التشكيلي محمود فهمي: رغم اغترابي لسنين تبقى بغداد معشوقتي الأولى
حاوره : زياد جسام /
افتتح قبل أيام المعرض الرابع للفنان العراقي المغترب (محمود فهمي عبود)، بعنوان (بوليفارد بغداد) على قاعة الكاليري. ويعد معرضه هذا هو الأول في العراق، فقد تجول الفنان فهمي في العديد من بلدان العالم، إلا أن بغداد لم تفارق ذاكرته، وكان ذلك جلياً في لوحاته التي أنتجها وما زال ينتجها.
أعماله في الرسم تقع بين مدرستين هما الواقعية والتعبيرية، إذ يقدم لوحاته بما يشبه الحلم، بين الشناشيل البغدادية ونهر دجلة، أما المرأة البغدادية فهي شغله الشاغل, فهو عادة ما يرسم (الخاتون) بكل حالاتها الجمالية. قدم خلال معرضه الحالي 26 لوحة زيتية بأحجام كبيرة مختلفة تزيد أبعادها عن المتر ونصف المتر، كما قدم 7 لوحات تخطيطية على ورق.. انتهزنا فرصة وجود الفنان في المعرض وأجرينا معه هذا الحوار:
*الجمهور العراقي كان متشوقاً لمشاهدة أعمالك بشكل مباشر، فقد تعودوا رؤيتها على المواقع الإلكترونية، ما هو شعورك وأنت تقف بين هذا الجمهور الذي تعاطف مع أعمالك بشكل كبير؟
– إنه شعور جميل لا يمكن وصفه، تفاعل الجمهور العراقي الكبير مع أعمالي أشعرني بالغبطة، فهي فرصة لمشاهدة أعمالي بشكل مباشر وعن قرب، لتكون لدى المتلقي فكرة ملموسة عن اللون والضوء في تكوينات أعمالي، وقد سمعت آراء إيجابية عديدة حول هذا الموضوع من بعض الحضور، إذ قال بعضهم “إن أعمالك أكثر سحراً وتفاعلاً عما شاهدناها في المواقع.”
*من أين جاءت تسمية معرضك الحالي بـ “بوليفارد بغداد” ؟
– “بوليفارد” تسمية تعني الشارع المشجر، وهي تسمية فرنسية، وعادة لا يمكن ترجمتها، لذا تستخدم بالإنكليزية وباقي لغات العالم بنفس التسمية كما هي، معظم أعمالي مواضيعها عن البيوت التي يسكنها الناس، التي تقع بين تلك الشوارع المشجرة، ونحتاج جرعة من تسميات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عند ظهور تخطيط المدن بالمفهوم الحديث، تتزامن مع تلك التسميات الجميلة، لأنها غرائبية وخارجة عن مألوف مسمياتنا.
*سبق لك أن أقمت ثلاثة معارض، ومعرض (بوليفارد بغداد) هو الرابع، في رأيك أي المعارض التي أقمتها كان أكثر أهمية؟
– أنا بطبعي لا أحب كثرة المعارض الشخصية، لكنني أركز على جودة أعمالي التي أنتجها بشكل منفرد، وأجدها –بصراحة- ذات تأثير في المتلقي، قبل أن يكون المعرض هو عبارة عن رقم إضافي، إذ ليست هناك أية دلالات ترفع من قيمة أعمالي لو عملت معارض كثيرة، عموماً معرضي الثاني في دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 2010 كان من المعارض الناجحة، لكن معرضي الحالي في بغداد أعتقد بأنه الأفضل على الإطلاق من ناحية الحضور، كذلك أعتبره الأكثر نضجاً في أعمالي الأخيرة.
* برغم أنك غبت عنها لسنين، لوحاتك تفيض بحب بغداد ودرابينها وشناشيلها ونهرها.. ما سر انشغالك ببغداد والعراق عموماً؟
– على الرغم من اغترابي لسنين، بقيت بغداد -معشوقتي الأولى- راسخة في مخيلتي ووجداني، حب العراق وهو ما يشغلني دائماً، لذا أرسمه من خلال امرأة جميلة، أو كأم حنون أحياناً، أو ربما أرسمه كزقاق أو سماء أو شمس جميلة، كل شيء جميل يذكرني ببغداد والعراق وبكل أناسه وأهله الطيبين، أعشقه كحضارة وكل يوم يزداد عشقي له، وأعمالي كلها تتحدث عن العراق وضحكات أطفاله وحقوله وأسواقه، لدي أمل كبير بأن العراق سيرجع كما كان، ومطمئن من ذلك تماماً..
*في الفترة الأخيرة يبدو على أعمالك أنها تحولت إلى الواقعية أكثر من التعبيرية، هل هذا التحول مقصود؟
-أحب الانتقالات في أعمالي، في إنتاجي الأخير اتجهت إلى الواقعية الرومانسية وتأثيرات الضوء في المشاهد، هذا التلاعب بالتضاد الضوئي يشعرني بالقوة الجمالية والاقتدار والتحدي في الإنشاء والبناء الجمالي للمشاهد.. أعتقد أن التحولات طبيعية للفنان، ولاسيما من يقرر أن تكون حياته ديناميكية وتفاعلية مع المحيط، وأنا بطبيعتي أحب التجديد ولا أحب النمطية، وأراقب نفسي كثيراً على ألا أكون فناناً مملاً، كما أبحث عن التجربة التي يتفاعل معها المتلقي.
*أعمالك انتشرت عالمياً، هذا واضح جداً من خلال اهتمام المواقع الإلكترونية والإعلام اللذين سلطا الضوء عليها، هل تعتقد أنك وصلت إلى ما تريد؟
-نعم، إنها تؤشر مدى الاستجابة الإيجابية عند المتلقي، وتأثيرها على تفاعل الإنسان البسيط، وكذلك على النخبة، تأثيرات أعمالي احتلت مساحة كبيرة وواسعة من الذوق المجتمعي، مع الحفاظ على الرصانة في تناول المواضيع.. ذلك فعلاً ما كنت أريد إيصاله.
*صور لوحاتك طبعت على العديد من المنتجات التجارية في العراق، إذ شاهدنا منها الكثير، مثل المفروشات او الحقائب أو غيرها من الأشياء، هل كان هذا بالاتفاق معك أم إنه تصرف فردي؟
– هذه المطبوعات وإعادة طبعها بشكل تجاري هي بالتأكيد ليست بالاتفاق معي، إذ ليس لدي أي عقد معهم، ولاسيما أن غالبيتها رديئة الطباعة وغير واضحة، لأنها مسروقة من مواقع الإنترنيت، وردّي على هذه الظاهرة هو أنها غير حضارية، إذ أنها تدخل في مجال السرقة العلنية، وأنها تجارة غير شرعية وسرقة جهود وتعب وسهر ليالٍ.