“القطة أم سبع أرواح”.. ستمضي بقية حياتها خلف القضبان

1٬112

بشير الأعرجي /

أسوأ كابوس، أن ينتظر المرء قضاء ما بقي من حياته خلف القضبان، وفي ذمته أكثـر من 67 مليار دينار وقضايا لا نهاية لها في أروقة المحاكم. هذا الكابوس حقيقة تطارد موظفة كانت مؤتمنة على سجلات عقارية وتلاعبت بها حد الإفراط والتحكم بمصير عقارات ضاعت ملكيتها جراء إغراء المال الحرام، وهي الآن تقضي عقوبة الحبس لأكثر من نصف قرن، في قضية هي الأشهر بين عمليات تزوير عقارية تتزعمها امرأة.
عصابة تزوير
قصة الموظفة في دائرة التسجيل العقاري في المدائن (و.ي) بدأت بإصدارها سندات عقارية مزورة وتغيير أسماء مالكيها، سواء الدولة او اشخاص، وإيهام المشترين بطرق تحايل غريبة بأن تلك العقارات أصبحت ملكهم، وذلك بالاتفاق مع افراد يشكلون عصابة خطرة مكونة من زملاء لها في الوظيفة إضافة الى مجرمين آخرين صدرت بحقهم احكام غيابية بالسجن لفترات مختلفة، بحسب ما تحدث به المفتش العام لوزارة العدل حسن حمود العكيلي لـ”الشبكة” .
تلاعب خطير..
العكيلي أوضح الكيفية التي تلاعبت بها هذه الموظفة بالسجلات التي بعهدتها، مبيناً أن “اغلب عمليات التزوير طالت عقارات تستخدم كضمانات لقروض مصرفية من خلال تزوير اسم المالك وتغيير مساحة وجنس العقار”. وأضاف “واحدة من عمليات التزوير هي لعقار استخدم ضماناً لقرض بقيمة 14 مليار دينار، وآخر بقيمة 10 مليارات دينار، ومليارات أخرى تم تسلمها من قبل أفراد العصابة التي تعمل مع الموظفة”.
ولفت المفتش العام الى ان “طريقة التزوير تعتمد على تغيير ملكية العقارات من وزارة المالية الى اشخاص محددين، وتقوم الموظفة التي شغلت منصب معاون مدير دائرة التسجيل العقاري في المدائن بإرسال كتب صحة صدور السندات الى المصارف الأهلية والحكومية التي تنوي منح قروض للمواطنين بضمانة العقارات المزورة، وقد تجاوزت مبالغ القروض الممنوحة بهذه الطريقة 67 مليار دينار”.
نصف قرن سجن
عندما تحدث المسؤول الرقابي عن هذا المبلغ الكبير، سألناه عن عدد الأحكام الصادرة بحق الموظفة ومدة سجنها، فقال “لغاية الآن، صدر 13 قرار حكم بالإدانة من المحاكم المختصة بالنزاهة، ووصل عدد سنوات سجنها الى 51 سنة، وما تزال المحاكم تنظر في المزيد من القضايا المحالة اليها، انها مدة طويلة جدا، لكن فعلها المسيء دفع القضاء لإصداره احكامه بحقها”.
قطة بسبع أرواح
“الشبكة العراقية” التقت الموظف (ق.م)، وهو أحد الموظفين الذين ساهموا ضمن فريق كشف حالات الفساد في عقاري المدائن، وخصوصا قضية الموظفة المدانة، فقال “كانت تظن نفسها قطة بسبع أرواح، لن تقع بشباك القانون، حاولت الهرب عندما كشفنا فسادها، لكن تم إفشال عملية هروبها في المطار باللحظات الأخيرة”. وأضاف “نعلم جيدا الخطر الذي سيواجهنا خلال عمليات التدقيق بالسجلات العقارية التي شابها التزوير، فالمبالغ ضخمة للغاية، وبالتأكيد هناك شبكة فساد يرتبط عناصرها بعضهم ببعض، والا لما استمر التزوير منذ العام 2015 دون ان يكتشفه أحد ويكون بين يدي الجهات الرقابية، عملنا بصمت في الدائرة كي لا نثير الشبهات حولنا، حتى مسكنا خيوط القضية واوقعنا المفسدين”.
أين عقاري!
وبالاطلاع على أحد الأحكام الصادرة بحق (و.ي) وكجزء من عمليات التزوير التي قادتها خلف القضبان، فقد قامت بإصدار سند عقاري لمواطن اشترى قطعة ارض من مواطن آخر، وبعد مدة أراد المشتري اصدار سند جديد، فوجد ان العقار يعود لوزارة المالية، فهذه الموظفة قامت مع البائع بالاحتيال عليه، وتسلم الاثنان مبلغا ماليا ضخما من عملية البيع الوهمية، وكأنها مثل الحوت تبتلع ما يحلو لها دون التفكير في عواقب عمليات التزوير والاحتيال التي تقوم بها، ومنها أيضا تزوير جنس العقارات من زراعي الى صناعي، ومن مملوك للدولة الى ملك صرف، وتغيير مساحات الأراضي من صغير الى ارض شاسعة لغرض رفع قيمتها عشرات الاضعاف.
القضية الأبرز
المفتش العام لوزارة العدل أكد ان ممارسات التزوير تلك هي احدى التحديات التي تواجه عمل دائرته، وتضعف الثقة بالجهات الرسمية المؤتمنة على أملاك المواطنين، وقال: “قصة (و.ي) ليست الوحيدة في عمليات التزوير والاحتيال، لكنها الأبرز باعتبار ان ما تواجهه من احكام بالسجن هي الأكثر الصادرة بحق موظفة ستقضي بقية حياتها خلف القضبان، ونأمل ان تكون الأخيرة رغم صعوبة التحدي الذي نتصدى له، وهو التزوير في اجواء مشبوهة والطمع بأموال ضخمة نتيجة تلك الممارسات الفاسدة”.
الورق..
سألنا المفتش العام: وما تأملونه لوقف عمليات التزوير في العقارات؟ فأجاب “كيف يحدث التزوير؟ السبب الرئيس هو الاعتماد على الورق في التعاملات العقارية وغيرها من الإجراءات الحكومية الأخرى التي تخص العديد من مؤسسات الدولة، ولو اوقفنا التعامل بالأوراق لتجاوزنا مفاصل التزوير”.
سألناه مرة أخرى: وكيف نتجاوز تلك المراحل وكل ما نتعامل به عبارة عن مراجعات ورقية، فأردف بالقول “الاعتماد على المكننة الالكترونية، وتحويل التعامل من الورق الى التقنيات الحديثة سيضعضع اساسات الفساد ابتداءً من المعقبين وتزوير السندات وصرف القروض بضمان عقارات مزورة.. نحن نحتاج الى إرادة حقيقية للشروع في تحويل التعاملات الورقية الى الكترونية، وبخلاف ذلك لن يكون غريباً ان تمتلئ السجون بحالات مشابهة لموظفة عقاري المدائن المدانة، وغيرها من النماذج السيئة لمرحلة استهتر بها المفسدون بأملاك المواطنين والدولة واستغلوا قدم الإجراءات وعدم مواكبتها للتطورات التي يشهدها العالم.”