التأثيرات المناخية تكلف العراق خسائر باهظة

241

إياد عطية /

مع الإعلان عن سحبها المياه الميته من خزينها المائي، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ العراق، وفي ظل تواتر المعلومات عن احتمال نضوب الخزين المائي في منخفض الثرثار، وعن سوء استخدام الخزين المائي من المياه الجوفية، مع هذا الإعلان، تكون وزارة الموارد المائية قد دقت ناقوس الخطر عن تداعيات الجفاف مع استمرار الأزمة المناخية وبقاء العراق تحت تأثير التغيرات المناخية واستمرار شح المياه وانعدام الأمطار، وهو ما يعني استمرار نزيف الخسائر العراقية في مختلف القطاعات.
يقول مصدر مسؤول في الهيئة العامة للسدود والخزانات إن “البلاد ستواجه موسماً جديداً في شح المياه أشد وطأة على البلاد من المواسم السابقة، بسبب انخفاض مخزون العراق من المياه، ما دفع الوزارة الى نصب المضخات على سد الثرثار لتعويض النقص المتوقع في مياه نهري دجلة والفرات، فضلاً عن قيامها بسحب الخزين الميت من بحيرة الثرثار.”
وتؤمن وزارة الموارد بأن الأمن المائي يمثل أولوية للعراق، وهو ملف خطير، وينبغي على الحكومة أن تتخذ جميع الإجراءات لدفع تركيا وإيران لتقاسم نسبة من الضرر الذي يدفعه العراق، ولاسيما أن تركيا لم تسمح إلا بتدفق نحو 35 بالمئة من النسبة المعتادة للعراق، كما أن مشروعها لإنشاء سد إروائي يهدد بجفاف حوض دجلة، إذ أنه يعد من أخطر انواع السدود، وإذا ما جرى إنشاؤه فلن تصل الى العراق قطرة ماء واحدة من تركيا.
ووفقا لوزير البيئة (جاسم الفلاحي) فإن “العراق يخسر يومياً نحو 10 مليارات دينار عراقي جراء التغير المناخي على مستوى النقل وتصدير الموارد النفطية والازدحام غير المسبوق في ردهات الطوارئ وتوفير العلاج لمرضى الجهاز التنفسي والربو والحساسية في المستشفيات، فضلاً عن ازدياد الهجمات الإرهابية أثناء العواصف الغبارية.”
وحذر الوزير من أن البلاد تمر حالياً بأخطر مرحلة جفاف من جراء انخفاض المخزون المائي الستراتيجي بسبب تناقص الموارد المائية بسبب قلة الأمطار. كما حذر في الوقت نفسه من أن العراق يواجه تحديات كبيرة نتيجة زيادة معدلات التلوث بسبب استخدام تكنولوجيا قديمة تسهم في زيادة معدلات الانبعاثات الكربونية المصاحبة للصناعة النفطية.
وعلى الرغم من غياب الإحصائيات الرسمية لحجم الخسائر الناتجة عن التغيرات المناخية، لكن المؤشرات واضحة وبإمكاننا حصر بعضها، على الرغم من أن التغيرات المناخية ضربت جميع القطاعات المختلفة. ففي قطاع الزراعة تخلى العراق (مجبراً) عن الاكتفاء الذاتي الذي حققه في الموسم الزراعي 2019، واضطر الى تقليص مساحة الأراضي الزراعية، وتراجع مخزون العراق من الحبوب وأفرغت المخازن، ما دفع وزارة التجارة الى عقد عدة صفقات لاستيراد الحبوب من دول مختلفة بينها الولايات المتحدة ومناشئ عالمية أخرى، وقد خصصت لذلك نحو مليار دولار لكل ثلاثة أشهر. وتقول وزارة الزراعة إن العراق يحتاج إلى 4,5 مليون طن من الحنطة، “لأننا أنتجنا مليونين فقط، من أصل ستة ملايين طن هي حاجة العراق الفعلية سنوياً من الحبوب.”
ووفقا لما ذكره مدير عام الشركة العامة لتجارة الحبوب في الوزارة (محمد حنون) لوسائل إعلام متعددة فإن كلفة شراء 300 ألف طن، وهي كمية تغطي ثلاثة أشهر، تكلف مبلغ 930 مليون دولار، ما يعني أن العراق يخسر مليار دولار فقط لأجل توفير الحبوب، ناهيك عن تداعيات هذه الخسائر على الفلاحين، ولاسيما أن الحكومة قررت منع مزارعي الشلب من الزراعة للموسمين السابقين والموسم المقبل مقابل مبالغ لتعويض خسائر الفلاحين، ومن المتوقع أن يتراجع العراق عن قرار منع استيراد العديد من المواد الزراعية التي حقق فيها الاكتفاء الذاتي بسبب نقص المياه.
الأسماك والملوحة
وقد أدى الجفاف الى تراجع أعداد الأسماك في محافظتي البصرة وذي قار، ولاسيما مناطق الأهوار التي تسهم بنحو 20 بالمئة من إنتاج العراق من الأسماك. ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة، إلا أن مشاهد نفوق الأسماك ونضوب البحيرات وانخفاض مردود الصيادين بسبب الجفاف وارتفاع الملوحة، كلها باتت معطيات واضحة تشي بخسائر يومية تقدر بملايين الدنانير، وقد انعكست هذه الآثار الاقتصادية على حياة ومعيشة الصيادين وتسببت بارتفاع أعداد العاطلين. كما أدى تراجع الصيد الى شلل شبه تام في صناعة أدوات الصيد كالقوارب والشباك والمعدات الأخرى التي تزدهر مع ازدهار هذه المهنة، وتنتكس بانتكاسها.
هجرة سكانية
كذلك انعكس التأثير المناخي بشكل واضح على القرى المدن في ذنائب الأنهار، ولاسيما في محافظات البصرة وذي قار والمثنى، فقد دفع العطش والجفاف سكان العديد من المناطق الى الهجرة الى مدن الوسط، كما انعكس الجفاف بشكل واضح على الحياة في مناطق الأهوار التي باتت جرداء قاحلة، وإضافة الى هجرة سكانها وفقدانهم مصادر العيش، فإن الآلاف من الأحياء المائية قد اختفت، كما غيرت الطيور المهاجرة مساراتها من الأهوار الى دول أخرى، ما دفع سكانها الى مغادرتها بعد نفوق الأسماك والجاموس اللذين يمثلان مصدرا العيش لغالبية السكان، إذ يمثل الجاموس أحد دعائم الثروة الحيوانية في البلاد التي خسرت الكثير بسبب اختفاء المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف، وهو ما دفع العديد من مربي الأغنام والجاموس الى التخلي عن حيواناتهم والتوجه الى أعمال اخرى قد تحقق لهم مورداً مالياً.
ووفقا لمنظمة الهجرة الدولية فإن الجفاف دفع 447 عائلة من النازحين العائدين، الذين هجّرهم تنظيم داعش قبل سنوات، إلى المغادرة مرة أخرى من قراهم بسبب الجفاف، وارتفع عدد الأسر النازحة في مناطق الوسط والجنوب لنفس السبب ليبلغ نحو 2982 عائلة في مناطق الجنوب والوسط.
التلوث والغبار
ولا تتوقف الخسائر المادية عند القطاعات الإنتاجية للغذاء والسياحة، بل تعدت ذلك الى خسائر في الحاجة الى الكهرباء والحاجة الى المياه الصالحة للشرب، فقد أدى التأثير المناخي الى ارتفاع درجات الحرارة في عموم البلاد بشكل غير مسبوق، كما أدت الهجمات المتتالية لموجات الغبار الى ارتفاع استهلاك البلاد من الكهرباء، ناهيك عن التداعيات الكبيرة التي خلفتها التأثيرات المناخية على صحة المواطنين.
وفي هذا الإطار يذكر مدير زراعة البصرة (هادي حسين) أن ارتفاع نسبة الملوحة في البصرة انعكس بشكل مباشر على القطاع الزراعي بشكل عام وقطاع الثروة السمكية بشكل خاص. وقال حسين إن “المخاوف من تأثيرات ارتفاع الملوحة لا تتوقف عند نفوق الأسماك فقط، إنما هناك مخاوف من اختفاء أنواع عديدة من الأسماء نتيجة المد الملحي المتصاعد.”
خسائر أخرى
تقول دراسة أجرتها شركة (سويس ريإنشورانس) إن “مخاطر المناخ على الدول الأشد تأثراً -وبينها العراق- أدت الى ارتفاع نسب الأمراض نتيجة التلوث، ويمكن إدارتها من خلال إجراءات سياسية عالمية منسقة، مع مزيد من الإجراءات السياسية بشأن الحد من انبعاثات الكربون، مقترنة بتحفيز الحلول القائمة على الطبيعة وتعويض الكربون، من خلال زراعة النباتات الأقل احتياجا للمياه.”
وفي هذا الصدد، فإن العراق بحاجة الى زراعة أكثر من عشرة ملايين شجرة لتقليل التلوث ووضع خطة لتقليل انبعاثات الكربون من حقول النفط والمصافي والمولدات وعوادم السيارات.
وعاماً بعد عام، تزداد أزمة المياه سوءاً في العراق مع تراجع معدلات هطول الأمطار وتمدد الجفاف، إلى أن بات العراق البلد (الخامس في العالم) الأكثر تأثراً بالتغير المناخي بحسب الأمم المتحدة. وعلى المستوى العالمي، يتسبب التغير المناخي بموجات جفاف أقوى وأكثر كثافة، ما يهدد بالدرجة الأولى الأمن الغذائي للسكان حول العالم. كما أن ثمة خطراً حقيقياً في أن تتزايد موجات الجفاف حتى ولو تمكن العالم من حصر الاحترار بـ1,5 درجة مئوية بالمقارنة مع حقبة ما قبل الصناعة.
خطة المواجهة
وبحسب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية (ثائر مخيف)، فإن “العراق وضع خطة لمواجهة الجفاف تهدف الى خفض الانبعاثات الكربونية، ولاسيما في قطاعي النفط والغاز، مع التركيز على ضرورة رفع الوعي الوطني تجاه التغيرات المناخية، وقد أظهر رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني اهتماما بمسألة التغيرات المناخية في خطاب تضمن أولويات حكومته.” وأوضح مخيف أن “الخطة تضمنت إعادة النظر بأنظمة الري القديمة التي تهدر نسبة كبيرة من المياه والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في مجالي السقي والإرواء، والإدارة الرشيدة للموارد.” لافتاً الى “العناية بموضوع زراعة ملايين الأشجار لمواجهة تأثيرات التغيرات المناخية، وخفض مستويات التلوث.” وأشار الى أن “الخطة أكدت على عدم هدر مياه الصرف الصحفي، بل معالجتها واستخدامها في ري الأشجار التي ينوي العراق زراعتها.” ومع هذا فإن هذه الإجراءات لن توقف نزيف الخسائر الباهظة التي يدفعها العراق بسبب الاحتباس الحراري، لكنها تمنح العراق على المدى المتوسط القدرة على وقف الانهيارات التي يتسبب بها الجفاف.