العائلة الشاذة… بديل عنصري أم خطف ناعم؟!
آمنة عبد النبي /
جرب أن تغمض عينيك المرعوبتين وتتخيل لوهلةٍ أبوة قاسية وأنت تفتحهما مصدوماً باتجاهِ سرير طفلتك التي لم يعد صوت ضحكتها والـ (أغو) موجودين في زوايا البيت وروح المكان، بل دعني أوغل بغرز سكين (“الدللول)” في فطرتك وأفترض أنك شاهدتها صدفة على صفحات السوشيال ميديا تلهو ببراءة في حضانةِ عائلة سويدية مكونة من شابين مثليين.. يا إلهي!
نعم، هذا ما حدث مع موجة هستيريا عربية عارمة أثارها تداول خبر وفيديو نشرته صحيفة سويدية عن حياةِ أسرة مكونة من رجلين سويديين (مثليين) يشعران بالسعادة الغامرة بعدما حصلا على حضانة طفلة مسلمة اسمها (مريم) إثر طلب تقدما به إلى مكتب الخدمات الاجتماعية (السوسيال) في ستوكهولم، وبعد ثلاثة أشهر يخبرهم المكتب بأنه وجد فتاة قد تكون مناسبة لهما، وهي (مريم) التي كان عمرها آنذاك عشرة أشهر فقط حينما جرى انتزاعها من عائلتها الأصلية التي حُرمت منها الى الأبد.
تُرى لماذا لم يؤخذ بنظر الاعتبار الفارق التربوي في تربية الطفلة في بيئة (شاذة بايولوجياً) مع انعدام وجود الأم وفرض الأبوة الشاذة، وما حكاية الأكاذيب العنصرية التي يسوقها المحققون السويديون ضد المهاجرين المتمسكين بتقاليدهم، وهل حقاً أن (السوسيال) بريء ويستهدف فقط من يريد أن يفرض على طفله تربية متطرفة بالتعنيف والإجبار؟
القانون بخطف البنات
بغصّة أبٍ (مُتهستر) أخذ (السوسيال) ابنتهُ الوحيدة منذ ثلاث سنوات، كبرت بعيداً عنه بعد أن أخفاها المكتب في عنوانٍ مجهول، يقول (و.نجم):
“لا إنسانية في السويد، والقانون يقف الى جانب المرأة ضد الرجل، ولاوجود لشيء اسمه (مُعنفات الحرية)، فهل الحرية أن تحول الزوجة دينها؟ طيب ما الذنب الذي تتحمله ابنتي (نادين) معها، فأنا والدها ومن حقي ألا أرغب باتباعها، لكن مع هذا أصرت أمها عناداً لاختلاق مشكلة، وما كان منها إلا أن تبدأ تمثيليتها التي تتبعها غالبية المطلقات هنا، فوجئت بصوتها يعلو بطريقة مصطنعة ليتمكن الجيران من سماعها، مع ألفاظ مستفزة وظلت تصرخ كذباً (إنه يضربني). هذا كله لأجل أن تثبت أمام الجيران السويديين مظلومية كاذبة. اقتحم البوليس البيت، وقاموا بسجني انفرادياً لأربعة أيام، بعدها حُكم عليّ بالسجن لمدة شهرين، وحينما انتهت المدة خرجت أبحث عن ابنتي التي أخفوها عني بحكم القانون، هيَ وأمها، وسحبوا حضانتي لها، فضاع كل شيء الى الأبد.”
تصنيف عنصري واضح
“هنالك تركيز على جنسية دون أخرى، أعرف سيدة أوروبية صفعت ابنها في الباص أمام جميع الركاب، وكانت هناك كاميرا صورتها، لكن لم يحدث أي تبليغ ضدها!” بهذا الاعتراف وشهادة الإثبات صارحتنا التربوية في إحدى مدارس لندن (سرى الخفاجي) قائلة:
“من الناحية القانونية، نعم، هناك قوانين تحمي الأطفال من التعنيف الأسري بغض النظر عن اللون والعرق والجنسية، لكن على أرض الواقع نجد غير ذلك، صادفت سيدة إنكليزية منفصلة ومدمنة كحول كانت تأتي الى الروضة التي أعمل فيها وتتصرف بطريقة خشنة واضحة جداً مع ابنتها، لكنني لم ألاحظ أية متابعة لحالة الطفلة نهائياً، في حين أن هناك سيدة عربية ابنتها بعمر ٥ سنوات أخبرت المعلمة أن أمها تضربها على ساقها حينما تريد معاقبتها دون وجود آثار، هنا مباشرة أحيلت الأم الى الـ social service، وهذه كارثة بحد ذاتها.”
ضحية صراع الأبوين
“إن النظرة الأوروبية المعروفة عن الرجل الشرقي أنه عصبي بطبعه، ويحاول فرض قيوده المتعصبة على العائلة.” هذا ما أكده المترجم في دائرة الهجرة الأوروبية (رحمن نصير) قائلاً:
” أولاً عندما تأتي لتقيم أو تعيش في دولة ما، يجب أن تلتزم بقوانينها، لذا عندما ترى هذه المؤسسات أن الأبوين غير قادرين على تربية أولادهما بالشكل الصحيح، وأحدهما يفتري على الآخر بسوء معاملة، والطفل يمر بوضع نفسي وأسري سيئ من الخوف والرعب والتعنيف من قبل الوالدين، وبعد جلسات من المناقشات، عندها يؤخذ الأولاد الى دور حماية الأطفال لفتره مؤقته تستمر في البداية شهراً او ثلاثة أشهر أو أكثر، حسب وضع العائلة وقوة ونوع المشكلات وإمكانية حلها ورجوع العائلة الى وضعها الطبيعي. لكن في بعض الأحيان نرى أن الطفل هو الذي لا يرغب في العودة الى أهله لوجود تاريخ كبير من مشكلات العنف داخل الأسرة التي لا يمكن حلها. غالبية المشكلات سببها الإهمال والجهل أو استقواء أحد الأبوين او اتصال الأطفال بالجهات الرسمية.”
ارحلوا إلى بلادكم
المُحامية السويدية (نتالي لارشون) وثقت لمجلتنا أكاذيب كبيرة يسوقها بعض المحققين السويديين، وأيضاً السكان ضد الأجانب من المهاجرين في هذا الموضوع المُثير للجدل، إذ تقول:
“يتهمون المتظاهرين الرافضين لقرارات (السوسيال) المُتهم بخطفِ أطفالهم تحت ذريعة التعنيف، سواء أكانواً عرباً أم عراقيين، بأنهم كذابون ويريدون أن يستمروا بعملية التعنيف من خلالِ تشويه سمعة (السوسيال) وقوانينه بغرض إلغائه، وكذلك اعتبار ضرب الأطفال وإجبارهم على المعتقدات والأفكار الشرقية وغيرها، أمراً طبيعياً، ليس تعنيفاً او جرماً. هذا الكلام غير صحيح وفيه ظلم وعنصرية واضحان، لأنه لا يوجد دين او بيئة او معتقد يقول إن تعنيف الأطفال وضربهم هو أمر صحيح، علماً أن ضرب الأطفال في غالبية دول أوروبا مسموح به، وإذا كان قد منع في بعضها في السنوات الأخيرة فإنه يواجه بدون أية عقوبة أو حكم، وهم بدل أن يشخصوا المشكلة في السويد ويحددوا العلاج لحلها مع الجهات المختصة، يختارون إغماض عيونهم وإلقاء التهم جزافاً على الأبوين المهاجرين، الناس اليوم خائفون ومرعوبون وغير آمنين على أطفالهم مما يجري في دهاليز (السوسيال)، وأي اعتراض يأتيهم الرد “اذا لم يُعجبك الأمر وقوانين السوسيال هنا، فارحل الى بلدك”..
القانون عادل ولا يهمنا!
(السوسيال)، أو مكتب الخدمات الاجتماعية، سجل اعتراضاً ورفضاً لكل من يتهمه بالعنصرية وتعمد سحب أطفال الأجانب والمسلمين، مدافعاً على لسان (آنا غارديستروم)، موظفة السوسيال للقضايا الاجتماعية في ستوكهولم، قائلة:
“السوسيال وجد لحماية الطفل من العنف ومساعدة أهله في الوقت نفسه لكي يتأهلوا، أما عن مسألة التبليغ فإن جميع المدارس والمستشفيات لديها أمر بالإبلاغ عن أية حالة عنف ضد أي طفل، أما التركيز على سحب الأطفال الوافدين فهذا كلام غير صحيح، فالقانون يستهدف من يريد أن يفرض طريقة تربية معيّنة على طفله بالتعنيف والقسر، ولا صحة لما يقال عن اعتراضنا على الحريات أو الديانة أو التمييز العنصري، مكتب الخدمات الاجتماعية ليست لديه أية نية مُسبقة بفصل الأطفال عن ذويهم، وإنما وضع حدود لهم وحماية الأطفال، ولا يكون الفصل إلا في الحالات التي يتعرض فيها الطفل الى العنف داخل العائلة”.
في نهاية التحقيق المُرّ بتفاصيله، يتضح لنا أن البيئة الثقافية التي يخرج منها المهاجر الشرقي وافداً الى أوروبا ومحملاً بتقاليده المحافظة ضمن نسقٍ أخلاقي محدد بضوابط، يصطدم لا إرادياً في بيئة أوروبا المدجّنة بالانفتاح المطلق والاندماج مع معايير لا تصح إلا تحت فضائها. ولا شك في أن المناعة التربوية الضعيفة وانفلات الأولاد من وصاية الأبوين يعطيان مبرراً الى الطرف الآخر و(شرعنة) بتطبيق قراراته، سواء أكانت موجهة او عفوية، لا فرق، في النهاية فإن هنالك خاسراً أخيراً وبيتاً يخلو من مفهوم العائلة.