بعد انحسار وباء كورونا.. هـــــل حقق التعليــــم الإلكترونـــي أهدافـــــه؟

213

ذوالفقار المحمداوي /

هاجمتنا الجائحة بكل قوتها وجبروتها كالوحش الكاسر لتدمر أجسادنا، فاقتضى الأمر أن نجد الحلول، تلك البدائل التي تجعلنا نعيش كما نريد. ولأننا نحاول أن نواكب تطور الزمن، خلقنا من أهم الأدوات أهدافاً للوصول إلى غايتنا الأولى: وهو التعليم. ولأنه العنصر المهم في بناء المجتمعات، جعلناه أولوية قصوى في تحصيل المعرفة، من خلال نوافذ إلكترونية سمِّيت بالتعليم الإلكتروني.
خضنا هذه التجربة، وانحسرت تلك القوة البغيضة المتمثلة بالوباء، ولكن بقيت آثارها تشدنا نحو أيام كنا الخاسرين الوحيدين في تلك المعادلة، ولأننا نريد أن نفوز بالمعالجات والتحليلات لمشكلاتنا، لذا لم نكتف بما واجهناه بسبب الوباء، فاحتكمنا إلى أهداف تجاربنا السابقة، وما حققناه من خلال هذه البدائل. مجلة “الشبكة العراقية” غاصت في بحر التساؤلات علّها تجد الأجوبة في هذه الرحلة.
تطور وتعقيد
بدأت رحلتنا في زحمة الكوادر التعليمية، لأنهم مختصون، والأكثر قرباً من الحدث، توقفنا عند الكثير منهم، (يحيى طاهر المحياوي) من قسم الإشراف الاختصاصي في تربية الكرخ الثانية بدأ حديثه بذكر خصائص هذا التعليم، ماله وما عليه، يقول: “هناك نوعان من التعليم الإلكتروني، يتمخضان عن جانبين: متزامن وغير متزامن، يختلف مفهوم كل منهما، إلا أن الهدف واحد، ليعرّف كلاهما بأنهما يمثلان استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة إلى المتعلم بأقصر وقت وأقل مجهود وأكبر فائدة.” يضيف المحياوي: “يمتلك كلا النوعين خصائص ومميزات، بإيجابياتها وسلبياتها، ولكن يبقى في النهاية وجود مثل هذه النوع من التعليم ضرورة.”
طلاب كورونا
وحينما تحتّم علينا استخدام الوسائل البديلة للتعليم، اقتضى الأمر الابتعاد عن الوسائل التقليدية التعليمية التي اعتدنا عليها، بسبب ضرورة التباعد الاجتماعي. يطل علينا من هذا الجانب المعلم (فاضل العبادي)، معاون مدرسة صقر قريش الابتدائية المختلطة، ليوضح لنا مآسي ما مر به التلاميذ في تلك الفترة، وقد فضل تسمية بعضهم بـ(طلاب كورونا) لما واجهوه من آثار قد بانت ملامحها فور انحسار هذا الوباء، موضحاً: “لم يكن في الحسبان وصول هذه الجائحة إلى البلد عكس ما رأيناه في الدول المتقدمة التي تتبع الأنظمة الإلكترونية في تعاملاتها التعليمية، لذلك بدأنا نتجهز عند وصول هذه الجائحة، على الرغم من عدم توفر الإمكانيات –حينها- لدى الكوادر التعليمية والطلبة في الجانب الإلكتروني كمنصة تعليمية بديلة، لذا أصبح اعتماد الطلبة على ما ينشر من توجيهات من خلال هذه المواقع، فلا حسيب ولا رقيب، ليتكاسلوا عن تحضير الواجبات.”
يؤكد العبادي أن “انعدام الرقابة كان إحدى سلبيات هذا النوع من التعليم، إضافة إلى أن هناك أولياء أمور غير متعلمين أصبحوا بديلاً للمعلم والمدرس في توجيه أبنائهم بصورة صحيحة، ولاسيما في المراحل الابتدائية، لذلك لم يحقق التعليم الإلكتروني هدفه، بالرغم من فائدته لبعض الفئات من ذوي الدخل المحدود، مثل قلة التكاليف، كالنقل وشراء الملابس والالتزامات الأخرى، لذا يجب وضع خطة عمل مسبقة للتحضير لمثل هكذا عملية.”
لا توقف
وبعد أن وضح العبادي رؤيته في سطور رحلتنا، جاء الباحث الاجتماعي (ولي جليل الخفاجي) ليعطينا تحصيل ما واجهناه في تلك الفترة، مبيناً أن “عدم توقف التعليم هو الفائدة الأولى لهذا النوع من التواصل واستمراره، بالإضافة إلى تعليم الطالب على النظام الإلكتروني العالمي واستخدام التكنولوجيا في هذا الجانب، ولكن باعتبارنا مجتمعاً قيمياً يعتمد على الاتصال والتفاعل مابين المعلم والطالب، فقد فقدنا هذه الرابطة، إضافة إلى أن هناك العديد من العوائل ليست قادرة على توفير الأجهزة الذكية، أو الاشتراك في شبكة الإنترنت، لنفقد كل الوسائل التقليدية التواصلية التي لمسناها في الآونة الاخيرة، من خلال تجاوز بعض الطلبة على الكوادر التعليمية بسبب انحسار هيبة المعلم وسيطرته، اللتين تعتبران مهمة في بلادنا العربية لتعليم مثالي.”
تعاملات إلكترونية
يبين الدكتور (صفد الشمري)، رئيس مجلس المسار الرقمي العراقي، أنه “يجب إعادة التعاطي مع النظام الإلكتروني ومواصلة مهارات هذا النوع من التعليم والظاهرة الرقمية في مجالات التعليم، لكونه يحمل مزايا كبيرة ومهمة، من ضمنها أن المستخدم بات معتاداً على المعطيات التي يتعامل بها مع كل الممارسات الرقمية، وبالتالي فإن التعليم الكلاسيكي سيكون مملاً بالنسبة له، لذا كان من المفروض توظيف التقانات الرقمية وبالأخص ما يتعلق بتقانات الذكاء الاصطناعي في سبيل أن أن تكون محببة لدى الطلبة ، ولاسيما في فترتي المراهقة والشباب، لاستيعاب المادة التعليمية من خلال مزج التعليم والأوعية الرقمية بشكل عام.”
يؤكد الشمري: “نلاحظ أن التعليم الإلكتروني قد تقدم بشكل ملحوظ خلال سنتين فقط، لكنه خلال أشهر بعد هذين السنتين تراجع بشكل كبير ونُسي في الكثير من المرافق التعليمية، وكأنه كان مجرد معالجة لحالة معينة وانتهت، إذ كان من الممكن أن نؤسس على هذه المعالجة وأن نتقدم في هذا المجال إلى الأمام لكي نستمر في هذه التجربة الرائدة والمهمة. وكنا قد نبهنا سابقاً إلى مخاطر ذلك قبل بدء العام الدراسي، وقد صدقت التنبؤات في أن التعليم الالكتروني سوف يشهد نكسة تعليمية، وهذا ما حصل”.