الحيوانات في البيوت رفاهيـــةٌ أم نقصٌ في الأوفياء!

229

مجلة الشبكة/
يقولون إن محاولات الهروب من الواقع المر والإحساس المبطن بالوحدة نتيجة نقص الأوفياء يمكن أن تعوضها لا شعورياً شقاوة قطة (كابيرتش) أو حنيّة كلب (الجيرمن)، ما يعطي انطباعاً بأن الحيوانات القابعة في قاموس الشتائم والتحقير لسنوات ستدخل قاموس الغزل والصحبة، ولاسيما بعد أن أصبح مظهرها بصحبة (الفايخين) لافتاً في شوارع بغداد،
ما حقيقة الأمراض النفسية التي يعالجها التقرب من حيوان أليف ومؤاخاته على الحلوة والمرّة، وهل حقاً أن التعايش المبكر ما بين الحيوانات والأطفال ينظف ذاكرتهم من لوثات العنف والأنانية؟
لطافة مجانية وشقاوة
“الحيوان مخلوق لطيف وصديق أليف يقاسمك الضحكة واللعب والأكل أكثر من بعض الناس، مذ نشأتنا صغاراً كنا نقوم بتربية الحيوانات في بيوتنا ونحبها مثل أطفالنا..” بهذا الهدوء المسالم بدأ (لؤي الصفار) حديثه عن هؤلاء الضيوف اللطفاء داخل البيت، قائلاً:
“حالياً لدينا (فلوكي)، الولد الشقي الذي بوجوده لا نشعر بالوحدة أبداً، هو من فصيلة القطط البريطانية، قصير الشعر بوجه مستدير، هذه القطط لها رأس دائري وعيون مستديرة مشرقة وخدود ممتلئة، أنا لا أميل أبداً لتربية الكلاب، إذ أن عائلتي تعشق القطط لأنها تشبه الأطفال (الكيوت) في البيت.”
يضيف الصفار ضاحكاً: “فلوكي مشاكس ولديه طباع تشبه عناد الأطفال، قبل يومين عدت من سفر استمر أسبوعين، توقعت استقباله الحار بعد الغيبة، إلا أنه ما إن رآني حتى عض إصبعي وهرب، وبعدما فتحت حقيبة الملابس لأعيدها الى مكانها جاء وجلس في منتصفها وفركشها تزلفاً، ولكم أن تتخيلوا شقاوة هذا المخلوق ولطافته.”
الطفلة السويدية من أصل عراقي (ألما سلندر) تربي داخل البيت صديقها الأرنب (بوتا) والكلبة (دوريس) والقطة (كاتيلا).. قالت: “إن الحيوانات كائنات لطيفة ولا يمكن التفريق بينها وبين الأصدقاء في اللعب والاهتمام والنزهة.”
فراقها يحرق القلب
“القطط متملقة ومملة ولديها إحساس ملتوٍ، أشكك بوفائها واعتبرها انتهازية، إذ أنها يمكن أن تترك صاحبها وتهرب في أقرب فرصة على عكس الكلب”.. تقاطع لطيف في وجهات النظر عبر عنه (لؤي أبو كنز) قائلاً بتحدٍ ظريف:
“كان لدينا (ڤيري)، وهو كلب ذكي من فصيلة (الجيرمن شيبرد)، أحببناه وعايشناه إلى درجة أنه حينما توفي أشعل في بيتنا حزناً ولوعة، لقد كان صديقاً وفياً، فحينما يغيب أحدنا في سفر أو عمل، فقد كان ينتظره ويفتقده ويلازم باب المنزل في انتظار أية حركة تدل على عودته، أما مشهد اللقاء في تلك اللحظة فإنه مؤلم ومبكٍ إلى درجة أنه يشعرك بامتنانه وشكره في كل لحظة، صدقيني لا أجرؤ على رؤية ذلك المقطع.”
صديق مثالي للأطفال
“الكناري وطيور الحب أعتبرها كائنات عائلية، فهي أكثر جمالاً، يلجأ إلى تربيتها من لا يمتلك مساحة كافية في المنزل.” هو رأي المعلمة (سناء عمران)، عادّة خيار الطيور بأنه الأفضل على الإطلاق، قائلة:
“الطير صديق حقيقي لأطفالي داخل البيت وغير مؤذٍ، فالأصوات التي تصدرها الكناري وطيور الحب لها وقع بالغ الجمال على أذن الإنسان، إضافة إلى الريش الناعم الجميل والألوان الزاهية التي تجذبك للنظر إليها مطولاً دون ملل، هناك العديد من الطيور المنزلية التي يمكن تربيتها في المنزل ولا تحتاج جهداً كبيراً ولا تفرغاً كما هو الحال بالنسبة للقطط والكلاب والهامستر.”
تأثيرها النفسي في السلوك
الناشط المدني (محمد قاسم) من بغداد، وهو مدرب كلاب تطوع مع الشرطة المجتمعية في حملة لإخلاء الشوارع من الكلاب السائبة من خلال الإمساك بها ونقلها إلى محمية مخصصة للكلاب في منطقة الرضوانية. يقول محمد:
“جمعنا أكثر من مئة كلب سائب من الشوارع، وبالنسبة للطعام فإن لدينا علاقة طيبة مع أصحاب مطاعم كثيرين تبرعوا بإعطائنا فضلات الطعام بدون أي مقابل، وإنما لمجرد المساهمة في إنجاح المشروع البيئي وتفعيل مبدأ حقوق الحيوان.”
يضيف قاسم: “إن ثقافة تربية الكلاب والطيور والأسماك والقطط تنمي العاطفة وحس المسؤولية لدى الأطفال وتجعلهم أكثر رحمة وعاطفة واهتماماً، وهي بذلك تغير الكثير من صفات وسلوكيات الإنسان وتبعده عن استخدام العنف، وبذلك تثبت الحيوانات تأثيرها الإيجابي نفسياً واجتماعياً في سلوك مالكيها.”
طبقية وتفكير غربي
“ماعدا الأنواع المستخدمة في حراسة البيوت والحلال في القرى وبعض مناطق المدن، فإن تربية نوعيات معينة من الكلاب كانت مقتصرة وبشكل محدود على العوائل الأرستقراطية والغنية”.. هو رأي الكاتب (عبد الستار جبار) وتفصيلاته الدقيقة عن تلك الظاهرة وأصلها وأصحابها، قائلاً:
“أصبحت تربية الكلاب ظاهرة لافتة في مختلف طبقات المجتمع، ربما يكون وصول الحالة الى مستوى الظاهرة هو جزء من مظاهر التأثر بالغرب الذي يأخذ بنظر الاعتبار وجود الكلاب في حياته، حتى على مستوى تخطيط المدن، حيث شاهدت –شخصياً- في شوارع بروكسل ممرات مخصصة للكلاب وأماكن مرتبة لقضاء حاجاتها وعمالاً مخصصين لرفع فضلاتها، لكن في مجتمعاتنا، على مستوى الدين والعرف، فإن الكلب يعد نجساً مهما كانت نظرتك إليه على وفق المثل القائل (الكلب كلب ولو طوقته بالذهب) مع أنهم يعترفون بأنه رمز للوفاء.”
مؤاخاة بين الحيوان والإنسان
يضيف الكاتب: “سألت بعض الذين يعيشون مع الكلاب عن سر هذا الاهتمام الذي يضاهي الاهتمام بتربية الأبناء فأجابوا بشكل قاطع بأن الكلاب أنقى من الكثير من البشر إذ أنها لا تخون. وسواء أكان سبب شيوع الظاهرة هو التشبه بحياة الغرب، أم الهروب من سوء العلاقات الاجتماعية، أو أنها محض هواية، فإنه يخيل لي أننا على أبواب عصر (المؤاخاة) بين الكلب والإنسان، ولكن هل تتغير المعاني والاستخدامات ويسقط الكلب من قاموس الشتائم ويدخل قاموس الغزل.. فتكون لفظة كلب أو ابن الكلب، عبارة غزل وليست شتيمة؟”