( أُقيصر ) كربلاء.. أقدم كنيسة في الشرق الأوسط

216

علي لفتة سعيد – تصوير: حسين طالب /

لم تكن كربلاء إلّا أرض الإنسانية منذ أن وجدت على الخارطة الكونية, ولأنها أرض للسلام، لذا كانت المسيحية واحدة من مرتكزاتها التي أنارت دروب الإنسانية، التي نمت على أرض كربلاء، وما كنيسة الأقيصر إلّا برهان على القول، فهي الكنيسة التي شيدت قبل أكثر من 1700 عام، أي قبل ظهور الإسلام، بل إن الاحتفالات برأس السنة الميلادية كانت تقام على هذه الأرض المباركة.. وها هي كربلاء تفتح ذراعيها لاستقبال الوفود من كل الديانات السماوية والأفكار والملل والمذاهب.
ولأن مدينة الحسين هي عنوان الإنسانية، لأن الحسين أممي، كما يقول سعيد العذاري، إذ أن 17 مسيحياً قاتلوا واستشهدوا بين يدي الحسين، حين وقفوا أمامه في الصلاة يحمونه من سهام أنصار الشرك، لذا نجد أن كربلاء تعمل الآن على إعادة تأهيل الكنيسة.
إن أعياد ميلاد السيد المسيح (ع) هي مناسبة يحتفل فيها الكربلائيون أيضاً.. فالمحال التجارية تهيأت بشكل مبكر وتزينت أماكن الاستراحة فيها ومدن الألعاب والمولات التجارية، بما يسهم بفرح الأهالي بهذه المناسبة التي تمنح الوحدة الوطنية والدينية أملها الإنساني الوحدوي الوطني.
فرح وتآخٍ
يقول (لؤي قاسم)، صاحب مكتبة ومستلزمات الأعياد: “إننا ننتظر بفارغ الصبر أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية لسببين، أولهما يتعلق بتلك الفرحة المرسومة على وجوه الناس وهم يستقبلون العام الجديد على أمل أن يكون عام خير وسعادة نودع بهما تلك السنوات العجاف التي مر بها البلد. والسبب الآخر هو سبب اقتصادي، إذ يزداد الطلب على الهدايا المتعلقة بأعياد الميلاد، التي هي من اختصاصنا.” وأضاف أنه “في كل عام، في مثل هذه الأيام يزداد الطلب على أشجار عيد الميلاد والزينة المتعلقة بها وملابس بابا نوئيل، ولاسيما من الأطفال، كما يجري اقتناء الهدايا المختلفة كالعطور والزهور وبقية التحفيات الجميلة.”
وتمنى قاسم من الله العلي القدير أن ينعم على بلادنا بالأمن والأمان والمحبة والسلام، وعلى شعبنا بالرقي والازدهار، وأن نغادر الحزن إلى الأبد. مشيراً إلى أن كربلاء منذ نشأتها كانت مدينة تتواءم مع روح العصر، وانعكاساً حقيقياً للمحبة والسلام والتعايش السلمي، وكأنها تحمل شعار “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام.”
الكنيسة والإيمان
ولأنها أرض الإنسانية فإنها أيضاً أرض الديانات.. إذ يقول الباحث في الشأن الآثاري (حسين ياسر) إن “العمق التاريخي للعراق بصورة عامة، وكربلاء بصورة خاصة، يعطي هذه الاحتفالات مركزيتها الكبرى، كما أن وجود الكنيسة على أرض كربلاء يعطي هذا الدليل الذي لا يمكن نكرانه مهما حاول البعض، فالوحدة بين المسيحية والإسلام قائمة، لأن الإيمان الحقيقي هو أن تكتمل الصورة بهما.. لذا فإن وجود الكنيسة في كربلاء هو دليل آخر على ذلك.”
تقع الكنيسة وسط الصحراء الغربية إلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء المقدسة بحوالي 65 كلم وعلى بعد 7 كلم إلى الشمالي الشرقي من حصن الأخيضر التاريخي الشهير، وإلى الجنوب من مدينة عين التمر بمسافة 15 كلم. وهي واحدة من أقدم الكنائس الموجودة في العراق والشرق الأوسط. ويذكر ياسر أن “هذه المنطقة كانت تحتوي على العديد من الكنائس، لكن واحدة منها فقط ظهرت على السطح.” موضحاً أن “المنطقة تضم معبداً ومذبحاً رئيساً ودوراً للرهبان ورجال الدين وعـدداً كبيراً مـن المساكن، وكـذلـك مـدرسـة أو داراً لتعليم الطلبة في ذلـك الزمن، كما أن فيها الكثـير مـن المعالم الأثرية الأخرى غير المكتشفة، وهـي دارسة تحت التراب وبحاجة إلى دراسة وتنقيب.” وأفاد أنه بعد عام 2003 “كانت هناك زيارات لوفود مسيحية من مختلف أنحاء العالم للحج إلى هذه المنطقة، ولاسيما بعد زيارة بابا الفاتيكان إلى مدينة أور التاريخية، إذ زادت أعداد الزائرين.” وتوقع ياسر أن تزداد أعداد الحجيج إلى الكنيسة خلال أعياد الميلاد.
يقول قائممقام قضاء عين التمر (رائد فضال المشهداني) إن “عدداً من وفود الـطائـفة المسـيحية، وتحديداً مـن كنيسة ماركوكيس الكلدانية، زار المواقع الأثرية قبل سنوات، وقد ضم الوفد حينها الأب (مسير بهنام) كبير قساوسة كنيسة ماركوكيس الكلدانية في نينوى، والأب منصور المخوصي، والأب هـاني خميس مـن جمهورية مصر العربية.” وأشار إلى أنه “في مناسبة أعياد رأس السنة ستكون المنطقة مهيأة لاستقبال الإخوة من المسيحيين وغير المسيحيين أيضاً، لأننا أبناء الديانات السماوية.” وتوقع أن تكون هناك زيارة لوفود جديدة، “وسوف نعل على توفير الضيافة والحماية وتسهيل كل ما من شأنه إنجاح الزيارة.” وذكر المشهداني “أننا، كحكومة محلية وإدارة للقضاء، جادون في أن نكون متحدين ونحتفل مع إخوة لنا في الوطن، مثلما يحتفلون معنا في مناسباتنا المختلفة.” وذكر أن “كربلاء مميزة بحضارتها وأديانها، ما يعني أنها مدينة للمحبة والسلام والتآخي.”