شباك ماريا على دكانة علي عن الكرادة أتحدث
أحمد هاتف/
هو الأسود يخرج من ابتسامة الشارع.. من فاترينات محشوة بالوهج والضوء “كانت هنا طفلة تحلم بأنسكاب الأبيض” على يسار الشارع” أم حلمت بعناق ورائحة حليب أولادها وصبحية توقظ سنواتها بعرفان مبارك”..
كان هنا فجر يتثاءب ليطول.. حتى أن الشمس ظلت حائرة بأي سنا ستشرق..
هي الكرادة.. طفلة بغداد اللاهية.. إبنة الشوارع الفسيحة والضوء والصلبان.. وريثة الدلال العتيق.. التمشي مزهوة بكعبها العالي على جرف أخضر.. تاركة لنا يوكالبتوس مسن وشموسا مرتعشة تتردد على باعة العطر والورد.
هنا الكرادة إذن.. شباك ماريا على دكانة علي.. الجارة الصفية للتراتيل ودعاء كميل.. نافذة على “أحبك ضاحكة”.. أفق مفتوح لـ “موعدنا هناك”.. مذاق أيد متشابكة وصوت قويم لوردة تواعد هواء أصيلا.. قهوة مرة وعناد قميص يصر على التلون بعيدا عن أفق البارود..
هنا حياتي.. المخلوطة بشاي «ابو زهراء» وقهوة أثير ومذاق» يوسف الأيطالي «.. هنا «كنائس للنجاة» ومريميات بيض يوردن وجنات العصر بتقى أبيض.. هنا «حسينية لعبد الرسول علي» ومقام لسيدة تدعى «ارخيته « وعمارة للخاتون ليلى.. ومكتبة لآل الربيعي.. وشارع للعم أصفر.. وآخر للعطار.. هنا رائحة «بن الحاج رضا علوان» ومحطة تعبئة لأبي قلام.. كل شيء رهين منجز مدني.. وسدارة بغدادية..
هنا «خاتونة بغداد» مدللة دجلة «وجارة الشجر.. وحبيبة سيد أدريس.. تهرب من بردها لـ «حمام حجي مهدي» وتقاوم حرائق صيفها بالأغتسال بشرائع دجلة..
هنا أميرات ضوء.. واشتبكات أراء.. وحدائق حسن بغدادي عريق.. وخطى بأتجاه الأتجار بـ «أنت أجمل»
من محالها خرجت عرائس بغداد.. وتزين مجانين الأناقة.. هذا الفجر كانوا يمطرون ضحكات حتى ان السماء أرتبكت وسحبت آخر ذرات غبارها كي لاتلوث أبيض قمصانهم..
في أستقامة «ذهب الليل» كان حشد ملائكة يتناولون دعابات وشغب.. ويقلبون القهوة بين الحلوة والساكنة.. ثمة حمامة على رأس القبة بكت.. قيل ان ثلاثة عصافير هربت.. ولم تهدأ لافتة «المذاق الأيطالي» الخضراء.. حتى أن «كلمة الهادي»على أعلى العمارة كانت تنظر بكامل حروفها للقادم.. أقسم كبير الحمامات انه رأى الحروف تضع نقاطها على العيون.. وان نسمة هواء قالت لجارتها أن تكاد تختنق.. كان الأولاد ينقحون وجه الفراغ في الشارع..
في الوقت المائل للأبيض جاءت دقائق موت.. حارقة وغاضبة.. لامست الخشب فأحترق.. كانت السماء أدعية وصراخات.. وقف النهر على قدميه ونادى المدينة.. بأعلى صوت الماء نادى المدينة.. بكامل صراخ الصليب.. باعلى حمامة على منارة سيد أدريس نادى.. كان الله ذاهلا ينظر لأولاد بيض يتسللون في غيمات الجنة.. كانت الملائكة تنظر حائرة لوجوههم الحلوة..
حدثني ملاك أن الشيطان بكى.. وضرب رأسه بجدار النار فتداعت الجدران وتساقط ورد كثيف.
كانت الكرادة في الواحدة والنصف من قلب الصبح تبكي..