الحمض النووي يفصل في قضايا إثبات النسب
وليد خالد الزيدي /
حينما يحرم الأبناء من آبائهم أو أمهاتهم, ويولدون في ظروف غامضة, أوغير شرعية تنتج عنها مخالفات قانونية أواجتماعية, فلا يعرف بعض الآباء أبناءهم ولا الأبناء آباءهم، تكون المشاكل أكبر من الحلول على المجتمع والحكومة (معاً).
ولهذا ارتفعت قضايا دعاوى إثبات النّسَب أمام المحاكم، والأسباب مختلفة، لكن أبرزها التبنّي والميراث، وكانت فحوصات الحمض النووي هي الفيصل في أغلب الدعاوى المرفوعة.
طفل بـ 3 ملايين دينار!
تقول سيدة (رفضت ذكر اسمها بسبب الأعراف الاجتماعية): وجد زوجي طفلاً في كيس صغير عند سياج مسجد قرب منزلنا, جلبه لي فأرضعته واعتنيت به وتمت رعايته قانونياً رغم أن لدي أطفال, بلغ عمره أربع سنوات. ذات يوم جاء شخص مع فتاة وادعيا أن الطفل ابنهما وسرق بعد الولادة بلحظات, ولمسنا إصرارهما على أخذه وتهديدهما لنا وعرفنا مكان إقامتهما, فادعى زوجي ضدهما وطلب المدعي العام استقدامهما لإثبات نسبه لهما, فأخذا يماطلان في حضورهما للإدلاء بإفادتهما, وفي تلك الأثناء ادعت إحدى النساء أنها شقيقة والد الطفل, مبينة أن شقيقها تزوج أم الطفل بشكل غير رسمي, ثم توفي في حادث، وخشيت أمه الفضيحة فوضعته قرب المسجد، ولخوفها عليه كانت تراقبه عن بعد, وعرفت بوجوده لدينا واستدلت على بيتنا. أما الشخصان اللذان سعيا لأخذه فلهما صلة قرابة بأمه وأغروها بثلاثة ملايين دينار للتحايل علينا وأخذه, فقامت عمّة الطفل بإحضار احد أشقائه من أبيه المتوفى وثبت نسبه له عن طريق تحليل الحمض النووي, وقام المدعي العام بإدانة الأم لتقصيرها تجاه طفلها والشخصين الآخرين بتهمة التحايل.
الفحوصات
تؤكد(ع,أ)، (31عاماً)، أهمية إثبات النسب في المحاكم ودوائر الطب العدلي لتأكيد أحقية الأبناء أو عدم أحقيتهم في الإرث. وتقول: بعد وفاة والدتي تزوج والدي بامرأة أخرى، وبعد أشهر سرعان ما اكتشف علاقاتها بعدة أشخاص, وطلقها رغم حملها فأنجبت بنتاً سجلها باسمه، وعلى إثر ذلك مرض وتوفي بعد سنتين, فادعت طليقته أن لابنتها حقاً في إرث من قطعة ارض يملكها والدي, فقمت بتوكيل محامٍ لإثبات نسب البنت لوالدي. وبعد تحليل الحمض النووي تبين أنها ليست شقيقتي ولا يعود نسبها لأبي، فاتخذت إجراءات قانونية ضد طليقته, ولولا إجراء إثبات النسب لساد الباطل, ولما ظهر الحق.
خطف أثناء الولادة
يقول(ع. س): علمت أن زوجتي أنجبت بنتاً لدى قابلة (جدّة) بعد مخاض عسير، لكن تبين لي أنها فقدت وعيها حينها, وكان فحص السونار يبين أن حملها كان ذكراً, فعدنا إلى القابلة التي أكدت أن خطأ قد حدث وأعلمتنا بعنوان فتاة تزامن ولادتها مع ولادة زوجتي على أنها وضعت ذكراً, وبالدلالة على منزلها قمنا بإبلاغ زوجها بشكوكنا, وطلبنا تعاونه للتأكد, فامتنع في بادئ الأمر عن تقبل الفكرة. وأضاف: ما عزز موقفنا كان اعتراف زوجته بعدم معرفتها بجنس جنينها خلال الحمل, واعتقادها بحدوث خطأ أثناء تسليم الطفلين بعد الولادة, وبعد إقناعه أقمنا دعوى مشتركة لإثبات النسب, واتضح نتيجة الفحص النووي(دي ان أي) أن الولد ابني والبنت ابنتهما, فتسلمنا ولدنا وتسلموا ابنتهم, وأسقطنا الدعوى بإثبات حسن النية والسهو غير المتعمد.
الرأي القانوني والشرعي
يؤكد المحامي والخبير القانوني علي حسين شناوة الدشتكي أن أهم آثار وحقوق الزواج هي ثبوت نسب الأبناء فهم ثمرات القلوب حيث قال تعالى(والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة). ونسب الابن من حيث الأم يثبت بمجرد الولادة سواء من زواج صحيح أو فاسد كما يثبت بالإقرار, وكذا نسبه لأبيه وهو الأصل قال تعالى((ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين), فالبحث في النسب مهم جداً في حياة العائلة قانوناً وشرعاً وثبوت نسب الابن لوالديه يتوقف بثبوت صلته بوالديه وتحديد انتمائه لهما وما يترتب عليه من التزامهما بتربيته وميراثه منهما أو لهما أو أقاربه، وعنيت الشريعة الإسلامية بوجوب تثبيت النسب ووضعت في ذلك أحكاماً للزواج والطلاق. وأضاف أن العلم الحديث عزّز ما ذهبت إليه شريعة الإسلام فأثبت أن الصفات الخلقية والأخلاقية تورث من الأبوين إلى الأبناء على نحو دقيق ما جعل في قلوب الوالدين الرحمة والرعاية وهي من حقوق الأبناء وحقوق الوالدين والأقرباء, ومن هنا تبدو أهمية النسب كحق لا يجوز ولا يصح التنازل عنه نظراً لأهميته في بناء المجتمع, فقد عدّ الإسلام قواعده من حق الله وفي الفقه الحديث بما يعرف عنه من مسائل النظام العام والآداب ولايجوز الاتفاق على خلافها.
الأثر القانوني
يشير الدشتكي إلى أن الفصل الخامس من قانون العقوبات العراقي رقم(111)
لسنة(1969)وتعديلاته تناول الجرائم المتعلقة بالبنوّة ورعاية القاصرين وتعريض الصغار والعجزة للخطر وهجرة العائلة في المواد التالية:
المادة(381)(ق, ع, ع): يعاقب بالحبس كل من أبعد طفلاً حديث الولادة عمن لهم صلة شرعية به أو أخفاه أو أبدله بآخر ونسبه زوراً إلى غير والديه.
المادة(382)(ق, ع, ع): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة لا تزيد عن مئة إلف دينار من تكفل بطفل وطلبه منه من له حق بطلبه بناءً على قرار أو حكم صادر من القضاء بشأن حضانته أو حفظه ولم يسلمه له, ويسري هذا الحكم ولو كان المتكفل احد الوالدين.
المادة(383)(ق, ع, ع): أـ يعاقب بالعقوبة ذاتها أي من الوالدين أو الجدّين اخذ بنفسه أو بواسطة غيره ولده الصغير أو ولد ولده الصغير ممن حكم له بحضانته أو حفظه ولو كان ذلك بغير حيلة أو إكراه.
ب ـ تكون عقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة بطريقة ترك الطفل في مكان خال من الناس أو وقعت من قبل احد من أصول المجني عليه أو ممن مكلف بحفظه أو رعايته، فإذا نشأت عن ذلك عاهة أو موته دون أن يكون الجاني قاصداً ذلك عوقب بالعقوبة المقررة بجريمة الضرب المفضي إلى العاهة أو الموت بحسب الأحوال ويعاقب بالعقوبة ذاتها إذا كان التعريض للخطر يحرم الصغير عمداً من التغذية أو العناية تقتضيها حالته مع التزام الجاني قانوناً أو اتفاقاً أو عرفاً بتقديمها.
الرأي الشرعي
مكتب المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي السيستاني(دام ظله) في بغداد يقول: أمور كثير ومشاكل تصادف المجتمع يجب أن تكون حلولها متماشية مع أحكام الشريعة الإسلامية وتعاليم الدين الحنيف بحيث يجوز العمل على إثبات النسب بطريقة حديثة وعلمية بواسطة الحمض النووي وعلى بيّنة واضحة وغير قابلة للاجتهاد. وأضاف: إن إثبات النسب يفترض خضوعه لأحكام القضايا المتعلقة بإثبات النسب القريب وليس البعيد أي نسب الابن لأبيه وليس ابعد من ذلك في أقصى الأحوال والظروف.