الدروس الخصوصية..نتيجة بديهية لانهيار التعليم

398

فكرة الطائي /

مع تراجع مستوى التعليم، لجأ العديد من الأهالي الى المعلمين والمدرسين لإعطاء أبنائهم دروساً خصوصية صارت مصاريفها تثقل كاهلهم، وتأخذ الكثير من وقت الآباء ومن جهدهم في التفكير بكيفية تدبر أمور أولادهم الدراسية على مستوى انتظام دوامهم اليومي في المدرسة، وما يلحقه ذلك من تبعات مادية، وبين تدبر أجور الدروس الخصوصية (المليونية) بغية تحقيق أولادهم ما يصبون إليه من تطلعات إلى المستقبل.
قد تكون هذه الحال مشروعة، فالجميع يبحثون عن مستقبل لأولادهم ويسعون الى ضمان ذلك المستقبل عبر الاجتهاد في الدرس، ولاسيما للطلبة في المرحلة المنتهية للدراسة الإعدادية، لكن الغريب في الأمر أن تنتقل حمى الدروس الخصوصية الى المرحلة الابتدائية، وهو أمر غريب وجدير بالانتباه، إذ أنه يؤشر الى تراجع مريع في التعليم وإلغاء دور المدرسة.
انتهت قبل أيام امتحانات نصف السنة، ما دفع جعفر، وهو موظف براتب معقول في إحدى مؤسسات الدولة، الى التفكير في اختيار الأساتذة الأكفاء في التدريس الخصوصي والمشهود لهم بتحقيق نسب نجاح عالية، جعفر وضع عائلته في وضع الإجبار -وليس الخيار- لتحقيق ما يريد ، وستبدأ رحلته مع ترتيب ساعات المحاضرات التي لا تتضارب مع أوقات دوامه في المدرسة، لم يفكر جعفر في الإمكانات المادية للوالدين وهو يدرك أيضاً أنهم لا يستطيعون رفض طلبه هذا.
المدرسة والدرس
تقول ابتهال محمد (ربة بيت – أم لولدين) عن هذه الظاهرة: “اضطررت أن أبحث لولدي عن مدرسين خصوصيين، لأن مدرسي المواد في المدرسة لا يقدمون المادة بشكل كامل، ودائماً ينتهي العام والمنهج المقرر غير مكتمل، هذا حسب ما يخبرني به أولادي، لذلك نعمل -أنا والوالد- على تحسين مستوى أولادنا في الدروس التي يشكون منها، بزجهم في صفوف الدرس الخصوصي.
* ألا تشكل الدروس الخصوصية عبئاً على العائلة؟
– لاشك في أنها عبء مضاف على كاهل الأسرة، يرهقنا كثيراً ويشغلنا أياماً وأسابيع لتدبير أجور الدروس الخصوصية التي ندفعها على شكل وجبات، لكننا في النهاية مجبرون على الاستجابة لطلبات الأولاد .
الطالب الاتكالي
وتحدث نهاد حسين –موظف- عن جانب آخر من هذه الظاهرة ألا وهو: “تعد الدروس الخصوصية من الظواهر التي اعتدنا عليها، وأصبحت من الأمور الطبيعية الواجب توفيرها من قبل الآباء للأولاد، وقد خلقت هذه الحالة ما اسميه (الطالب الاتكالي)، غير المهتم بالدرس في المدرسة وما يقوم به المدرس من تقديم وعرض المادة العلمية، لان ذات المادة سوف تتكرر عليه من قبل المدرس الخاص.”
لا استوعب الدرس
محمد بلال، الطالب في المرحلة الإعدادية، قال لي: “اضطررت للتسجيل ببعض المواد في صفوف الدروس الخصوصية، لأني لا أستوعب المادة من مدرسها في المدرسة، وذلك لضيق الوقت في الدروس الصفية، وازدحام الصف الدراسي بالطلبة الذين يخرجون عن سيطرة المدرس ويضيع علينا وقت الدرس الرسمي المحدد بأربعين دقيقة كحد أقصى.”
مدرسة أهلية ودرس خصوصي
فيما تقول ندى علي: “على الرغم من أن ولدي يدرس في مدرسة أهلية يفترض بها أن تقدم المادة العلمية بشكل وطريقة أفضل من المدارس الحكومية، إلا أننا لم نسلم من خوض تجربة الدرس الخصوصي على الرغم من الدوام في المدرسة الأهلية، إذ اشتكى ولدي من درس الرياضيات، ما اضطرني إلى البحث عن مدرس خصوصي، وهو أمر أضاف علي مصاريف إضافية لم تكن في الحسبان.”
سلبيات وإيجابيات
وتعتقد أمل عبد الله – ربة بيت- أن “ظاهرة التدريس الخصوصي تحمل في طياتها جوانب سلبية وإيجابية عدة، فمن الناحية السلبية ابتعاد الكثير من المدرسين عن أداء واجباتهم التدريسية بصورة متكاملة داخل المدرسة لإرغام الطلبة على الاشتراك في حلقات الدرس الخاص لاستيعاب المادة، أما من الناحية الإيجابية، فهناك طلبة يعانون من حالات نفسية وصحية تجعلهم غير قادرين على استيعاب وفهم المادة بصورة سريعة أو طبيعية، ما يوجب إدخالهم في مراكز التقوية، إذ أن تكرار المادة في هذه المراكز يساعدهم في فهم المادة وحفظها.”
دليل على ضعف الاهتمام بالتعليم
من جانبه، يقول الاختصاصي التربوي الأول الأقدم في تربية الكرخ الثانية، جاسم جبار شريف: “إن انتشار ظاهرة التدريس الخصوصي ليست حديثة العهد، إذ بدأت قبل عام 2003، لكنها كانت مقتصرة على مواد معينه مثل اللغة الإنكليزية ومواد علمية محدودة جداً، وللمراحل المنتهية تحديداً، ويبدو أن تنامي هذه الظاهرة مرتبط بالوضع المعيشي، للمدرس أولاً، ومن ثم فإنه يعطي مؤشراً على مدى اهتمام الدولة بالتعليم الحكومي، فتنامي التدريس الخصوصي دليل على قلة الاهتمام بالقطاع التعليمي والرعاية لقطاع التعليم (المؤسسة التعليمية) من الأبنية المدرسية والتجهيزات كالرحلات والكتب والقرطاسية والسبورات وغيرها، والعاملين في التعليم (المعلم والمدرس) من حيث الحالة المعيشية، ما جعل انتشار التدريس الخصوصي أمراً طبيعياً، وأصبح لجوء الطالب للتدريس الخصوصي يترك مفهوماً لمكانة الطالب وللعائلة اجتماعياً، وباباً من أبواب التباهي والتمايز. لكن هذا لا يعني أن التعليم بخير، وإنما هو في تدنٍّ مستمر، وانتشار المدارس الأهلية وأعدادها والتعرف على عائديتها يؤكد حقيقة مؤلمة جداً.”
وأوضح شريف أن “هناك تبايناً في الإمكانيات والخبرة وطرق العرض للمعلمين والمدرسين والوسائل التعليمية، ومنها ما يتعلق بالمعلم نفسه، والآخر يتعلق بالمؤسسة التعليمية التي تعاني الضعف في التجهيز وإيجاد البيئة المناسبة، حيث الأعداد الكبيرة للطلبة في الصف الواحد وفي المدرسة، وقلة الأبنية التي جعلت الدوام ثنائياً وثلاثياً، ما ينعكس بالسلب على تغييب مراعاة الفروق الفردية وتحديد عدد الحصص الأسبوعية وقصر وقت الدرس أيضاً، المؤسسة التعليمية غنية بقامات علمية كفوءة وطنية مخلصة في عملها، تعي أهمية التعليم ومكانته التي خصها الله بها في كتابه، وتتفهم أنها مهنة إنسانية الى جانب العلمية، وعرفت بأنها مهنة الأنبياء، لكن نتائج التعليم لا تنحصر في جهود وعطاء المعلم والمدرس فقط، إنما المخرجات وجودتها تأتي بتظافر جهود المعلمين والمدرسين، ومدى استعداد الطالب واندفاعه للتعليم، ومدى متابعة أولياء أمور الطلبة، في الوقت الذي انخفضت روح الاندفاع والرغبة بالتعلم من قبل الطالب، ومعها ضعف المتابعة من قبل أولياء أمور الطلبة وبروز مفهوم الدراسة لغرض النجاح لا الدراسة، لغرض التعلم واكتساب المعارف والخبرات عند المعلم والمتعلم، وهي حالة لا تنسجم مع أهداف المؤسسة التعليمية المتمثلة بوزارة التربية”.وتحدث شريف عن جانب مهم هو: “عندما تتحقق نسب نجاح عالية للطلبة الدارسين خصوصياً، فعندها لمن ستحسب النتائج والإنجازات؟ هل للمدرس الذي درس الطلبة خصوصياً؟ أم للمدرسة التي ينتسب إليها الطالب؟ عند البحث بروح مهنية ستجد أن المدارس التي تحقق نسب نجاح عالية، ويشار إليها بالتميز في النتائج، هي ذاتها التي ترفد المدرسين الخصوصيين بالطلبة، وهي ذاتها التي تتفاخر بتحقيق أفضل النتائج. في الوقت الذي نؤكد فيه تحقيق معدلات عالية لمدارس وطلبة في مناطق شعبية وريفية دون الالتحاق بالتدريس الخصوصي. ويمكن القول إن الفرص للمدارس وللطلبة غير متكافئة من حيث الملاكات والأبنية وأعداد الطلبة في الصف ونوع الدوام (أحادي وثنائي وثلاثي) الذي بموجبه تحدد توقيتات الحصص وعددها، ويمكن القول إن انتشار التمايز بشكل واسع يقوض بروز التميز الحقيقي”.

تاثيرات سياسية
يضيف شريف: “أن التعليم خضع للمؤثرات السياسية، بالإضافة للتأثيرات الأخرى التي جعلت من قادة المؤسسة التعليمية سياسيين أو تابعين أو مدعومين من تيارات وأحزاب وكتل سياسية، بل وصل الأمر الى مدير القسم ومسؤول الشعبة والى مدير المدرسة، مع أن الكثيرين منهم غير مؤهلين، ما أدى الى إضعاف تنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات، وساد تطبيق ظاهرة الأهواء والرغبات، ويتناقل معها: قال الأستاذ أو السيد (….)، ومعها تتعدد الاجتهادات، ما أخرج العمل التربوي عن النظام والقانون، وسمح باستغلال المواقع والمسؤولية، فمنحت موافقات، وعطلت تشريعات، وانتشرت مدارس ومعاهد أهلية لا تتوفر فيها الشروط، وفيها مخالفات متعددة، وسمح للتربوي -ولغير التربوي- بالدخول في مضمار التجارة التربوية التي أثرت وتؤثر على التعليم ومستقبله ومستقبل الأجيال والوطن.