سياسة دعم الطاقة عامل ضغط على الموازنة المالية
مرتضى العزاوي /
تمارس الدولة العراقية، منذ عقود طوال، سياسة دعم الطاقة، وذلك لأهداف غالبيتها سياسية واجتماعية، بعيداً عن الجدوى الاقتصادية، وفي حين يوفر هذا الدعم إعانة -بدرجة معينة- للفئات الفقيرة، لكنها تعود بالمنفعة الكبيرة على المستهلكين الأغنياء.
أصبح هذا الدعم يشكل ضغطاً كبيراً على موازنات الدولة العراقية، لاسيما في السنوات الأخيرة، وذلك على حساب الاستثمار الضروري في البنية التحتية والتعليم والصحة، فضلاً عن أن هذا الدعم يشجع بشكل كبير على الإسراف ويضر بشكل كبير في البيئة.
يروق للدولة العراقية دعم المشتقات النفطية نظراً لسهولته من الناحية الإدارية مقارنة بالأدوات الأخرى لمنظومة الأمان الاجتماعي، التي تتطلب توجيهاً أكبر، مثل برامج الإعانات النقدية المباشرة، إلا أن هذا الدعم ظالم ويفتقر بشكل كبير الى الإنصاف، إذ يستفيد منه أصحاب الدخل الأعلى غالباً، وينشئ مشكلات أكثر من المشكلات التي يقصد معالجتها، فدعم الطاقة لا يوفر حلاً حقيقياً لمكافحة الفقر، ويؤثر بشكل كبير على الموازنات العامة، وينتج تشوهات كبيرة في الاقتصاد الوطني، ويثبط الاستثمار في قطاعات الطاقة والصناعات التي تستخدم العمالة بكثافة أكبر.
تشير بيانات صندوق النقد الدولي الى أن فاتورة دعم الطاقة في العراق تجاوزت ٢٢% من مجموع الإيرادات الحكومية السنوية وهي قرابة ١٠% من الناتج المحلي الإجمالي، ويمثل دعم المشتقات النفطية قرابة نصف هذا المقدار، أما البقية فتشمل دعم الكهرباء والغاز، إذ صرحت وزارة النفط العراقية -قبل شهر- بأن خسائر الموازنة العامة من دعم البنزين المحسن المستورد وزيت الوقود قد يتجاوز ٦ مليارات دولار هذه السنة لوحدها، وهذا المبلغ قد يكون غير دقيق لأنه يهمل الدعم الكبير المقدم الى المصافي العراقية في ما يخص سعر برميل النفط الخام، وإذا ما أضيف هذا الرقم سيصبح الدعم رقماً مخيفاً.
إن لعملية إصلاح دعم الطاقة دور مهم وحيوي في إحداث النهضة الاقتصادية ورفع معدلات نموها، وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن هذا الإصلاح سيكون معقداً على الصعيدين السياسي والإداري، ويجب أن يكون التخطيط له بعناية وحذر كبيرين فيما يتعلق بالتوقيت والوتيرة وكذلك التدابير التعويضية من خلال توجيه التحويلات النقدية للفئات الأكثر تضرراً من إلغاء الدعم.
العوائق أمام إصلاح دعم الطاقة:
١-عدم وجود الشفافية لحجم الدعم، إذ أنه لا يظهر الكلفة الحقيقية لهذا الدعم في الموازنات العامة، وبالتالي لا يتمكن الجمهور من تحديد أي ارتباط بين الدعم وآثاره الضارة على النمو الاقتصادي والحد من الفقر.
٢-فقدان الثقة بالحكومة وقدراتها الإدارية، فحتى مع اعتراف الجماهير بالآثار السلبية للدعم، فإنه في الغالب لايثق في الحكومة في إنفاق الوفورات المالية بحكمه.
٣-المعارضة من الفئات المستفيدة من الوضع الحالي.
٤-ضعف الأحوال الاقتصادية في البلد، إذ تقل مقاومة الجمهور عندما تكون معدلات النمو الاقتصادي مرتفعة ومستويات التضخم منخفضة.
المنافع المتحققة من إصلاحات دعم الطاقة:
إعادة توجيه الموارد المالية المتحققة من إصلاح الدعم باتجاه زيادة الإنفاق العام الإنتاجي، الذي سيسهم بشكل كبير في إعطاء دفعة للنمو الاقتصادي في الأجل الطويل، وسيؤدي في النهاية الى تحسينات كبيرة في حياة الفئات منخفضة الدخل، وكذلك ستؤدي هذه الإصلاحات الى خفض عجز الموازنات العامة وأسعار الفائدة، ما يحفز استثمارات القطاع الخاص، وبالتالي تعزيز الاقتصاد الوطني.