بعد إعفاء وزير التربية أكثر من إدارة.. التربية والتعليم بين مطرقة الأهالي وسندان الملاكات التعليمية
علي غني /
أثارت المخاصمات المتكررة بين الإدارات المدرسية واولياء أمور الطلبة علامات استفهام كثيرة، منها ما يعطي الأحقية للإدارة، ومنها ما يعطيها للطلبة، حتى وصل الأمر إلى التشهير عند حدوث مثل هذه الحالات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا مؤشر خطير على انحدار العملية التعليمية في بعض المدارس، سواء أكانت مدارس بنين أم بنات، ما دفع بوزير التربية إلى إعفاء العديد من الادارات.
هنا تبرز تساؤلات عديدة، فلماذا برزت هذه الظاهرة الآن في عموم مدارس العراق؟ ومن هو صاحب الحق القانوني في الشكوى؟ وهل لأولياء الأمور، أو الإدارات المدرسية، الحق باستخدام منطق القوة في العملية التربوية؟
المشكلة تكبر
ربما لخطورة الموضوع، فضلت أن أخفي بعض أسماء المتحدثين، وبحسب الضرورة، لكي لا أتهم بممارسة التشهير. وعندما شرعت بكتابة الموضوع، اتصلت بي -عن طريق المصادفة- مجموعة من أولياء أمور إحدى مدارس المتميزين في بغداد، طالبين مني إيجاد مخرج لمشكلتهم عن طريق الإعلام، بعد ان يئسوا من اللجان التحقيقية بشأن أحد المدرسين الذي يقول عنه (أولياء الأمور) إنه يتصرف وكانه ليس منتمياً إلى الواقع التربوي، ولحد كتابة هذا التحقيق لم تحل مشكلاتهم مع هذا المدرس.
عقوبات صارمة
في الشأن ذاته، أوعز وزير التربية، الدكتور إبراهيم نامس الجبوري، بفتح تحقيق عاجل برئاسة المدير العام لتربية ذي قار الأستاذ (محمد لفته) بعد انتشار مقطع فيديو حول طالبة تجاوزت على مديرتها نتيجة سحب الأخيرة جهاز الموبايل منها في متوسطة الجنائن التابعة إلى تربية ذي قار، مؤكداً على ضرورة إبلاغ المديرية من قبل المشرف المتابع والإدارة حال حصول أي حادث مشابه.
الأمر نفسه حدث في مدرسة الرائد – الرصافة الثالثة، حيث تجاوز أحد أولياء الأمور على مديرة المدرسة، وبعد حادثة الاعتداء (والكلام لمدير عام تربية الرصافة الثالثة حسين العبودي)، اتخذنا إجراءات قانونية بحق المعتدين لإيصال رسالة إلى كل من يعتدي على الهيئات التعليمية والتدريسية مفادها أن مدارسنا خط أحمر. مضيفاً: “التعدي على المدرسة هو خروج على القيم الحقيقة الجادة، لذا سوف يكون لنا دور في تفعيل (قانون حماية المعلم).” كما تكرر الأمر في مدرسة الزهراء في البصرة ومدارس أخرى في المحافظات.
لجان تحقيقية
وعزا مدير الإشراف الاختصاصي في تربية الكرخ الثانية الأستاذ (عبود الكعبي) أسباب حدوث المشكلات بين الإدارات وأولياء أمور الطلبة إلى عدم اهتمام بعض أولياء أمور الطلبة بأولادهم من ناحية انتظام الدوام والمستوى الدراسي، كما شخصنا في الوقت ذاته وجود خلل في بعض الإدارات المدرسية، ونحن نستقبل شكاوى أولياء الأمور على بعض الإدارات، وغالباً ما نسرع بتشكيل لجان تحقيقية للنظر في الموضوع. لكن الحقيقة هي أننا يمكن أن نتفادى مشكلات الاعتداءات، أو نقلل منها، وذلك من خلال إقرار قانون حماية المعلم، لكي نتمكن من اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين.
المدير المسنود
من جانبها، بينت إحدى المدرسات (فضلت عدم ذكر اسمها) أن “هناك مشكلة تكاد تكون مزمنة في المدارس العراقية تغيب حتى عن المديرين العامين للتربية والوزارة، تتمثل بوجود (المدير المسنود) -رجلاً أو امرأة- (مسنود من المدير العام أو احد التابعين له، او حتى من جهاز الإشراف التربوي)، ومثل هؤلاء يصبون كل عقدهم على طلابهم وحتى على ملاكهم التعليمي، ويثيرون المشكلات.”
التهديد بالسلاح
فيما أرجعت الدكتورة رغد شاكر (تخصص إرشاد وتوجيه تربوي في كلية الصيدلة الجامعة المستنصرية)، ظاهرة الاعتداءات على الهيئات التعليمية والتدريسية من قبل أولياء الأمور الى الانفلات الأمني الحاصل منذ (٢٠٠٣)، إذ فقدت المنظومة التعليمية هيبتها داخل المجتمع، الذي كان ينظر إلى التدريسي على أنه الأب المربي للأجيال أثناء غياب الأهل، حين كان له احترامه وتقديره ومكانته من قبل أولياء الأمور، لكن هذا كله –للأسف- قد انعكس في ظل الظروف الحالية، إذ اصبح للطالب الحق الكامل وإن كان مخطئاً، فيما يُعاب على المعلم في تربية وتعديل سلوك طالبه على أخطائه داخل الصف، وبدلاً من أن يتلقى الثناء من أولياء الأمور نجد بعضهم ينهجون نهجاً بربرياً واستخدام الصوت العالي، وقد يصل الحد إلى التهديد بالسلاح أو بالفصل العشائري، وغيرها من الأمور المعيبة بحق المعلم الذي كاد أن يكون رسولاً..
لكن نائب نقيب المعلمين الأستاذ (عدي حاتم العيساوي) يقول “إننا مازلنا مؤمنين بإيقاف مثل هذه التجاوزات، وذلك من خلال زيادة الوعي المجتمعي للحفاظ على رمزية وخصوصية ومكانة المعلم والمربي التربوي في المجتمع.”
ضرورة تدوير الإدارات
أود أن أشير إلى أن مجلة (الشبكة) كانت قد كتبت عن هذا الموضوع الشائك أكثر من مرة، ولكي نعالج الخلل من جذوره، لابد من تطبيق فكرة (تدوير الإدارات)، وذلك بإعادة التقييم، وإزالة المحسوبية والوساطات في اختيار الإدارات المدرسية، وتقييم المديرات والمديرين من خلال لجان تربوية نزيهة، كما يجب إعادة النظر في دور مجالس الآباء والمعلمين، التي اثبتت –للأسف- عدم جدواها في معالجة المشاكل قبل وقوعها في المدرسة.