لماذا يعزف الطلبة عن الدراسة في كليات الزراعة؟

215

علي غني /

قررت أن اكتب عن انحسار تقديم الطلبة الى كليات الزراعة والطب البيطري في العراق، فكان أول من خطر في بالي رئيس الوزراء المهندس الزراعي محمد شياع السوداني المتخرج في كلية الزراعة، وهو أيضاً من العارفين بمعاناة كليات الطب البيطري (كونهما توأمين)، لأن الكتابة عن انحسار التقديم الى هاتين الكليتين العريقتين، في ظل تراجع معدلات القبول في السنوات الأخيرة والهجرة منها الى كليات التمريض، ربما تدفعنا الى أخطر سؤال: هل أن ثروة العراق الحيوانية والزراعية أقل أهمية من النفط ؟
ولماذا تصدر بلدان الجوار لنا غالبية المنتجات الزراعية والحيوانية التي تقدر أقيامها بمليارات الدولارات الأمريكية.. سيادة رئيس الوزراء تابع معنا الأسباب..
مشاكل استثمارية
دعتني الدكتورة (سنداب سامي الدهوي)، رئيسة قسم الوقاية في كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، الى زيارة الكلية للحكم على الأمور عن قرب، وفي أثناء الجولة وجدت أن الكلية مزودة بالمختبرات ووسائل الإيضاح الحديثة، لكن (الكلام للدكتورة سنداب) “انحسار قبول الطلبة في الكليات الزراعية في عموم المحافظات ناتج عن عدم استيعاب خريجي كليات الزراعة في القطاعين العام والخاص، فالتعيين في دوائر الدولة محدود، والقطاع الخاص يغص بالمشكلات الاستثمارية، إذ أن غالبية الشركات الأجنبية والعراقية لا ترغب في الاستثمار داخل العراق على الرغم من أن السوق العراقية من أخصب الأسواق.”
التفرغ الزراعي
عدنا الى مكتب الدكتورة سنداب، وفي أثناء الاستراحة سألتها: ما الحل؟ فأجابتني على الفور: “أن نفسح المجال أمام الشركات العالمية التي تعمل في إنتاج المبيدات والأسمدة والبذور بالاستثمار داخل العراق، كما يمكننا تفعيل التفرغ الزراعي للطلبة الخريجين، بتسليمهم قطع أراض للعمل على زراعتها، وبضمان شراء الحاصل من قبل الدولة بأسعار مناسبة تتضمن ربحاً مناسباً للمهندس الزراعي، وكذلك الاعتماد على المشاريع الصغيرة للخريجين، كحقول الدواجن وغيرها.”
الكليات الأهلية
نتوجه الى الدكتور (مجيد حميد نوار)، اختصاص علوم الحياة في كلية علوم الهندسة الزراعية، الذي وعدته بأن أكون ضيفاً عليه عند الانتهاء من حوار الدكتورة (سنداب)، فكررت السؤال ذاته الذي سألته للعديد من أساتذة كلية علوم الهندسة الزراعية: “ماذا وراء قلة القبول في كليات الزراعة؟” فأجابني: إن “انحسار التقديم الى كليات الزراعة في عموم العراق يعود الى كثرة أعداد الكليات الأهلية التي فتحت أقساماً للتحليلات المرضية، والصيدلة، وطب الأسنان، وبأدنى المعدلات، لذلك فإن غالبية أولياء الأمور يفضلون إرسال أولادهم وبناتهم الى هذه الكليات لضمان تعيينهم في مؤسسات ودوائر الدولة، وكذلك الاستثمار في القطاع الخاص.”
فيما يرى زميله الدكتور (نورس عبد الإله)، الأستاذ في كلية علوم الهندسة الزراعية بجامعة بغداد، أنه “يجب أن تدير الكلية المشاريع الزراعية بالتعاون مع وزارة الزراعة، وتقدير الحاجة الفعلية للاختصاصات الفاعلة لتوفير فرص العمل المناسبة لكل اختصاص.”
تدخل مؤسساتي
بينما يرى معاون العميد في كلية علوم الهندسة الزراعية جامعة بغداد، الأستاذ الدكتور (محمد شاكر محمود الخشالي) الأمور من جانب آخر، فيقول: “عندما كنا في المدرسة الابتدائية كنا نقرأ على جدار المدرسة عبارة (الزراعة نفط دائم)، فالنفط يمكن أن ينفد، لكن الزراعة باقية، خذ مثالاً عالمياً، في أستراليا يضعون الزراعة فوق كل الاختصاصات، فهي أعلى من اختصاصات العلوم الطبية والإنسانية، كما أن وفرة المساحات الزراعية الكبيرة غير المستصلحة فرصة لاستثمار قابليات الطلبة والانتاج، لذا فإن المختصين والادارة الجيدة لملف المياه يمكنهم أن يحلوا مثل هذه المشاكل.”
غياب الاستثمار
لملمت أوراقي وغادرت كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، وذهبت الى نقابة البيطريين العراقيين لأستمع منهم أيضاً الى معاناتهم التي تشبه الى حد بعيد معاناة كلية الزراعة، فاستقبلنا الدكتور (علاء حسين عبد الكاظم)، عضو مجلس نقابة الأطباء البيطريين العراقيين- المركز العام- الذي لم يبخل علينا بأية معلومة، مؤكداً أن “إيقاف قانون التدرج الطبي منذ عام 1985 كان بداية الكارثة، إذ أسهم هذا القرار في تكدس الأطباء البيطريين وتوجههم الى أعمال لا تمت بصلة الى الطب البيطري (خمسة آلاف طبيب بيطري عاطلون عن العمل منذ 2002) ولحد الآن.”
والمصيبة الكبرى (والكلام للدكتور علاء) أن “الحكومات التي تعاقبت على السلطة لم تشجع المستثمر الأجنبي على القدوم الى العراق وإقامة المشاريع التي لها علاقة بالثروة الحيوانية ومنتجاتها التي تحتاج الى أطباء بيطريين، كذلك الافتقار الى التنسيق الحقيقي بين النقابة والمؤسسات الحكومية، الى جانب غياب دور الحكومة في إقامة مشاريع خاصة بدعم مالي كالقروض الميسرة أو الخالية من الفوائد، وقلة البعثات التدريبية الى بلدان العالم المتقدمة، فضلاً عن إهمال الحكومة للجانب الفني في القطاعات الخاصة. وأيد الطبيب البيطري (مؤمن حسين)، الذي مضت على تخرجه (6) سنين زميله الدكتور علاء حسين، عازياً سبب انحسار التقديم الى كليات الطب البيطري الى “عدم تخصيص تعيينات للخريجين، فضلاً عن عدم احتضان القطاع الخاص للأطباء البيطريين الذين هم الركيزة الأساسية في الإشراف على حقول الدواجن والأسماك وتربية الحيوانات، الى جانب ضعف الثقافة الاجتماعية في المجتمع العراقي بما يخص عمل الطبيب البيطري الذي يوازي تماماً مثيله في الطب البشري الى حد بعيد
سوء التخطيط
انتقلت الى كلية الطب البيطري في جامعة بغداد، ليكون في استقبالي عميد الكلية الأستاذ الدكتور (حميد علي كاظم) الذي كان موفداً الى ألمانيا، الذي حدد “حقائق عديدة يمكنها أن تطور كليات الطب البيطري في العراق، أولاها استخدام آليات التخطيط الصحيحة من قبل وزارة الزراعة، إذ أن مخرجات كليات الطب تصب في قطاع الزراعة، فنحن لسنا محتاجين الى هذا العدد الكبير من الكليات البيطرية من دون توفير المستلزمات المهمة للدراسة البيطرية.”