بحيرة الحبانية تعلن الجفاف!
رجاء الشجيري/
دجلة الخير الذي تغنى به الجواهري، والفرات الذي أنشد له الرصافي.. ما الذي ينتظرهما؟ وبينهما جفاف بحيرة الحبانية. ما الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة البيئية؟ هل هي سياسية متعلقة بمياهنا القادمة من دول الجوار؟ أم أنها مناخية تتعلق بالاحتباس الحراري وقلة الأمطار؟
“الشبكة العراقية” فتحت ملف هذه الظاهرة البيئية الخطيرة، وطرحتها بين مختصين وخبراء بيئيين، للاطلاع على الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة والحلول المناسبة لمواجهتها.
تاريخ الأزمة
بدايةً، ينبغي أن نذكر أن جفاف بحيرة الحبانية نتج عن قلة منسوب مياه الفرات، وقلة الإطلاقات منه إلى البحيرة، وهي مشكلة بدأت منذ عقود طوال. تحدث عنها لمجلة “الشبكة العراقية” مرتضى السوداني، المتخصص في مركز دراسات النهرين، قسم الطاقة والمياه قائلاً:
“أعلمت تركيا العراق منذ عام 1957عزمها إنشاء أول سد على نهر الفرات، وهو سد (كيبان)، بطاقة تخزينية تبلغ 9،4مليار م3. وعندما شرعت بالتنفيذ، تبين إن الطاقة التخزينية للسد هي 30،5 مليار م3، وكان ذلك أول علامات ظهور مشكلة المياه بين البلدان الثلاثة المشتركة في النهر (تركيا – سوريا – العراق)، وتفاقمت المشكلة عندما تزامن إملاء هذا السد مع إملاء سوريا لأول سدودها على نهر الفرات (سد الثور) عام 1974، واستمرت تركيا بعد ذلك في انتهاج سياسة مضرة بالعراق. وفي عام 1994أعلنت تركيا اكتمال المرحلة الأولى من مشروع أسطول (نفق إروائي) يعد الأول من نوعه في العالم هو (نفق أروفا).
هذه السدود على نهر الفرات تمثل جزءاً من مشروع جنوب شرقي الأناضول (GAP)، الذي يعد من مشاريع تركيا الكبيرة المخطط لها. فضلاً عن مشروع (الكاب) الذي سيؤدي في مرحلته النهائية إلى خفض إمدادات دجلة والفرات بنسبة 40% لسوريا و75% بالنسبة للعراق، ما سيجعلنا نعاني عجزاً بمقدار (3.85) مليار متر مكعب من نهر الفرات فقط. كما أن مشروع (الكاب) سيؤدي إلى إخراج 40% من مساحة الأراضي المزروعة من الإنتاج الفعلي في منطقة حوض الفرات في العراق، وحرمان أكثر من (2.5) مليون شخص من مياه هذا النهر، كما سيؤثر على نوعية المياه، إذ سوف تزداد نسبة الملوحة بعد انجاز المشروع إلى 1500 جزء في المليون.”
أما لؤي المختار، الناطق الإعلامي باسم وزارة البيئة، فقد تحدث عن أهمية كميات المياه، وتأثيرها البيئي على أرضنا، فقال:
“العراق أمام تحديات، منها تراجع كميات المياه الواردة إلى ١٢ مليار متر مكعب. هذه الكميات مهمة جداً بالنسبة للبيئة، لأنها تؤثر بشكل كبير في نوعيتها وتأثير الملوثات عليها، لذا يتطلب من العراق تطبيق خطة من نقاط عدة لغرض الإدارة المثلى للمياه، منها تغليف فروع الأنهار والمشاريع الإروائية كافة لتكون في قنوات أو أنابيب، وأن تكون الحصص المائية الزراعية محددة بشكل عادل ومنصف لكل دونم، وأن يجري التحكم بها وفق صمامات وأجهزة قياس محسوبة.”
جفاف وفوضى
في حين عزا المستشار والخبير البيئي عادل المختار “أسباب جفاف بحيرة الحبانية إلى عوامل عدة، مثل الوضع المائي لنهر الفرات، والإهمال والتجاهل اللذان أديا إلى جفاف نهر الفرات وبحيرة الحبانية، وتناقص خزين سد حديثة إلى أقل من مليار متر مكعب، وهو قليل جداً، قد يجف أيضاً، كما يحصل في بحيرة الحبانية، وذلك بسبب عدم إطلاق كميات مياه كافية. في سوريا مثلاً، هناك كميات مياه تأتي عن طريق الفرات وتدخل سوريا التي تخزنها في (سد الطبقة) دون إطلاق مياه كافية لنا، وهذه كارثة إضافية، كما أن سوء إدارة المياه من قبل الإدارة المسؤولة عن المخزون والسدود بعدم إطلاق كميات مناسبة لنهر الفرات أدى إلى جفاف الحبانية.”
مضيفاً: “هناك نية لوزارة الموارد المائية في إعادة النظر في الخطط الستراتيجية لمياه العراق وتطويرها، والحقيقة أن هذه النية تتمثل في تكليف شركتين إحداهما إيطالية وأخرى أردنية بتقديم دراسة عن تلك الخطط!”
أسباب وحلول
بدوره، قدم المختص البيئي في جامعة الانبار د.عاصم جاسم حسين الراوي، رأيه في أزمة جفاف البحيرة والأنهار بإرجاعها إلى ثلاثة أسباب: الأول سياسي، كما ذكر المختصون أعلاه، متعلق بالكميات التي تطلقها تركيا من المياه، وهي نسبة محدودة وقليلة جداً. والثاني هو قلة الأمطار، اذ يقول: “إذا ما قسنا نسبة الأمطار في السنوات العشر أو الخمس الأخيرة على نسبة الأمطار السابقة فإنها لا تصل إلى ٢٠ بالمئة، وبالتالي أصبحت المياه في هذه السدود منخفضة. يضاف إلى ذلك السبب الثالث، وهو الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة.”
الراوي لفت إلى أنه “عند انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات بنسبة ٥٠ بالمئة، حدثت الأضرار الآتية: جفت البحيرات والروافد، وقلت مياه سقي الأراضي الزراعية، وبالتالي تراجعت الزراعة، كذلك حصول تدهور بيئي خطير في نهر الفرات تمثل بموت الكائنات الحية فيه من أسماك وطحالب وحشائش وبكتريا، وهذه الكائنات عندما تموت فإنها تتفسخ وتتحلل وتلوث المياه والأرض، فضلاً عن تدفق فضلات مياه الصرف الصحي ومخلفات المستشفيات في الأنبار إلى النهر.. نحن أمام خطر تلوث وجفاف معاً لنهري دجلة والفرات والروافد والبحيرات.”