هذا ما تركه داعش في المدن المحررة
وائل حمد/
قصص قد لاتصدق. حكايات عن أطفال رضع جرى تفخيخهم في غرب العراق لمنع القوات العراقية من التقدم باتجاه تنظيم “داعش”. وعن “ثلاجات” و”تلفزيونات” تنفجر بمجرد تشغليها.
عبوات وبيوت مفخخة
تلك الذكريات السيئة التي تركها “داعش” للسكان بعد ان هزم في اغلب مدن العراق، اسفرت عن مقتل 50 عراقيا كل شهر في الرمادي، مثلا، بسبب تفكيك الألغام ونقص في الجهات ذات الخبرة في رفع العبوات والاعتماد على “المتحمسين” من المتطوعين.
ويبدو الحصول على رقم “تخميني” عن عدد العبوات والألغام التي زرعها “داعش” في المناطق التي سيطر عليها منذ العام الماضي، “ضربا من الخيال”.
فالتنظيم – بحسب مصادر أمنية ومحلية وعناصر من الحشد الشعبي- فخخ كل منطقة سيطر عليها بمعدل عبوة لكل مترين، ولغم كل شيء صار في طريقه: الشوارع، الجدران، البساتين، المنازل والأبنية الحكومية، الأجهزة الكهربائية، ساريات الاعلام، محولات الطاقة، أعمدة الكهرباء، وحتى الأشجار.
في حين تختلف كثافة “العبوات المزروعة” طبقا لاهمية المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم، وقربها من شوارع رئيسة قد تكون ممرا للهجوم عليه من قبل القوات الأمنية، واكثرها في مناطق جنوب بغداد، وشمال تكريت، والرمادي، وذلك حسب حصيلة متنوعة من البيانات توفرت لـ”مجلة الشبكة”، عبر حوار مع مسؤولي الأمن في 6 محافظات.
أنواع العبوات
تختلف انواع “العبوات”، بحسب المصادر الأمنية، التي يزرعها “داعش”، من بسيطة الى مزدوجة وثلاثية الربط، ومصائد مغفلين “للمشاة”، وشرائك باستخدام خيوط صيد الأسماك، وأخرى تعمل باللمس، والمعلقة بالهواء على أغصان الأشجار.
وبحسب قيادات في الحشد الشعبي، شارك بعض عناصرها في معالجة تلك العبوات، فانه يصعب الكشف عنها بسهولة، لان معظمها مخفي تحت الأرض، كما ان اجهزة الكشف لا يمكن إدخالها الى مناطق وعرة أو حقول كثيفة.
“المسطرة” و”الروبوت حمودي”
فيما يكشف مسؤولون محليون أن هناك عبوات تحتاج الى سبع ساعات لتفكيكها، لذا بدأت القوات الأمنية بتفجيرها عن بعد بدلا من معالجتها اختصارا للوقت وخوفا من ارتباطها بعبوات أخرى تنفجر عند تحريكها.
ذخائر وأسلحة
وتشير مصادر أمنية الى ان معظم أجهزة كشف المتفجرات “الروبوتات” والمعروفة في الوسط العسكري بـ”حمودي” تحطمت بسبب انفجار العبوات، وصار عددها قليلا جدا. فيما اكدت ان “العبوات” مصنعة من الذخائر والأسلحة التي استولى عليها “داعش” بعد تراجع القطعات العسكرية في الموصل وتكريت والانبار.
ويقول مصدر رفيع في وزارة الداخلية لـ”مجلة الشبكة” ان “اكثر المناطق التي يتواجد فيها عدد كبير من العبوات والتي تقع تحت سيطرة “داعش”، هي في منطقتي جرف الصخر وبيجي، والرمادي”.
ويقول المصدر الأمني الذي طلب عدم ذكر اسمه، لحساسية المعلومات، ان “داعش” يستخدم طريقة بزرع عبوات تعرف بـ”المسطرة”، وهي قطعة حديدية طويلة تمتد على مساحة من الأرض، وترتبط بها عدة عبوات، وبمجرد لمس اي طرف من أطراف “القطعة الحديدية” تنفجر كل العبوات بوقت واحد. وهي من العبوات التي يصعب تفكيكها واكتشافها.
ويقول المسؤول الأمني ان “المسلحين صنعوا عبوات تكتمل دورتها الكهربائية بمجرد تشغيل اي جهاز كهربائي، مثل مبردة الهواء”، ويوضح ان المواد الأولية التي تدخل في صناعة تلك العبوات تتكون من حشوات وقذائف الهاون والمدافع والدبابات، مشيرا الى ان تلك المواد حصل عليها داعش بعد تراجع القطعات العسكرية الموصل.
فيما يؤكد ان معظم عناصر “التنظيم” هم من العناصر السابقين في جهاز المخابرات والحرس الخاص والأمن في زمن النظام السابق ويحترفون صناعة العبوات وطرق التفخيخ.
“ملح مفخخ”
بالمقابل فان بعض طرق التفخيخ، لاسيما تلك المستخدمة في تلغيم السيارات – بحسب المصدر الأمني – تستخدم مادة جديدة هي “السي فور” التي حلت بديلا عن المادة التقليدية التي كانت موجودة في العراق الـ”تي ان تي”.
ويقول المسؤول الأمني ان مادة “السي فور” فضلا عن “نترات الامونيا”، هي مواد شديدة الانفجار، والأخيرة يتم الحصول عليها من متاجر بيع المواد الزراعية، فيتم خلطها مع مواد أخرى لتصنيع العبوات، مؤكدا ان بعض تلك المواد يشبه “الملح” ويتم وضعه بين أكياس “الملح” في سيارات الحمل ويصعب العثور عليه بسهولة.
وعن طرق تفكيك العبوات، يلفت المسؤول الأمني الى ان الطريقة المهنية في تفكيك العبوات هي باستخدام الرجل الآلي “الروبوت” ليحدد اماكن وجود المفخخات، لكن الكثير منها تحطم بسبب تعرضه للانفجارات والمتبقي منها عدد قليل.
واضاف ان “حماسة” بعض العناصر الأمنية والحشد الشعبي دفعتهم الى التوغل في تلك الأراضي المزروعة بالألغام من دون اجهزة كشف، ما ادى الى وقوع الكثير من الضحايا.
جرف النصر: 50 ألف عبوة
وفي جرف الصخر، شمال المسيب والتي سميت بعد ذلك بـ”جرف النصر”، يقول حسن فدعم، وهو قائد لاحد مجاميع الحشد الشعبي لـ”مجلة الشبكة” إن القوات التي يشرف عليها كانت “تفكك يوميا 200عبوة”، مشيرا الى ان عدد العبوات التي تم تفكيها في قاطع مسؤوليته “الفاضلية، شمال الجرف”، وصلت الى 3000عبوة.
وقال فدعم ان “اغلب العبوات مدفونة تحت الأرض، واستمر داعش بزراعتها لاشهر”.
ويكشف فدعم، وهو نائب رئيس لجنة الأمن في مجلس محافظة بابل، ان احد المعتقلين من عناصر “داعش” في جرف الصخر، قال ان كل “عنصر مكلف يوميا بزراعة 70 عبوة”. مؤكدا ان “كل الطرق المؤدية الى الجرف، سواء المبلطة أم الصحراوية كانت مزروعة بالأجسام المفخخة”.
ويكشف المسؤول المحلي عن ان بعض “العبوات”، والتي تعرف بـ”مصيدة المغفلين” وهي لاستهداف المشاة، تربط بالخيط الخاص بصيد السمك “الشص” وحين تلمس قدم المار بذلك الخيط ينسحب “الصاعق” وتنفجر العبوة.
من جهته يقول النائب عن بابل صادق المحنا لـ (مجلة الشبكة): بانه “لا يمكن اعطاء رقم دقيق أو تقريبي لعدد العبوات المزروعة في الجرف”، مشيرا الى ان اكثر العبوات غير ظاهرة، ومدفونة بالكامل تحت الأرض.
ويقول المحنا، وهو كان احد المتواجدين في عمليات تحرير “الجرف”، ان “بعض الشوارع مفخخ بنسبة كل مترين عبوة”، وبعضها مصنع من “جلكانات الوقود الحديدية” سعة 20 لترا، وأخرى من صفائح حديدية متنوعة.
التفخيخ بالمولدة والستوتة
وفي ديالى، يقول عضو مجلس المحافظة عمار مزاحم لـ”مجلة الشبكة” ان المسلحين يستخدمون العربة المعروفة بـ”الستوتة” يحملون فيها مولدة كهربائية واداة حفر كهربائية لتفخيخ الطرق ومعابر السواقي، مستخدمين قناني الغاز والاوكسجين وقذائف الدبابات. فيما يقول انه تم العثور في ديالى على عدد من المعامل لتصنيع العبوات في المناطق الصناعية.
في موازاة ذلك يقول مصدر في شرطة محافظة ديالى ان القوات الأمنية رفعت خلال شهر واحد في مناطق “العظيم، دلي عباس، وحمرين” اكثر من الف عبوة، مشيرا الى ان التنظيم زرع عبوات بين كل مترين أو ثلاثة.
وكشف المصدر ان “داعش” كان قد فخخ أكثر من 1000 منزل في مناطق شمال المقدادية والسعدية وجلولاء وناحية العظيم، قبل ان تتم معالجة عدد كبير منها، كان بينهم أطفال رضع قد تم تفخيخهم.
ويشير الداودي وهو عضو التحالف الكردستاني في نينوى الى ان “داعش فخخ المنازل في ناحية زمار باستخدام الأبواب والأجهزة الكهربائية، مثل الثلاجات والتلفزيون”.
أما في الانبار، وهي اولى المحافظات التي سقطت بلدات فيها بيد “داعش” بداية العام الحالي، فيقول مدير ناحية عامرية الفلوجة، القريبة من بغداد، فيصل العيساوي لـ”مجلة الشبكة” ان “داعش كانت تفخخ الخطوط الأمامية والسواتر فقط في المناطق التي تسيطر عليها، لكنها مؤخرا وبعد الهزائم التي لحقت بها، بدأت بتفخيخ اعمدة ومحولات الكهرباء، وحتى الأشجار”.
وفي الرمادي، يقول الزعيم القبلي والمشرف على عدد من المقاتلين هناك، غسان العيثاوي، لـ”مجلة الشبكة”، بان “داعش فجر خلال فترة المعارك نحو 150 سيارة والاف العبوات الناسفة”.
بالمقابل قال راجع العيساوي، رئيس اللجنة الأمنية في الانبار في تصريح لـ”مجلة الشبكة” ان “الألغام قتلت 100 شخص بين خبير ومتطوع في تفكيك الألغام منذ تحرير الرمادي خلال شهرين فقط”.