(الطماطة أشوه من الشلغم) ملكة الموائد الحمراء!

170

ريا محمود/
هو مثل بغدادي دارج يضرب لإقناع شخص بحاجة ما. إذ يحكى أنه في عشرينيات القرن التاسع عشر، جرى تعيين والٍ جديد لبغداد، وهبّ الناس ليهدونه أغلى ما عندهم، لكن أحد فلاحي بساتين بغداد كانت زوجته بخيلة فوضعت كيسين من الشلغم له في العربة ليذهب بها إلى والي بغداد، لكنه استبدلها بقفصي (طماطة)، وحين وصوله غضب الوالي من هديته وأمر الجند برمي الفلاح بها، فما كان منه إلا أن يضحك وهو ملطخ بالطماطم ويقول: (الطماطة اشوه من الشلغم).

متى عرفنا الطماطم؟
عرفت شعوب آسيا وإفريقيا وأوربا الطماطم متأخرة نوعاً ما، كونها لم تألفها سابقاً إلا عند اكتشاف قارتي أميركا الشمالية والجنوبية. وبعد دخول الإسبان إلى قارة أميركا الجنوبية، نقلوا معهم من شعوب (المايا والأنكي) حينها (المكسيك وتشيلي وكولومبيا) حالياً، الطماطم والكاكاو، وأخذوا بدلاً عنها القهوة والسكر.
الغريب في الأمر أن المكسيك اليوم، تعد واحدة من أكثر البلدان استيراداً للطماطم، بعد أن كانت هي المنشأ، وأن كولمبيا تعد من أوائل الدول في زراعة وتصدير القهوة.
أطباق خاصة
غزت الطماطم بسرعة كبيرة جميع موائد العالم الغذائية، وصارت من أهم عناصر الأكل اليومي، إذ لا تكاد تخلو منها أية سفرة طعام وكأنها ملكة الموائد، سواء أكانت مقلية أو مطبوخة بالبخار أو الزيت، أو حتى مجففة، أو أن تكون من مكونات (الصوص) الموجودة على المائدة، وأطباق السلطات و(السندويجات).
هل لنا أن نتخيل المائدة العراقية دون الطماطم؟ فالعراقيون يتناولونها، إما مقليه مع البيض صباحاً، أو في سندويج الجبنة. وعند وجبة الغداء لا تكاد أية (مرقة) تخلو من عصير الطماطم، بالإضافة الى وجود طبق خاص بها، وهو مرقة الطماطم. أما في موائد العصرونية والعشاء فنجد الطماطم تتخلل سندويجات الباذنجان المقلي أو الفلافل وكباب العروق، بالإضافة إلى اشتراك معظم العراقيين بحب كبير لـ (طاوة) الطماطم المحموسة و(اللاجعة)!
لا نتخيل مرقة الباميا التي تشتهر بها جميع المطابخ العراقية بمختلف مشاربها من عصير طماطم الزبير. كما أن العراقيين وحدهم من دون كل البلدان التي تشترك بطبق الملفوف أو (الدولمة)، هم وحدهم من يحشون حبات الطماطم ويطبخونها بتأن ومحبة بالغين ليشتهر جدر الدولمة العراقي ويضعه الكل على رأس قائمة ألذ أكلات المنطقة.
ومثلما غزت الطماطم المطبخ العراقي، فقد فعلت بالمطبخين الإسباني والإيطالي الشيء الكثير، إذ تنوعت أطباق وصنوف (الصوص) التي تعتمد بشكل كبير على الطماطم.
(الإرث) أشهر أصنافها
إن زراعة الطماطم في بلدان وأراض مختلفة، أنتج لنا صنوفاً وأنواعاً وألواناً عديدة من الطماطم، وصل عديدها إلى الألف صنف، الشائع منها: طماطم الكرز، وطماطم العنب، وطماطم البرقوق، وطماطم الكمثرى، وطماطم القلب. أما أشهرها وأكثرها استخداماً حول العالم فهي (طماطم الإرث)، التي تعد من الأصناف القديمة جينياً، إذ لم يجر عليها أي تعديل، وهي ما تشتهر به مزارع البصرة في العراق.
ينتج العراق ما يقارب الـ800 ألف طن سنوياً من الطماطم، بحسب تقارير منظمة الغذاء والزراعة الدولية، ويعد من بين الدول الست الأولى عربياً في المنطقة.
وتعد السعودية من بين أكثر الدول استيراداً للطماطم، إذ تستورد ما يقرب من 400 ألف طن سنوياً، أما إيران فهي من بين الدول الأكثر تصديراً للطماطم، إذ تصدر ما يقارب الـ 900 ألف طن سنوياً، بحسب نفس التقرير.
طماطم مجففة
الطماطم من أهم المنتجات الزراعية التي ينتجها البشر، كما أنها دخلت في العديد من الصناعات الغذائية، وأصبح لوجودها أثر صحي وغذائي واقتصادي، وثقافي أيضاً. وتستخدم بعض الشعوب الآسيوية اليوم عصير الطماطم كواحد من أهم أنواع العصير التي تقدم في الأفراح والمناسبات الدينية.
أما في الشرق الأوسط، فقد أصبحت إحدى العادات الموروثة، إذ تحرص جداتنا على تجفيفها وصناعة المعجون منها في فصل الصيف، وتخزينه للشتاء. وبالرغم من وجود البيوت الزجاجية التي تزرع الطماطم اليوم صيفاً وشتاءً، إلا أن غالبية العراقيين اشتركوا في ذكريات صناعة معجون الطماطم، خاصة إبان الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن المنصرم، حين شهدت جميع سطوح العراق أحجاماً مختلفة من (صواني) تجفيف عصير الطماطم وتحويله إلى معجون، كما شهدت شبابيك منازلنا نشر قلائد الباميا المجففة وأقراص الباذنجان والعديد من صواني حلقات تجفيف الطماطم.
لا توماتينا (La Tomatina)
في إسبانيا، عند آخر أربعاء من شهر آب سنوياً، يتراشق الآلاف من الناس بالطماطم الناضجة في شوارع بلدة بونيول (Buñol) التابعة لمدينة فالنسيا، وذلك خلال (مهرجان فالنسيا للطماطم)، المعروف أيضاً باسم (لا توماتينا La Tomatina). بدأ هذا المهرجان بشكل غير رسمي في عام 1945، وبعض الروايات تذكر أن مجموعة من الشباب دخلوا في شجار أثناء مرور موكب محلي، واستخدموا الطماطم كأداة للقتال. استمرت هذه المعركة العفوية، وأصبحت تقليداً سنوياً، حتى جرى تقنين المهرجان رسمياً عام 1957، بعد محاولة السلطات منع الاحتفال أيام الدكتاتور فرانكو، إلا أن تحقيقاً صحفياً نشر عام 1983 في إحدى الصحف المحلية عن هذا المهرجان، أعاد للناس حب استعادة هذا المهرجان.
المهرجان يبدأ عادةً في الساعة 11 صباحاً بإشارة من مدفع مياه، ويستمر لمدة ساعة تقريباً. خلال هذا الوقت، يُلقى أكثر من 100 طن من الطماطم الناضجة في الشوارع، حيث يشارك الآلاف من الأشخاص في المعركة. بعد انتهاء المعركة، تُستخدم شاحنات الإطفاء لتنظيف الشوارع.
تقع بونيول على بعد نحو 38 كيلومتراً غرب مدينة فالنسيا، بالقرب من سلسلة جبالها، وهي بلدة صغيرة نسبياً، إذ يبلغ عديد سكانها نحو 10,000 نسمة. يعتمد اقتصاد البلدة إلى حد كبير على الزراعة والصناعة الخفيفة. ومع ذلك، فإن مهرجان (لا توماتينا) يُعد مصدراً مهماً للدخل السياحي. بالإضافة إلى هذا المهرجان تضم بونيول العديد من المعالم الثقافية والتاريخية، مثل قلعة (بونيولالتي) التي يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، وتقع في قلب البلدة.
هنا نعود إلى صاحبنا البغدادي الذي قال (الطماطة أشوه من الشلغم)، ترى لو لم تكن الطماطم موجودة، ماذا كان سيفعل سكان بونيول؟؟