تناقلتهـــــا الأجيال.. هــــــــــل تختفــــــــــي عادات وطقوس رمضان؟

105

ملاذ الأمين /

مازال العراقيون، بجميع أديانهم وطوائفهم، ينتظرون شهر رمضان المبارك كل عام، لأداء الطقوس الدينية وممارسة العادات الجميلة المتوارثة، التي تنشر المحبة وتوطد العلاقات بين الأقارب والجيران. إلا أن البعض يرى أن معظم تلك العادات الجميلة المرافقة لرمضان في طريقها إلى الاندثار بسبب التطورات الجارية في المجتمع ورؤية الجيل الجديد لتلك العادات بأنها شكل من أشكال التخلّف، والعادات البالية..
التواصل
من أهم العادات المتوارثة في المجتمع العراقي خلال الشهر الفضيل هي الزيارات المتبادلة بين الأقارب والأصدقاء والجيران، إذ يجري توقيت هذه الزيارة إما قبيل الفطور بساعات أو بعده، وقد تستمر الزيارة إلى منتصف الليل أو قرب وقت السحور، حين يقضي الضيف والمضيف ومن معهم أوقاتاً جميلة في الاستماع إلى الأحاديث الدينية والمناقشات السياسية والاجتماعية والترحم على الموتى، وقد يمارسون لعبة (المحيبس).
المحيبس
اقترنت لعبة المحيبس مع رمضان، كونها تتطلب وجود فريقين متنافسين، كل فريق مكون من 2-10 أشخاص على الأقل وبشكل متساو، وغالباً ما تمارس هذه اللعبة في مقهى المنطقة – الطرف- حيث يشكل فريق من شباب الطرف ليستضيف فريقاً من طرف آخر، فكثيراً ما استضاف أهل محلة الفضل في رصافة بغداد فريق شباب الكرخ، أو فريق الأعظمية وبالعكس، وتكون هدية الفريق الفائز في اللعبة صينية بقلاوة.
يقول الحاج أبو مصطفى – من أهالي الفضل- إن “مقهى الحاج عزيز(عزاوي) كان يشهد، بعد صلاة العشاء والتراويح مباريات في المحيبس، اذ يجري اختيار خاتم فضي أو ذهبي (محبس) من أحد وجوه الطرف يخفى بين الكفوف المغلقة للفريق، ليصعب على رئيس الفريق الخصم إيجاده، وتسجيل نقطة عليه حين يخفق في إيجاده، لكن عند العثور عليه ينتقل المحبس إلى الفريق الخصم، فيما تتعالى الصفقات والدبكات معلنه الانتصار في أجواء مفرحة تتخللها الأغاني والمربعات البغدادية المعروفة.”
واضاف أن “لعبة المحيبس لم تعد تمارس كما كانت في ذلك الزمن، ولاسيما بعد أن اختفى رؤساء الفرق الذين كانوا يعثرون على المحبس من بين أكثر من مئة كف مغلقة، من خلال نظرة ثاقبة في أعين اللاعبين، فقد كانوا يقرأون ما يدور في خلد اللاعب من النظرة الأولى، وهكذا كان (البغادة) يقضون ليلهم بالفرح والسعادة حتى أذان الفجر، ليتوجهوا بعد ذلك الى الصلاة في الجامع، ثم إلى بيوتهم وأعمالهم.”
تفقد الأيتام
الحاجة (أم نجم من أهالي الأعظمية 73 عاماً) تقول إن “معظم عائلات الأعظمية، من الميسورين، كانوا يتفقدون الأيتام والأرامل طوال أشهر السنة، لكن في رمضان يكون تفقدهم يومياً بحيث تمتلئ موائد العائلات بأنواع الطعام والفواكه والحلويات، بالإضافة إلى إقامة موائد الفطور في جامع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، تشرف عليها إدارة الجامع بالتعاون مع المتبرعين من المؤمنين.”
وأضافت أن “رجالات عائلات الأعظمية كانوا يتدارسون يومياً، بعد الفطور في الجامع، كيفية تقسيم أموال المتبرعين بين المحتاجين من العائلات، فتارة يجري شراء كميات من الطحين والرز والسمن والتمر، وتارة توزع الأموال بشكل مباشر، ومع اقتراب عيد الفطر يكون شراء الأقمشة والملابس الى العائلات الفقيرة.”
وتابعت أم نجم، التي تسكن منذ ولادتها في شارع 20 المشهور بالأعظمية: “هناك كثير من العائلات الميسورة ترسل الأموال والغذاء إلى الفقراء من دون أن يعلم بها أحد، حتى العائلة الفقيرة التي تتسلم ذلك لا تعلم من الذي أرسلها.” مؤكدة أن “هؤلاء يبتغون الأجر من الله في الآخرة وليس التعالي على الفقراء.”
وكشفت أن “العائلات المسيحية والصابئة التي كانت تسكن في محلتنا، كانت تهدي صحوناً من الحلوى إلى بيوت المحلة، وكانوا يحتفلون معنا في مناسباتنا الدينية، كالعيد ومولد النبي والإسراء والمعراج، كذلك كنا نحن وغالبية أهالي المحلة من المسلمين نشاركهم أفراحهم في الأعياد والمناسبات، حين كنا نشكل عائلة واحدة في محلة كبيرة.”
الدمّام
يطلق على الطبل الذي يحمله (المسحرجي) في الأزقة والدرابين والشوارع في الليل قبل وقت السحور (الدمام)، لأنه يصدر صوتاً قريباً من الكلمة التي يوصف بها.
الحاج أسامة المشهداني، من سكنة الكرخ، يذكر أن ” حامل الدمام قد لا يكون شخصاً واحداً، وانما عدة إشخاص فمنطقة الكرخ فيها فروع ودرابين كثيرة، يصعب على دمام واحد تغطيتها خلال ساعة أو أكثر قليلاً، لذا فقد كان مختار الكرخ وكبراء المنطقة يجتمعون قبيل رمضان لتسمية من يحمل دمام كل محلة.”
وعن كيفية الاختيار يوضح المشهداني أن “حامل الدمام يجب أن يكون صاحب أخلاق راقية، ومن عائلة مشهود لها بالنزاهة والأمانة، إضافة إلى كونه شاباً قوياً يتحمل المسير لعشرات الكيلومترات حاملاً معه الطبل، مع الضرب المستمر، لأن مهمة الدمام نبيلة وليس لها أجر نقدي، لذا يتسابق المتطوعون من الشباب لتنفيذها، وغالباً ما يرافق حامل الدمام أو( المسحرجي) عدد من الأطفال للتصفيق أو إلقاء الأناشيد الدينية معه.”
تبادل الطعام
الحاجة (أم بشير – 55 عاماً) تتحدث وعيناها يملؤهما الدمع عن ذكرياتها في محلة باب الشيخ في رصافة بغداد، تقول إن “نساء منطقتنا كن يتزاورن ظهراً ليعلمن ما سوف نعده اليوم من طعام للإفطار، لأنهن كن يتبادلن الأطباق قبيل الفطور، فوالدتي عندما تطبخ شوربة العدس ترسلني مع أختي لنحمل صينية تحوي أكثر من خمسة صحون، ولعدة مرات، لتوزيعها بين جيراننا في المحلة، وربما في المحلة المجاورة، كذلك كنا نتلقى صحوناً أخرى من الهريسة والتشريب والبامية والكباب والحلويات من جيراننا، وهكذا تكون مائدة الإفطار في كل يوم مباركة تحتوي على أنواع متعددة من الأطعمة والفواكه والحلويات.”
وتابعت أن” هذه العادات اضمحلت للأسف، فلم أعد استقبل صحوناً من الجيران، وكذلك لم أعد أرسل طعاماً إلى آخرين، لأني واجهت انتقاداً من جيراني، كما رأيت بعضهم يرمي الطعام الذي أرسله إليهم في القمامة.” متسائلة “هل السبب هو ضياع التقاليد والعادات الطيبة؟ أم أنه التقدم والتطور!؟”
وطالبت أم بشير الإعلام والقنوات الفضائية “بإنتاج أعمال درامية تتحدث عن تراثنا المجيد، ليقتدي بها الجيل الجديد، علّها تكون بادرة لإعادة هذه الطقوس الرائعة التي تزرع الألفة والمحبة بين الناس.”