حملات مكثفة لملاحقة المتسوّلين
مجلة الشبكة /
انتشرت ظاهرة التسول في بغداد وعموم المحافظات وصارت ظاهرة لافته للعيان، ومنبوذة من أفراد المجتمع بشكل عام، ولم يقتصر التسول في الطرقات والأسواق والتقاطعات المزدحمة على طريقة واحدة في استدرار عطف الناس، وإنما صار هؤلاء يتفننون بطرق الاستجداء التي تقترب من الاحتيال والنصب، إن لم تكن كذلك.
اشتكى الكثير ممن التقيناهم من تلك الطرق الاحتيالية، مثل حمل تقارير طبية مزيفة، أو الادعاء بأنهم من المحافظات وجاؤوا الى طبيب معين وسرقت أموالهم ويريدون العودة الى محافظاتهم ، أو يحملون أطفالاً مصابين بالجذام وليس لديهم المال لعلاجهم، أو يدفعون بكرسي مدولب من قبل طفلة ويدعون أن من فيه معاق وصاحب أيتام، أو أن تمسك امرأة بك عنوة وتطلب المساعدة.. وأساليب كثيرة أخرى.
ظاهرة مستهجنة
أجمع الكثير ممن التقيناهم في أسواق الشورجة وباب المعظم والأعظمية على استهجانهم ورفضهم لهذه الظاهرة التي تشوه صورة بغداد في الوقت الحاضر. فقد قالت السيدة (إسراء علي) التي كانت تتبضع من سوق باب المعظم إنها “كلما وقفت عند أحد باعة الخضار، وقبل أن تمد يدها الى محفظتها تقف الى جوارها متسولة عربية وتدعي أن ابنتها مريضة ، وهذا الادعاء يتكرر كل مرة آتي بها للتسوق، حتى أنني في أحد الأيام، وكنت متعبة ومنزعجة، صرخت بوجهها قائلة: مضى أشهر وأنت على هذه الحال، ألم تتعافَ ابنتك، ومتى تتعافى هذه البنت المسكينة التي ابتليت بأم متسولة.”
فيما قالت السيدة (وئام حسن – تربوية) إنها تتعصب جداً عندما تمسك متسولة بيدها وتطلب المساعدة فرضاً، وأضافت “لذلك فأنا لا أساعد مثل هؤلاء الأشخاص، لأن هناك الكثير من العوائل المتعففة التي تعيش بيننا وتستحق المساعدة.”
يتساءل المواطن (حيدر عبد الحسين – موظف): ” لماذا لا تتخذ المؤسسات الرسمية إجراءات عقابية رادعة للحد من هذه الظاهرة غير اللائقة بمجتمعنا العريق بقيمه الإنسانية والحضارية؟”
الداخلية تسعى للحد من الظاهرة
في البداية، وبعد أن خرجنا من الأسواق، كانت وجهتنا الى وزارة الداخلية، وبالتحديد عند دائرة الإعلام للشرطة المجتمعية، وقد حملنا أسئلة الناس وعرضناها على السيد (عبد الحافظ هادي الجبوري) مدير علاقات وإعلام الشرطة المجتمعية، الذي حدثنا عن أسباب انتشار هذه الظاهرة قائلاً: “حسب المسح الميداني الذي قامت به الشرطة المجتمعية مؤخراً للوقوف على أسباب التسول وطرق الحد منه، وجدت أن في مقدمة الأسباب يقف العامل المعيشي والفقر، فتردي الواقع المعيشي وتدني الدخل قد يدفعان البعض الى التسول، كما أن هناك أسباباً أخرى، كالتفكك الأسري والتسرب من المدرسة والأمية وعدم الرغبة في تواصل التعلم، فضلاً عن البيئة التي يعيش بها المتسول، وتراجع الدعم الخاص للرعاية الاجتماعية، إن جميع هذه العوامل وغيرها قد تكون أسباباً لجنوح البعض نحو التسول، ولا ننسى أن هناك من يعدها مهنة تدر عليه مردودات مالية كبيرة، إذ أننا لاحظنا أن هناك من المتسولين من وجدت عندهم أرصدة وأموالاً ضخمة بعد وفاتهم. إن قضية التسول ليست وليدة اليوم أو الظرف الراهن، فهي موجودة منذ الأزل، ونشاهدها في غالبية مدن العالم.”
شبكات ومافيات للتسول
وبين المدير أن “هناك مجاميع من المتسولين تديرهم شبكات ومافيات، ووزارة الداخلية دائمة التحرك عليهم، وقامت وتقوم بحملات مستمرة لاعتقالهم وتوقيفهم، ولاسيما أن هناك عوائل كاملة تقوم بالتسول، والداخلية تواصل تعقبهم واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، لكن هذا الاجراء غير كاف ما لم ترافقه اجراءات ومواقف ساندة من قبل الجهات الأخرى، مثل: وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، والبرلمان، والمجتمع، والقضاء بسن القوانين.”
حملات مكثفة لملاحقة المتسولين
وأوضح السيد عبد الحافظ أنه بغية الحد من هذه الظاهرة “تقوم الداخلية بحملات لملاحقة وتوقيف المتسولين، وهي غير كافية ما لم تصحبها إجراءات حكومية ومجتمعية من الجهات المذكورة آنفاً، في ذات الوقت لم يقتصر عمل وزارة الداخلية على إيقاف واحتجاز المتسولين الذين من بينهم عرب وأجانب، بل تقوم الشرطة المجتمعية بعقد ورش عمل تضم ممثلين عن وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني ومختصين لمناقشة السبل الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة، وإطلاق حملة توعوية عن التسول ومضاره، ليكون المجتمع شريكاً حقيقياً وعاملاً مساعداً في الحد منها، كذلك تنظيم حملة توعوية عبر القنوات الفضائية الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي لبيان مخاطر الظاهرة على المجتمع، وتكثيف جهود مديرية شرطة النجدة لانتشال المتسولين، ولاسيما الذين يصطحبون الأطفال معهم، والتنسيق مع مخاتير المناطق للوصول الى أماكن سكناهم واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم من قبل الأجهزة المختصة، وكذلك إصدار المستمسكات الرسمية لشريحة المشردين، إيذانا بتخصيص راتب الرعاية الاجتماعية لهم وإمكانية توظيفهم بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة لمنع استغلالهم من قبل ضعاف النفوس، فضلاً عن إجراءات أخرى كثيرة.”
* لكنها أصبحت ظاهرة..
– بعد أن تفاقمت ظاهرة المتسولين في الشوارع، ظهرت هناك أصوات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو لمواجهتها من خلال الوقوف على أسباب زيادتها ومعرفة دور المؤسسات الحكومية في الحد منها، فمن خلال التقارير الإعلامية اتضح أن بعض الأسر اتخذت التسول مهنة، لأنها ذات مكاسب هائلة بدون رأس مال أو تبعات اقتصادية، إضافة إلى الاستغلال الاقتصادي والأخلاقي للفئات الضعيفة مثل الأطفال والمراهقين.
*وما المعالجات؟
– من أهم المعالجات توفير برامج التأهيل الاجتماعية والنفسية وتفعيل بند رفع الوصاية للآباء غير المؤهلين لتربية أبنائهم، و قبل كل هذا وذاك التحقق من أن رواتب شبكة الحماية قد أخذت مكاناً حقيقياً بين العوائل المستحقة فعلاً، وأنها تحافظ على حياتهم الكريمة قدر الامكان، وتسليط الضوء على جهود منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة للاهتمام بهذه الشريحة من المجتمع.