بعض الناس ما زال يرى كورونا كذبة
#خليك_بالبيت
ريا عاصي /
تذكّرتْ مقولة إحدى الجدّات وهي (العرس لاثنين ومحتارة بيه الفين) وأنا اتابع فيديو وصوراً انتشرت على صفحات الفيس بوك لعرس في مدينة الصدر في العاشر من حزيران، حضره المئات من الشباب ودون أي احتراز وقائي للوباء، اللهم إلا قلة قليلة منهم ارتدوا الكفوف وآخرون ارتدوا الكمامات الا أنّهم يعدون على أصابع اليد الواحدة، وكان المدعوون يقفون ويرقصون في حلقات ضيقة جدّاً ولا وجود لأي تباعد بينهم، كل التعليقات كانت تخشى أن يتفاقم عدد المصابين بكورونا صباح الحادي عشر من حزيران.
صوج ترامب والخفاش
“كلّها لعبة أمريكية لا خفاش أكلوا الصينين ولاهم يحزنون” قالها جارنا أبو عبد الله لصديقه الحاج ظافر ونحن نقف في طابور لبيع الخبز، فردَ عليه الحاج ظافر: “بابا يا أمريكا يا ترامب يا خفاش هذي حرب بيولوجية صنيعة مختبرات مدينة يوهان الصينية يردون يسقطون أمريكا”، فجاءهم صوت عالٍ من داخل الفرن: “اذا أمريكا لو الصين أوقفوا واحد بعيد عن اللاخ جماله اثنينكم لا كمامات ولا جفوف.. هاي 3 مخالفات صحية وراح تضرون نفسكم قبل المشترين وابو الصمون”.
ردّ أحدهم ضاحكاً: “انت شفت كرونا بعينك؟ آني لهسه ما أعرف أحد بي كرونا”.
بعد يومين من هذا الحديث ثبتت إصابة عبد الله وزوجته وأولاده الأربعة بعد أن قامت إحدى المفارز الدوارة التابعة لصحة الرصافة بالكشف الميداني وتم حجرهم منزلياً كون مستشفى زايد منذ يوم 7 حزيران لم يعد يستقبل حالات مصابة بكورونا، واضطر أبو عبد الله للاعتراف بكورونا أمام أهل الفرن بعد ثلاثة أيام من تبجحه بعدم وجودها.
الوقاية خير من العلاج
منذ أوائل شهر آذار عام 2020، التزم سكان الكرة الأرضية باختلاف الطرق واللغات والمصادر والمعلومات بالحكمة القائلة: “الوقاية خير من العلاج” لأنّهم لم يكتشفوا حتى اليوم علاجاً شافياً لوباء الكورونا.
خسر سكان الأرض ما يقارب النصف مليون فردّ توفوا بداء الكورونا، من أصل ما يقارب سبعة ملايين مصاب.
تكبّد العراق حتى لحظة كتابة هذا التحقيق 549 وفاة جرّاء الوباء من أصل ما يقارب عشرين ألف مصاب، ويعد يوم 7 حزيران 2020 هو ذروة الإصابات الجديدة، ففي هذا اليوم أصيب 1268 شخصاً جديد بالوباء، بالرغم من حظر التجوال التام وفرض الغرامات والعقوبات الصارمة بحق كل من يخرق التعليمات الصحية، حسب القانون العراقي ووفق المادة 368 من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل، إلا أنَّنا ما زلنا نشهد عدم اتعاظ الناس وعدم التزام كثير منهم بالقوانين وبتعليمات السلامة الصحية.
من أمن العقاب أساء الأدب
منظمة الصحة العالمية في العراق نشرت بياناً لها بتاريخ واحد حزيران أكدت فيه ضرورة “الالتزام بأعلى مستويات الإجراءات الوقائية والالتزام بحظر التجوال الشامل لمساعدة السلطات الصحية على احتواء انتشار الفيروس”، وحثت الجهات العراقية المختصة على “التطبيق الصارم لإجراءات الحظر إلى جانب تكثيف المسح الميداني النشط للحالات المشتبه فيها من خلال تعقب الملامسين، كما أكدت في بيانها الذي ألقاه ممثلها السيد أدهم اسماعيل أنّه “لا يمكن لهذه التدابير تحقيق النتائج المرجوة إلا بتعاون الجميع”.
وبالرغم من تمديد حظر التجوال ورفع الاستثناءات وفرض الغرامات ما زلنا نتابع صوراً لتجاوزات وخروق حدثت وتحدث على أرض الواقع وينشر مرتكبوها صوراً وفيديوهات تثبت خرقهم للقوانين وعدم التزامهم بالنصائح الوقائية والصحية، ومنهم مسؤولون في الدولة ومنهم أناس عاديون، تُرى هل يدرك الفرد العراقي خطورة الوباء؟
في البلدان المتقدمة التي ألغت عقوبة الإعدام من قوانين عقوباتها، نجد تطبيق القانون يسري بشكل سلس وأسهل بكثير مما يطبق في دول العالم الثالث التي أغلب قوانينها وعقوباتها صارمة وشديدة تصل حتى الإعدام، فمثلاً دولة مثل السويد لم تفرض حظر التجوال بل ركزت على التوعية والتثقيف والتذكير بالخطورة، فضّت الشرطة السويدية اعتصاماً في مدينة مالمو حضره المئات من الناس رفضاً للعنصرية وتجريماً للشرطة الاميركية المنحازة التي قتلت رجلاً غير مذنب لكنّه ذو بشرة سوداء، وحين تم تفريق التظاهرة أخبرتهم الشرطة المحلية أنّها تصطف معهم في مطالبهم، لكنّها لا يمكنها السماح لأكثر من خمسين شخصاً بالتجمع بحسب التعليمات المرعية خوفاً من تفشي كورونا.
بلد مثل السويد حين يموت له طالب أتمّ مرحلة السادس الإعدادي، تحسب البلدية المبالغ التي صرفت على هذا الشاب من قبل الدولة منذ أن صار عمره ثلاثة أشهر من حمل والدته به وللحظة مماته لتذكر عمدة المدينة أنّ مدينته خسرت ما يقارب كذا مليون كرون بوفاة الشاب، كان من الممكن أن تستفيد هذه المدينة من عمل هذا الشاب وخبرته حال تخرجه!! في بلد تحسب الخسائر منها المادي والروحاني، سيلتزم معظم الابناء بالتعليمات حتما، ولن يخرقوا النظام؛ لا لأنّهم يخافون البطش بل يخافون خسارة الأموال التي ستجبرهم البلدية على دفعها في حال مخالفتهم، ترى في بلد مثل العراق ينتشر فيه الفساد والرشوة كيف سيحاسب المخالف ولمن ستجمع الغرامات ومن سيجمعها وكيف حدثت الإصابات إن كان الحظر تاماً؟
الوعي نعمة
في شهر أيار الماضي ناشد أطباء من محافظة ميسان لإيجاد الحلول لمشكلاتهم، إذ إن مستشفى الصدر لم يعد يتّسع لمزيد من حالات الإصابة، لذلك حُولت الحالات الجديدة إلى مستشفى الكحلاء او الميمونة. لكن الملاكات الطبية جوبهت عند أبواب المشافي بتجمع للعشائر طردوهم منها ورفضوا تحويلها لمراكز حجر صحي، ما اضطر مدير صحة ميسان لأن يدعو الاهالي إلى عدم إيصال المصابين إلى المشفى وحجرهم في منازلهم وذلك لعدم تمكنهم من وضعهم في المشفى وناشد السلطات للأخذ بزمام الأمور، وقد بادرت العتبة الحسينية باتخاذ اللازم وأنشأت مركزاً صحياً في ميسان وهذه ليست مبادرتها الاولى.
الناس بالناس والكرعة تمشط بالراس
في السابع من حزيران نشر موقع كركوك الخبر التالي:
عاجل..
اعتقال عريسين في الأسرى والمفقودين وثمانية وخمسين فرداً من المدعوين في قاطع مركز شرطة دوميز
وفي المحافظة نفسها قبل ذلك بأيام انتشر هذا الخبر:وجهت خلية الأزمة في محافظة كركوك يوم الخميس دائرة صحة المحافظة بإقامة دعاوى قضائية ضد صاحب الوليمة التي أقيمت في أيام عيد الفطر في حي غرناطة وتسبّب بظهور أكثر من ٣٠ إصابة.
كما نشرت صديقة لي من الجيش الابيض تعمل في مفرزة صحية في الكرادة داخل هذا الخبر:
طبيب عراقي من الجيش الابيض دعا أصدقاءه من الأطباء والطبيبات لحضور عقد قرانه على طبيبة عراقية من الجيش الابيض نفسه، فاكتشف الجميع إصابة 19 مدعواً، كلهم من الكوادر الطبية العراقية وذلك بسبب اكتشافهم أن عائلة العروس مصابة والكل تلامس مع الكل وأكل الجميع وشرب في الحفل نفسه.
كم خسر العراق من أجل الحصول على أطباء وكوادر صحية؟ واذا كان أطباؤنا المتعلمون الواعون يتصرّفون هكذا فلا عتب على بقية الناس.
عزيزي قارء الكلمات أعلاه
فايروس كورونا لا يهمنا منشؤه وأصله وفصله بقدر ما يهمنا أن تلتزم بالتعليمات وأن لا تخرق قانوناً شُرعَ لمصلحتك ومصلحة عائلتك لنتجنب معاً وباءً لم يعرف له مضاد وما زلنا لا نعرف عن النتائج الجانبية للمرض عند من تعافوا منه، وأنا وأنت نعيش في وطن يفتقر للبنى التحتية وللأجهزة الصحية وللأسرّة الكافية في المستشفيات التي لا ماء صحياً فيها ولا كهرباء مستمرة… كن صادقاً مع نفسك ولا تجعلنا نخسر ثمانين يوماً من الحجر على لا شيء.
النسخة الألكترونية من العدد 361
“أون لآين -4-”