تحوَّلت الى كابوس مرعب هل أضلَّت الامتحانات الوزارية أهدافها؟

248

إياد عطيّة الخالدي/
مع كل امتحانات وزارية ترتفع أصوات بعض الطلبة في مواقع التواصل الاجتماعي تشكو من صعوبة امتحانات تحصد فيها درجات المئة حصداً، وتنجرف معها بعض الفضائيات بحثا عن حصد المشاهدات، لتشكّل بالتالي رأيا عاما سلبيا يضغط على وزارة التربية،
واذا كانت الوزارة هذا العام تجاوزت بشكل نسبي بعض هذا الضغط، لكنّها لم تحقّق كل الأهداف المنشودة من الامتحانات. نحو أكثر من 600 الف طالب دخلوا امتحانات العام الفائت للصف السادس بفرعيه الادبي والعلمي المنقسم الى إحيائي وتطبيقي، والحق أن الأسئلة العامة وعلى مدى السنوات العشر الفائتة لم تحقّق أغراضها، التي تستهدف أولا فرز مستويات الطلبة لتمكّن المتفوقين والمجتهدين منهم ليحصلوا على أفضل الخيارات في الدراسة الجامعية.
ومن المؤلم القول إن الامتحانات تحوّلت الى كابوس يرعب الطلبة وأهاليهم ويدفع بالعوائل الى بذل ما بوسعها لتدريس أبناءها على أيدي مدرسين صارت أسماؤهم تنافس أسماء النجوم والمشاهير في المجتمع.
وزارة مرعوبة
وزارة التربية ما كانت ولن تكون استثناء عن الوزارات الخاضعة لنظام المحاصصة بكل سلبياته، وهي بحاجة أكثر من سواها الى الاعتماد على العقول الكبيرة والأيدي النظيفة القادرة على بناء نظام تربوي يليق بالعراق وتاريخه العريق في هذا المجال الزاخر بأسماء أسّست لأفضل الانظمة في التعليم، ولنجحت الوزارة في استثمار الاموال المخصّصة لها التي غالبا ما تهدر بمشاريع غير مجدية كان بالإمكان استغلالها في بناء المئات من المدارس النموذجية سنويا تساعد في تحسين مناخ التعليم، إذ ما زلنا نرى نقصا فادحا في المباني بل إن بعضها لا تصلح للدراسة وكم من قصة مريرة تتحدّث عن مدارس من الكرفانات والخيم وبيوت القصب تختفي بفعل الرياح والامطار، وكم من مدرسة تعاني الاكتظاظ وسوء الخدمات الصحية المقدّمة للطلبة، بينما يهدر الكثير من الاموال على مشاريع لم تساعد على النهوض بالتربية وبرعاية الطلبة، ولهذا فإن هذه الوزارة حينما حاولت أن تضع أسئلة امتحانية تنصف الطالب المجتهد عن سواه، كانت النتائج على غير ما اعتاد الأهالي وانهزمت أمام هجمة شاركت بها بعض وسائل الاعلام التي افتقرت الى المهنية في التعامل مع قضية وطنية تهم الوطن ومستقبل أبنائه؛ فجعلت من نتائج الامتحانات معيارا لنجاح الوزارة وفشلها، فكان من نتائج هذه الانتكاسة أن الوزارة رضخت لهذه الأصوات واستجابت لإعلام فتح عليها أبواب الفشل من خلال نتائج الامتحانات.
أسهل الحلول
ولمواجهة أصوات المنتقدين لها من غير المتخصصين وبعض البرلمانيين لجأت الوزارة الى وضع أسئلة سهلة أسهمت برفع معدلات النجاح الى مستوى غير مسبوق، لتغلق نهائيا أبواب الانتقادات بعد أن وجدت أن “الأسئلة السهلة” هي أفضل الحلول لمواجهة هذه الدوامة غير العقلانية من الانتقادات، فكان أكثر المظلومين فيها هم الطلبة الاذكياء، ومن هنا بدأت قصة الدرجات فوق المئة، وهو أمر غير موجود في تاريخ الامتحانات على مستوى دول العالم بل وحتى على مستوى العراق ويمكن لأي مراقب أن يراجع تاريخ نتائج الامتحانات منذ تأسيس الوزارات العراقية الى اليوم.
ومن المهم أن نشير الى أن هذا الامر حدث لبضع سنوات في مصر لكن رجال التربية اليقظين تنبهوا الى هذه المشكلة، فالأسئلة توضع لكي تفرز أفضل الطلبة وأشدهم ذكاء وتميّزاً وهي بمثابة سباق طويل ليس من المعقول أن يصل الى خط نهايته أكثر من 250 طالبا دفعة واحدة.
تحذيرات ولكن
كان الامر بالنسبة الى المراقبين الموضوعيين كارثة بكل الحسابات وكثير من التربويين والكتّاب حذّر من خطورة نهج الوزارة هذا، ونقل الكاتب والصحفي إياد السعيدي حكاية عن مديره الذي درس في إحدى الجامعات الاوروبية أنّ زميله في البعثة الدراسية اعترض بشدّة على نتيجة امتحانه في أحد الامتحانات، وكان الامتحان من خمس درجات، إذ حصل زميله على درجتين فقط، الأمر الذي أثار غضبه كونه كان أفضل الطلبة وكان يعتقد أنه يجب أن يحصل على الدرجات الخمس للامتحان حسب نظام الدراسة المعتمد في الجامعة، إذ تجمع الدرجات على مدى سنة الدراسة، وعند اعتراضه أخبره الاستاذ أن هذه الدرجة هي استحقاقه، لأن خمس درجات لن يحقّقها الا الله عالم الغيب في هذا النوع من الامتحانات، أما أربع فلن يحقّقها الا مؤلف الكتاب، وأما ثلاث فلن يحصل عليها الا الاستاذ الذي يدرّس هذه المادة، هدأ الطالب وسحب اعتراضه عن قناعة بكلام أستاذه.
الزميل السعيدي ساق هذه الحكاية عما أسماه “امتحانات الميات” إذ يتنافس الطالب على أنصاف الدرجة ليسبق غيره في الحصول على مقعد، وهو أمر مأساوي أن تفصل نصف درجة طالبا عن طالب آخر.
ويشخّص السعدي وجود خلل كبير في صياغة الأسئلة، إذ ليس من المعقول أن يجيب مئات الطلبة على أسئلة وزارية دون أي خطأ يذكر، او أن هناك تعليمات خفية برفع درجات الطلبة والتساهل معهم، والا كيف يمكن أن نتخيّل طالبا يحقق درجة 99 في درس اللغة العربية حيث النحو وصعوبته وحيث الانشاء التي يستحيل الحصول على درجة كاملة فيه.
وفي الواقع أن هنالك العديد من المهتمين أثارت استغرابهم الدرجات العالية للامتحانات، وأكدوا أن الامر لا يخلو من احتمالين، إما أن طلبة العراق هم أذكى من الطلبة الاوروبيين وأفضل تعليما منهم، وإما أن هناك خللا فاضحا في وضع الأسئلة الامتحانية. وليس بوسع أحد من وزارة التربية أن يتجرّأ ويقول إن التدريس والمنهاج العراقي ومستوى التعليم وأدواته والبيئة الدراسية العراقية أفضل من اوروبا، لأن هذا الكلام سيكون نوعاً من الهراء.
99 لن تكفي
أن يحقق طالبٌ درجة 99 او 98 او حتى 90 فليس بوسع أحد من عائلته وأي إنسان منصف أن يلومه لأنه فشل في الحصول على المجال او نوع الدراسة والكلية التي يريد إكمال تعليمه فيها، فهذه الدرجات في كل العالم تسمح باختيار مريح للطالب للكلية والتخصّص الذي يرغب بإكمال دراسته فيه، والواقع بحسب التربوي المتقاعد خالد العضاض أن مسالة أن يتنافس الطلاب على عشر الدرجة للتفاضل بينهم أمر غريب ومستهجن بل مرفوض.
لقد أدركنا منذ دخولنا المجال التربوي أن الامتحانات وسيلة لاختبار مستويات الطلبة وفرز أفضلهم، وعندما تعجز التربية عن تحقيق هذا الهدف وتضع الطلبة وعائلاتهم تحت منافسة غير عادلة؛ فإنه إخفاق يستدعي أن يعالج ويستدعي أن نرفضه ونصرخ بوجه من يسانده ويدافع عنه.
ويؤكد العضاض أن هناك إجماعاً كبيراً على وجود خلل في منهاج وأسئلة الصف السادس العلمي على وجه الخصوص، إذ نستغرب من تحقيق مئات آلاف من الطلبة لدرجة التسعين، وهنا ينبغي أن نعيد كلاما تقليديا يدركه العارفون في الامتحانات والتقويم التربوي، إذ تقسّم الأسئلة لثلاثة أنماط؛ أسئلة يحلّها الطلبة المجتهدون الذين قرؤوا الكتاب بشكل جيد وتمكّنوا من تحقيق درجة النجاح فقط، وأسئلة للطلبة الذين نجحوا في دراسة المادة واستنتاج حلولها وفهمهما واستيعابها وهؤلاء يحققون درجة خمسٍ وسبعين فما دون، الأسئلة الذكية هي تلك الأسئلة التي يجيب عنها الطلبة الذين استوعبوا المنهج وأصبحوا قادرين من خلال فهمهم للمادة على الاجابة على أصعب الأسئلة وأعقدها، وهؤلاء هم الذين يحقّقون درجة ما بين 90 الى 95 درجة، والبارعون منهم من ينجحون في حل المسائل المعقدة في كل المواد وهو أمر نادر أن يتميّز الطالب بفهم واستيعاب عاليين يمكنانه من حل جميع المسائل الذكية في كل المواد.
قرار شجاع
المطلوب أن تتخذ التربية قرارا شجاعا، وتعمل سريعا على تشكيل لجنة من الخبراء، تناقش أفكارها مع المراقبين والرأي العام بصوت مسموع قبل أن تتخذ قراراتها، لتعيد للتعليم بعض ما خسره، ولترمّم تدريجيا خرابا كانت الامتحانات الوزارية أحد أسباب اتساعه، والا فإنّ الاستمرار بهذا النهج سيولّد نتائج غير محمودة العواقب ستصل بالتعليم الى مرحلة لا يمكن لكل أدوات البناء والخير إنقاذه من الانهيار وتزيد مساحة الظلم للطلبة الاذكياء، الذين نخسر المزيد منهم مع كل جولة امتحانية تضرب بقواعد التقويم الامتحاني وأهدافه الأساسية.