العباس وإخوته في واقعة الطف الأليمة دخلوا المعركة بروح الاستشهاد

395

علي غني/
عرف العباس بن علي بن ابي طالب(ع) بشجاعته غير الاعتيادية، فهو حامل راية قائد الثورة الإمام الحسين (ع) في واقعة الطف الأليمة ، والعباس الذي كان يتصف بكل صفات القيادة المنضبطة كان شامخاً حاملا الراية بكل مايملك من القوة الجسدية والنفسية والرمزية ، فقد التزم بكل ماقاله له قائد ثورة (الفتح)، أبو الأحرار الحسين (ع) على الرغم من مصرع إخوته قبله.
استمد العباس واخوته شجاعتهم من شجاعة وعقلية والدهم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، اشجع العرب بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتربية أمهم (أم البنين) التي ربتهم على حب آل البيت، فكيف استشهدوا ، وما اعمارهم وما سر تسمياتهم ؟
إخوة العباس
تقول المصادر التاريخية التي استندنا اليها من المكتبة العباسية المقدسة من وحدة التأليف والدراسات التي أعدها السيد جعفر الموسوي، إن إخوة العباس عددهم: أربعة مع أخيهم العباس (عليه السلام)، وقد أجمعت المصادر المعتبرة والمراجع القديمة والمهمَّة على تحديدهم بالأربعة، وقد استُشهدوا جميعاً مع أخيهم الإمام الحسين (عليه السلام) في طفِّ كربلاء، في العاشر من محرم سنة (61) هجرية، وأُمّهم السيِّدة فاطمة بنت حزام بن خالد بن دارم الكلابيَّة، المكنَّاة بـ (أُم البنين).
سر تسمياتهم
وتابع السيد جعفر الموسوي : هذه‏ أسماؤهم بحسب ولاداتهم: العباس، عبد الله، عثمان، جعفر، وعن سر تسميتهم وكناهم: كان للوحي مدخلٌ في تسمية أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) من سيِّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فسمَّاهم الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بأمرٍ من وحي السماء (حَسناً وحُسيناً ومُحسنا)، وأنَّ عليّاً (عليه السلام) حقَّقَ مُبتغاه وأُمنيته في تسمية أولاده من غير فاطمة (عليها السلام)، فقد أعلن عن هذا الهدف السامي في ما رواه أبو سعيد الخُدري عنه، قال: (وقد سمَّيتُ بعباس عمّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، إذاً فقد سمَّى ولده العباس باسمِ عمِّه العباس بن عبد المطَّلب، وكنَّاه بكنيته أيضاً (أبو الفضل)، وسمَّى ولده عبد الله باسمِ عمِّه عبد الله والد النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وكنَّاه (أبو محمد)، وسمَّى ولده جعفر باسمِ أخيه جعفر ذي الجناحين، وكنَّاه (أبو عبد الله)، وبهذا أحيا ذِكرَ أعمامه وإخوته في تسمية أولاده؛ لما يحملونه من شرف ومجد وشجاعة وكرم وطيب ذكر، لكي تستمر تلك المعاني الرفيعة في الأبناء، أمّا بالنسبة لعثمان فقد رُوي أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (إنَّما سمَّيته باسم أخي عثمان بن مظعون)؛ تخليداً لذكرى رفيقه الذي مات سنة اثنتين من الهجرة، وكنَّاه (أبو عمرو).
استشهادهم
يواصل السيد ابو جعفر :استُشهِد العباس (عليه السلام) وله من العمر (34) سنة، واستُشهِد عبد الله وله من العمر (25) سنة، واستُشهِد عثمان وله من العمر (21) سنة، واستُشهِد جعفر وله من العمر (19) سنة.
روي أنَّ العباس (عليه السلام) لمَّا رأى كثرة من قُتل قال لإخوته من أمِّه: (تقدَّموا، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيِّدكم حتّى تموتوا دونه)، فتقدَّموا جميعاً، فصاروا أمام الحسين (عليه السلام) يقونه بوجوههم ونحورهم، فحمل هانئ بن ثويب الحضرمي على عبد الله فقتله، ثم حمل على أخيه جعفر فقتله أيضاً، ورمى يزيد الأصبحي عثمان بسهم فقتله، ثم خرج إليه فاحتزَّ رأسه، فأتى عمر بن سعد، فقال له: (أثبني)، فقال عمر: عليك بأميرك – يعني عبيد الله بن زياد – فاسأله أن يُثيبك، وبعدهم بقي العباس (عليه السلام) قائماً أمام الحسين يُقاتل دونه، ويميل معه حيث مال حتى استُشهد، رحمة الله .
الاصطفاء الإلهي
وللشيخ ماجد الجبوري ، المشرف على حوزة الامام الجواد (ع) ، رأي بتميز العباس عليه السلام عن إخوته ، وعده إلهيا، فهو يقول : عندما تبرز بعض الأسماء والشخصيات على المستوى التاريخي ، فلا بد من أن تكون هناك مميزات واستعدادات وإنجازات استحقت بها أن تبرز وتظهر، وتنال تسليط الأضواء إعلامياً ، فإن كانت تلك الشخصية إلهية فقد تحقق بها هذا الاستعداد إضافة الى الهبة الإلهية التي وسعت دائرة الظهور ليصبح ظهوراً مقدساً ومعصوماً لمن كان استعداده ذلك .
وتابع (الشيخ الجبوري): لقد ذكر القرآن الكريم اصطفاء مريم عليها السلام، وأنه عز و جل اختارها من بين نساء عالمها دون النساء لتنال هذه المنزلة العظيمة عند الله تعالى ، و أفرد لها سورة كاملة وآيات كريمة بيّن فيها منزلتها، ليكون الاصطفاء تبعاً لما تخلل حياتها من استعداد و نقاء وإخلاص دون سائر النساء في عالمها، فقال تعالى (( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً …. )) سورة مريم / 16 .
و في سورة آل عمران /42 : (( و إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين .. )) .
فذكر الله تعالى الاصطفاء بعد أن بيّن مقدمات الاستحقاق .
وفي اختيار الله تعالى لموسى عليه السلام حيث قال (( وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى )) طه/13 . قد بيّن عز وجل في سور وآيات عديدة قصة نبي الله موسى عليه السلام ومن خلالها تتضح مؤهلاته ليبلغ رتبة الإختيار الإلهي .
مع أن هذه المؤهلات هي فيضٌ من رحمة الله تعالى تصب على هذه الشخصية الإلهية لتبلغ هذه الرتبة والمنزلة دون غيرها في عصرها .
كذلك اختيار الأنبياء أولي العزم عليهم السلام دون غيرهم من الأنبياء كان وفقاً لاستعداداتهم ، إضافة الى الجعل الإلهي وما اختصهم به من كتب، وبما صبروا، و بما أخذ منهم من ميثاق، كما في قوله تعالى ((وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن… )) الأحزاب / 7 .
وعلى ذلك فلا يكون الاصطفاء والاختيار منحصرين في البعد الظاهري البشري، بل يتعدياه إلى البعد الباطني الوحياني، فهنالك استعداد وعمل وإخلاص بجانبه تسديد إلهي ووحي يجعل التميز حكمة في الاختيار لبلوغ الغاية والمراد .
ففي واقعة الطف كان هناك استعداد وإخلاص من ثُلّة استحقت أن تنال الجعل الإلهي والاصطفاء في الاختيار دون غيرهم وبلوغ تلك المقامات الشريفة .
فالحر وزهير وجون وووو .. بلغوا تلك المراتب بالاستعداد والصبر والاصطفاء الإلهي معاً .
وكان العباس عليه السلام أحد أبرز تلك الشخصيات، حتى على مستوى الأقربين نسباً من المعصوم ، كعلي الأكبر ، فالمرتبة التي نالها العباس عليه السلام بحمل اللواء كانت استعداداً واصطفاءً، وكانت لهذه المرتبة مقدمات منذ نعومة أظفاره إذ كان تحت رعاية أمير المؤمنين عليه السلام، الذي كان يرى في العباس ذلك الاستعداد فجعل له مقاماً متميزاً عن إخوته، إلى أن حلّت واقعة الطف فصار التميّز والاختيار إلهيا بواسطة المعصوم .
وكما كان الاصطفاء والاختيار الإلهي لمريم عليها السلام، وللأنبياء أولي العزم عليهم السلام ، كان كذلك للعباس عليه السلام، فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّا.