بطر يقة التنويم الإنساني.. نصّابون ومحتالون يستخدمون سيارات الأجرة!

138

هند الصفار – تصوير: حسين طالب /

ماذا لو صادفك محتال أجبرك إنسانياً أن تدفع له مبلغاً من المال وأنت لا تستطيع رده؟ يمتلك أحد النصابين سيارة أجرة نوع ألنترا صفراء يستغلها للإيقاع بزبائنه بطريقة التسول والاحتيال والنصب، والسبب طبعا لأسباب إنسانية. عملية النصب تبدأ حين يستأجر، فهو لا يجادل في الأجرة، ولاسيما اذا كانت الراكبة امرأة، إذ يستخدم رواية ملفقة لإقناع الضحية بأن تدفع له المال تقرباً الى الله!
الرواية الأولى
حصلت الرواية الأولى مع الضحية (أم زهراء)، وهي موظفة في متوسط العمر، استأجرت سيارة من أمام دائرتها في الكرخ، قبل مناسبة وفاة الإمام موسى بن جعفر ع، عندما كانت المواكب قد بدأت بتقديم خدماتها، وحينها هاجم السائق أصحاب المواكب ونعتهم بالكذابين، ما استفز أم زهراء -وهي امرأة متدينة- حرصاً على سمعة المؤمنين. ومن هنا بدأ الحديث كما تروي أم زهراء: “قال إنه يعمل سائقاً في السيارة وإن ابنة أخيه المتوفى قد تفارق الحياة خلال ساعات بسبب مرض في الدم، وإن صاحب السيارة لديه موكبان لكنه رفض إقراضه مبلغ 300 ألف دينار، وقد باع ثلاجته وموبايله بثمن بخس وإن هناك جهازاً صغيراً جداً بـ500 ألف دينار ممكن أن يحيي الطفلة.”
نجح المحتال باستدرار عواطف أم زهراء التي تقول “وجدت نفسي أمام أمرين: إن كان صادقاً فماذا أقول لله يوم القيامة إن لم أساعده؟ ولو كان غير ذلك فأجري على الله.”
تقول “لم أنتبه الى فجوات القصة وأنا التي أعمل في الصحة، إذ قال إنها ترقد في مستشفى الأورام الأهلي وهو مشفى جديد قريب من بسماية (طبعاً بعد المكان سيمنع المرأة من الذهاب للتأكد).” وفي النهاية أعطته أم زهراء حين أوصلها للبيت مبلغ 500 ألف دينار لمعالجة البنت.
نساء وقعن في الفخ
وبعد شهرين كانت أم زهراء تسرد قصتها مع النصاب لزميلتيها سارة ورزان، وفوجئت بأنهما وقعتا في نفس الفخ ومن الشخص نفسه.
لكن سارة قالت إنه أجرى تعديلاً على القصة، فهو لم يتحدث مباشرة بل من خلال اتصالات هاتفية تلقاها ليخبرهما هل تتوقعان طفلة ستموت بسبب 130 ألفاً، وطبعاً بنفس المرض ونفس المستشفى، وحين عرضتا عليه أن يعرضها على أطباء حسب معرفتهما ذكر لهما أسماء أهم الأطباء الاختصاص وأن أحدهم هو من رفض إجراء العملية بسبب نقص المبلغ، فتأثرت رزان بالقصة وأعطته المبلغ المطلوب.
تقول سارة “لقد شعرت بأنني على مفترق طرق، فربما تكون حياة هذه الطفلة متعلقة بالمبلغ، ولهذا قررنا دفعه ونحن فرحتين بأننا سنقدم شيئا لله ويجب ان لا يعلم به أحد طلباً للأجر من الله.”
التكييف القضائي
يشرح المحامي علي سعيد الخفاجي التكييف والوصف القانوني لعمليات النصب حسب القانون العراقي:
يكون الوصف القانوني وفق أحكام الفقرة ١/أ-ب من المادة ٤٥٦ من قانون العقوبات العراقي المرقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ التي نصت على مايلي 1 – يعاقب بالحبس كل من توصل الى تسلم او نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه او الى شخص اخر وذلك بإحدى الوسائل التالية: ا – باستعمال طرق احتيالية.
وأشار الى أن المادة ٩٣ من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم ٢٣ لسنة ١٩٧١ نصت على مايلي: يشتمل الأمر بالقبض على اسم المتهم ولقبه وهويته وأوصافه إن كانت معروفة، ومحل إقامته ومهنته ونوع الجريمة المسندة اليه، وبهذا يتضح لنا أنه لا يمكن للمحكمة إصدار أمر قبض بدون معلومات عن المتهم بما في ذلك اسمه الثلاثي على الأقل.
ولمعرفة معوقات اقامة الدعوى يقول الخفاجي:
لا توجد معوقات لإقامة الشكوى سوى الإجراءات المطولة وعدم درايته فيما إذا كان القانون يعاقب على هذا الفعل أم لا حسب القول الخاطئ الذي يستند اليه غالبية الناس (القانون لا يحمي المغفلين)، بل على العكس، لإن القانون وضع لحماية المغفل من ضياع حقوقه.
محتالون
إلى ذلك.. تقول أستاذة السلوك الدكتورة شيماء العباسي: “إن عمليات النصب والاحتيال تحدث في وقت غير متوقع، ويقع في شراكها الناس من مختلف الأعمار والجنسيات، ويطلق على هؤلاء النصابين والمحتالين في الشارع العراقي (سته وخمسون 56)، ويتطلب هذا الجرم قدراً عالياً من الذكاء والابتكار، وهذا ما نراه في وقتنا الحاضر، إذ يمارس النصاب عمله ويحتال على ضحاياه الذين هم على قدر كبير من العلم والثقافة والتجربة، ولهذا يحتاج النصاب إلى كم هائل من الحيل والمكر والدهاء والخداع والمناورة والمراوغة والكذب المتقن، لإقناع ضحاياه بالتسليم له وهم في حالة خدر وتسليم تامة بحيث يعطونه المال بدون نقاش وأكثرهم من النساء او كبار السن.”
وعن سبب استهداف هذه الفئات تجيب العباسي :”إن هذه الفئات تمتلك عواطف جياشه، فهم شديدو الحساسية والانفعال تجاه المواقف الإنسانية، ومن السهولة استثارة مشاعرهم، لهذا تكثر مثل هذه العمليات من النصب والاحتيال عليهم بسهولة وتؤخذ الأموال منهم بدون عناء.”
كذلك تؤكد العباسي أن “هذه الجرائم تترك آثاراً اجتماعية ونفسية وخيمة على الذين وقعوا ضحايا لمثل هذه الجرائم، ما يسبب فقدان الثقة بين المتعاملين من الناس، وأيضاً قطع سبل الإحسان والمعروف بينهم.”