭ ‬الغريق‭ ‬وإعاقته‭ ‬لسير‭ ‬السُفن‭ ‬والناقلات،‭ ‬وحال‭ ‬إخراجها‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬عرضها‭ ‬للبيع‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬فيما‭ ‬ينقل‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬معمل‭ ‬الحديد‭ ‬والصلب‭ ‬التابع‭ ‬للدولة‭”‬،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬الشركة‭ ‬عملت،‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2003م‭ ‬وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬جميع‭ ‬الغوارق‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬الملاحة،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬رفعها‭ ‬بالتعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬مع‭ ‬قسم‭ ‬الإنقاذ‭ ‬البحري‭ ‬التابع‭ ‬للموانئ‭ ‬بواسطة‭ ‬الرافعة‭ ‬العملاقة‭ (‬أبا‭ ‬ذر‭)‬،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬جزء‭ ‬قليل‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬والشركة‭ ‬مُستمرة‭ ‬بانتشاله‭ ‬بمُساعدة‭ ‬الرافعة‭ (‬حمرين‭ ).”‬

قطع‭ ‬بحرية‭ ‬جديدة

ولفت‭ ‬الصافي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬الإدارة‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الشركة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬وضعت‭ ‬فيه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخطط‭ ‬لتطوير‭ ‬عمل‭ ‬الموانئ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬الأرصفة‭ ‬القديمة،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬أرصفة‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة،‭ ‬قامت‭ ‬أيضاً‭ ‬بإنشاء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأرصفة‭ ‬في‭ ‬موانئ‭ ‬أم‭ ‬قصر‭ ‬الشمالي‭ ‬والجنوبي‭ ‬وخور‭ ‬الزبير،‭ ‬وهناك‭ ‬أرصفة‭ ‬أخرى‭ ‬قيد‭ ‬الإنجاز،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ميناء‭ ‬الفاو‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬المشروع‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العملاق،‭ ‬الذي‭ ‬سيغير‭ ‬خارطة‭ ‬النقل‭ ‬العالمية،‭ ‬ويحقق‭ ‬للعراق‭ ‬نمواً‭ ‬اقتصادياً‭ ‬كبيراً،‭ ‬كذلك‭ ‬سوف‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬نسب‭ ‬البطالة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الاكتفاء‭ ‬في‭ ‬أرصفة‭ ‬تصدير‭ ‬النفط‭ ‬والتجارة‭ ‬العامة‭.” ‬مُؤكداً‭ ‬على‭ ‬أن‭ “‬الشركة‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬برنامج‭ ‬مُتكامل‭ ‬لبناء‭ ‬قطع‭ ‬بحرية‭ ‬وإعمار‭ ‬وتأهيل‭ ‬القطع‭ ‬البحرية‭ ‬القديمة،‭ ‬وتحديث‭ ‬المُعدات‭ ‬والآليات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬الأتمتة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬إنجاز‭ ‬ساحة‭ ‬الترحيب‭ ‬الكبرى،‭ ‬التي‭ ‬ستجتمع‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭.” ‬مُبيناً‭ ‬أن‭ ‬‭”‬الشركة‭ ‬عاملة‭ ‬على‭ ‬الارتقاء‭ ‬بواقع‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المفاصل‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭.”‬

تعدد‭ ‬الجهات‭ ‬الساندة

كما‭ ‬أشار‭ ‬مدير‭ ‬العلاقات‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬الشركة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬وتعرقل‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الموانئ‭ ‬هو‭ ‬تعدد‭ ‬الجهات‭ ‬الساندة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬داخل‭ ‬الموانئ،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجهات‭ ‬تعمل‭ ‬وفق‭ ‬توجيهات‭ ‬وزاراتها‭ ‬ومراجعها،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعارض‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭.” ‬منوهاً‭ ‬إلى‭ “‬أهمية‭ ‬تفعيل‭ ‬قانون‭ ‬السُلطة‭ ‬البحرية،‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬ومُراقبة‭ ‬العمل‭ ‬البحري‭.”‬مُؤكداً‭” ‬على‭ ‬سعى‭ ‬الموانئ‭ ‬لجعل‭ ‬جميع‭ ‬الجهات‭ ‬العاملة‭ ‬فيها‭ ‬تحت‭ ‬سُلطة‭ ‬إدارة‭ ‬الشركة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬موانئ‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى‭”.‬