بدلا من انتظار “الوظائف الحكومية” شباب يواجهون البطالة بمشاريع صغيرة
وائل حمد/
شباب تخرجوا في الجامعات العراقية وعجزوا عن الحصول على وظيفة تناسب مؤهلاتهم، لكنهم لم يستسلموا لفكرة انتظار الوظيفة الحكومية في بلد يعاني من تقشف اقتصادي وتفشي الفساد، فتوجهوا الى مشاريع صغيرة اثبتت نجاحها وحققت لهم ارباحا، جعلتهم يفكرون بمشاريع تجارية أوسع، البدايات دائما صعبة لنستمع الى قصة كفاحهم …
يضع الشقيقان أحمد وعلي الصالح، اللمسات الأخيرة على مطعمهما الجديد الذي “يسير” المطعم المتحرك ليس سوى سيارة كبيرة نوعا ما، مفتوحة من عدة جوانب، وفي داخلها مطبخ صغير، فيما توضع الكراسي المؤقتة على الرصيف.
يجوب الشابان أهم الشوارع والمفترقات في بغداد، من خلال العجلة، ويقدما وجبات سريعة معروفة، مثل “الهمبركر”، “الفلاقل” و”الكص”.
مشروع مابعد التخرج
يقول الشقيق الأكبر، أحمد (27 عاما)، في حديث لـ(مجلة الشبكة)، إن “ يأسه من الحصول على وظيفة حكومية بعد تخرجه في كلية الادارة والاقتصاد، كان الدافع الرئيس للتفكير في مشروع المطعم الدوار”.
ويشير أحمد وهو يقلب قطعة لحم على الصفيح الساخن، الى أن الفكرة بدأت تنضج منذ عام، لكنه لم يكن يملك المال لتحقيقها.
يقول الشقيق الآخر، أنه لم يتقبل في البداية فكرة المطعم المتنقل، لكن الظروف فرضتها، فكان عليه التأقلم مع العمل الجديد والتفكير في تحضير الوجبات داخل “المطعم” برغم صغره، مقارنة مع الكثير من المطاعم التقليدية العاملة في بغداد.
علي تخرج حديثا في كلية الزراعة، ولم يجد وظيفة كشقيقه، ويضيف لـ (مجلة الشبكة): “لجأت للعمل في الكثير من المجالات المختلفة، كالمطاعم والبناء، من أجل توفير المال اللازم لاحتياجاتي، حتى جاءت فكرة المطعم المتنقل”.
لتحقيق حلم الشقيقين، تطلب الحصول على 10 الاف دولار (مايقارب 12 مليون دينار) لشراء السيارة وباقي المستلزمات.
علي، يقول: «حصلنا على المبلغ من أحد أقاربنا الذي طلب مشاركتنا في المطعم، لحين سداد المبلغ».
ويطمح الشقيقان إلى أن تساعدهما الظروف والإمكانيات المادية خلال الفترة المقبلة، من أجل العمل على إنشاء سلسلة من المطاعم المتنقلة في مختلف المدن الموجودة، وإنشاء مطعم تقليدي إلى جانب المطاعم المتنقلة.
ودفعت الحاجة الى العمل وانحسار فرص التعيين عدداً من الشباب الخريجين الى ابتكار طرق جديدة للعيش، وفيما حوّلوا عدداً من عجلات الحافلة الى مطاعم جوّالة تقدّم من خلالها المأكولات الشعبية بأسعار مناسبة، فيما قالت السلطات المحلية في العاصمة أنها تساند هذه المشاريع، مرجحة لاعداد مماثلة لتشغيل العاطلين عن العمل.
اللجوء الى كرفان!
الى ذلك قرر شاب آخر في اواخر العشرينات من العمر أن يحول سيارته الى «مطعم متنقل» بعد أن جرب عدة أعمال انتهت بالفشل.
فاروق محمد، 29 عاما، كان قد حاول اللجوء الى أوروبا قبل عامين، لكنه بقى عالقا في اليونان ولم يستطع أكمال طريقه الى النمسا.
الشاب بعد أن نفدت أمواله عاد من جديد الى العراق. وكان قد تخرج قبل سنوات في كلية العلوم السياسية، ولم يحصل على عمل.
محمد يقول لـ (مجلة الشبكة): «عملت في محال تجارية مختلفة، وفي المطاعم، ثم قررت أن يكون لي مطعمي الخاص».
اصطدم الشاب بالتكاليف العالية التي يحتاجها لاستئجار مطعم، ووضع الديكورات والطاولات، فبحث عن حل آخر.
ان أعمل على بسطية افترش بها الأرض في احدى الأسواق الشعبية، إلا أن أمانة بغداد منعته أسوة بغيره من المتجاوزين على أرصفة الشوارع.
ويضيف: «قررت أن أبيع الطعام بطريقة متنقلة ودرست الاحتياجات فوجدتها تتطلب توفر سيارة نقل». تحدث محمد مع ابن عمه، الذي كان لديه قدرة مادية على مساعدته، فوافق الأخير.
ويعرض الشاب في مطعمه المتنقل (سكالوب دجاج ودجاج مسحب وكبدة وبطاطا جاب وعرايس) فضلا عن المشروبات الغازية وقناني الماء المعدني، مشيرا الى ان زبائنه كثيرا ما يتصلون به عن طريق هاتف خصصه لعمل المطعم المتنقل فيطلبون ما يريدون من طعام، أقوم بايصاله لهم.
وبدأ «محمد» بكسب زبائن مختلفين، من الشرطة والجيش والمنتسبين في السيطرات الأمنية، حيث يمر من خلالهم من دون اعتراض.
مأكولات فضائية!
أما «مأكولات اورانوس» هو الاسم الذي أطلقه خلدون كريم، على مطعمه الصغير والمتنقل في بغداد، يقدم خلاله لزبائنه مختلف أنواع الوجبات السريعة.
قال كريم (24 عاما) لـ (مجلة الشبكة): «أعاني ظرفاً مادياً صعباً، فضلا عن انني المعيل الوحيد لعائلة مكونة من خمسة أفراد بلا أب، لكن تلك المعاناة كانت سبباً لنجاحي، وتمكني من إطلاق مشروعي الخاص»، مستطرداً بالقول: «هوايتي المفضلة هي الطبخ، لذلك خطرت بذهني فكرة المطعم المتنقل».
وأضاف: «فاتحت جاري بفكرة المشروع وقرر أن يشاركني في تنفيذه، فقمنا بشراء كرفان صغير، بادرنا إلى تقطيعه وإعادة تصميمه من الداخل، كما أضفنا إلى الكرفان مستلزمات الطبخ، ليتناسب مع مشروعنا»، لافتاً إلى أن عدداً من أصدقائه شجعوه وساعدوه في تنفيذ مشروعه.
وأضيف للكرفان عجلات وربط بسيارة ليتمكن الشاب من نقله من مكان إلى آخر، فيما ظهر شكله النهائي بصورة لطيفة، بعد أن طبع عليه من الخارج صور الطعام.
وحول سبب تسمية مطعمه بـ»أرانوس» على نفس اسم احد كواكب المجموعة الشمسية، يقول إنه يعود لتخصصه في علم الأرض «الجولوجيا»، الذي لم يضمن له في النهاية وظيفة غير هذا «الكرفان».
وأصبح مطعم الشاب كريم، يشهد أقبالا متزايدا من الزبائن، الذين سمعناهم يتحدثون بشكل ايجابي عن الوجبات التي يقدمها المطعم المتنقل.
ومعظم الوجبات التي يقدمها المطعم، يتم تحديدها سلفا في صفحة كريم على فيسبوك، حيث يعرض الزبائن المتفاعلون مع صفحته اقتراحات لبعض المأكولات، وبدوره يقوم هو باعداده حسب الطلبات.
وعن طموح كريم في المستقبل، قال: «لدي الكثير من الأحلام أريد أن أحققها، فالآن قد تمكنت من ايجاد مشروع عمل خاص بي، وفي المستقبل أريد أن تكون لي مجموعة من المطاعم، فقد نسيت الجولوجيا».
وبذلك تحولت آمال الشباب الذين تخرجوا حديثا من الجامعة، الى العمل في الطعام بدلا من البحث في الفلك وأسرار النجوم، ويضيف قائلا: «لايمكننا البقاء في انتظار الوظيفة، البلاد تمر بأزمة مالية وعلينا إيجاد البدائل».
كيف ندعم تلك المشاريع؟
بدوره اعتبر الباحث الاقتصادي علي وادي، المشاريع الصغيرة مثل «المطاعم المتنقلة» وغيرها، عصب الاقتصاد في بلدان العالم.
ويقول وادي في حديث لـ (مجلة الشبكة) انه «وفق خبراء الاقتصاد فإن أي دولة تحرص على نمو اقتصادها وازدهاره، تتجه إلى دعم هذه المشاريع، وتحفز الشباب على المبادرة الى تأسيسها وخوض التجارب فيها».
ويضيف: «ان تلك المشاريع تكون مناسبة لمن ليس لديه رأسمال، إذ باستطاعته الاقتراض، أو تقسيط مبلغ لشراء الكرفان أو الحافلة المتنقلة، وبعض الأدوات اللازمة للاستخدام والطهو.»
ويبين وادي انه هذه المهنة تتميز عن غيرها من المشاريع الصغيرة الأخرى، بـ»سهولة التنقل» من مكان إلى آخر، تبعاً لأمكنة الزبائن، «فأينما كانوا تحضر سيارة المطعم المتنقل، سواء في المناطق الترفيهية، أم في الأماكن التجارية».
الى ذلك يؤكد مسؤولون محليون في العاصمة بغداد، إنه لا يوجد نص قانوني ينظم او يمنع عمل أصحاب «المطاعم المتنقلة».
ويشير المسؤولون الى امكانية فرض رسوم على تلك العجلات لإغراض رفع النفايات القريبة منها.
ويقول رئيس لجنة الخدمات في مجلس محافظة بغداد، علي جاسم، لـ (مجلة الشبكة) إن «خطة قريبة من المطاعم المتنقلة كانت الحكومة المحلية في بغداد تفكر بها
وتقوم الخطة على استيراد المركبات (التي تستخدم في انشاء المطعم المتنقل) وبيعها للمواطنين بالإقساط للاسهام في تقليل نسب البطالة المرتفعة في البلاد.
بالمقابل يؤكد جاسم ان “السلطات المحلية في بغداد ليس لها تحفظات على المطاعم المتنقلة”.