حشرجة روح بنت الهدى شهادات عن العلوية الشهيدة من تلميذاتها

148

هند الصفار /

ضمت الكاظمية، ولاسيما دار السيد اسماعيل الصدر (رحمه الله)، على مدى سنوات، لقاءات وجلسات آمنة الصدر (أخته- رضوان الله عليها)، مساء السبت من كل أسبوع، في وقت كانت هناك جلسات نسوية أيضاً في أماكن اخرى، يسميها أهل بغداد (قبولات،) لنساء بغداديات من طبقات معينة. وإن اختلفت التوجهات بين هذه وتلك، فإن ابنة حيدر الصدر اختارت عناوين ومضامين لتنمية شخصية المرأة المسلمة، بما يليق بالمكانة التي رسمها الله ورسوله للمرأة في الحياة،
لم تكن المرأة لديها مجرد خادمة في البيت ممنوعة من الاختلاط بالمجتمع، وإن كان ذلك لا ينال من مكانتها، بل كانت بالنسبة لها كياناً قائماً بذاته ومحور تربية لتطوير المجتمع، كما أراد الله لها سبحانه وتعالى ذلك. ولم تكن الكاظمية وحدها تحتضن تلك الجلسات، بل كانت هناك جلسات شهرية تقيمها في منطقة الكرادة الشرقية ولذات الهدف.
ومن وصايا رسول الله (ص وآله) في المرأة، انطلقت الشهيدة آمنة لتعلم المرأة وتساعدها في فهم دورها الإنساني المهم وحل مشاكلها، فاختارت أولاً الأسلوب الأدبي الذي توزع بين القصص والشعر، للتعبير عن مشكلات المرأة وسبل حلها.
تقول الحاجة (أم علي)، إحدى المتابعات والحاضرات اللواتي كن يترددن عليها في لقاءات السبت بالكاظمية: “تميزت العلوية الشهيدة بمميزات عدة أهمها انتباهها للحاضرات، وحرصها على معرفتهن، والاهتمام بالصغيرات وحتى الأطفال الذين يأتون مع أمهاتهن، والإجابة على أسئلة الجميع مهما كان السؤال، وإن تكرر، كما أنها علمتنا درساً حين كانت لا تعرف إجابة سؤال ما، إذ كانت تقول (لا أعرف نصف العلم)، وهذا مبدأ تعلمناه منها، فليس المهم أن نعرف كل شيء، بل أن نستفيد مما نعلم ولا نقول مالانعلم.”
مدارس الزهراء (ع)
إن الأسلوب التربوي الذي كانت تنتهجه الشهيدة لم يقف عند اللقاءات النسوية، بل تعداه إلى إنشاء مدارس الزهراء للبنات، التي كانت تشرف عليها وتدرس فيها، وألحقت بوزارة التربية بعد ست سنوات من تأسيسها.
“إن أول لقائي بالعلوية كان عند دخولي مدرسة الزهراء، ووقفت باكية كأي طفلة في أول يوم لها في المدرسة، فما كان منها، وهي المشرفة العامة، إلا أن تنازلت إلى مقامي الصغير وقبلتني من رأسي وأعطتني قطعة حلوى من حقيبتها، ثم أخذتني من يدي وأوصلتني إلى صفي. كان يوماً لن أنساه ماحييت.” هكذا تحدثت الحاجة (أم سارة) عن العلوية وأضافت: “لولاها لما دخلت الجامعة، فقد كنت من المتفوقات وحصلت على مقعد في كلية الطب، إذ كنا نعيش في مجتمع يرفض الأهل فيه اختلاط البنات بالشباب، فيمنعون الفتيات من الالتحاق بالجامعات، وقد تصدت العلوية الشهيدة لذلك وبدأت تحث الأهالي على ضرورة تعليم البنات وانخراطهن في المجتمع، بل وشددت على ضرورة زيادة النماذج المؤمنة في الجامعات وأن يكنّ من المتفوقات لأنهن أمل الأمة وجوهرها المكنون.” وهذه احدى المشكلات التي حاولت حلها، وبسببها ازداد عدد المتعلمات من العوائل المحافظة المؤمنة.
نتاجات أدبية
في أبياتها وقصائدها الشعرية، كانت تتحدث عن حبها لله سبحانه وتعالى، وللإسلام، وتحفظ الحاجة أم سارة عنها هذه الأبيات التي تقول عنها إنها لن تنساها مابقيت على قيد الحياة:
إسلامنا انت الحبيب وكل صعب فيك سهل
ولأجل دعوتك العزيزة علقم الأيام يحلو
وكانت تقول إن الإسلام أمانة في أعناقكن جميعاً، لقد زرعوا الإيمان في قلوبنا ونحن نزرعه في قلوبكم.
كما اهتمت كثيراً بتعليم المرأة، حتى أنها فتحت مدارس لمحو الأمية للكبار، واعتبرت أن تعليم المرأة هو أساس تكوين شخصية المرأة المسلمة. وهذا الأمر جعل المؤمنين يهتمون بتعليم بناتهن اهتماماً كبيراً.
لقد أطلقت العلوية الشهيدة على نفسها لقب (بنت الهدى)، الذي استخدمته في كل نتاجاتها الأدبية من قصص وشعر. ومن أهم ما كتبته، الذي ترجم بعض منه إلى لغات أخرى، هو مجاميع قصصية نذكر منها (حشرجة الروح، الفضيلة تنتصر، كلمة ودعوة، الخالة الضائعة، لقاء في مستشفى، امرأتان ورجل، على تلال مكة، صراع من واقع الحياة، المرأة مع النبي، بطولات المرأة المسلمة، ليتني كنت أعلم، الباحثة عن الحقيقة). والآن هناك تطبيق خاص يحتوي على تلك القصص بحيث يمكن لأي شخص قراءتها إلكترونياً.
إدارة الوقت
تحدثت السيدة (أم جعفر)، زوجة السيد الشهيد (محمد باقر الصدر) قائلة: “إن العلوية الشهيدة كانت تجعل النهار خاصاً للعائلة، وتدير شؤونها وشؤون المجتمع من حيث مساعدة الناس والاهتمام بشؤونهم، وتتخذ من الليل وقتاً للمطالعة والعلم والعبادة، فهي كانت تهتم بإدارة الوقت إدارة مثلى.”
لقد كانت المشجعة والنقطة التي يرتكز عليها الشهيد محمد باقر الصدر لصلابة إيمانها وصلابة قراراتها، فكان يقول لها “أنا استمد منك العزيمة والثبات واليقين”، والكلام للحاجة أم سارة، ورغم محدودية حركة النساء في النجف الأشرف، إلا أنها كانت تسافر لوحدها بين بغداد والنجف للقيام بواجباتها الإنسانية في المجتمعات النسوية، كما أنها كانت حريصة على الذهاب إلى الحج دائماً لمرافقة النساء الذاهبات إلى الحج، وتستغل هذه الرفقة لتثبيت العقيدة وترسيخ الإيمان ورد الشبهات عن النساء.