دولت آباد..حي إيراني بسمات عراقية

168

طهران / منى عبد الحسين محمد/
يرتكز حي دولة آباد في جنوب العاصمة الإيرانية طهران. السمة الغالبة على سكانه أن جلّهم من العراق، على اختلاف اسباب وجودهم في هذا المكان، فهناك من جرى تهجيره سابقاً قبل عام 2003، ومن راق له العيش، او ذاك الذي سكنه طلباً للرزق، أو من وجده يتلاءم مع رغبته للسكن والاستقرار فيه.
في هذا الحي خليط من القديم والحديث من حيث العمارة والطابع والمزاج اللوني لجدرانه وبناياته، فلا تستغرب إن سرحت بفكرك وأنت تسير في شوارعه كأنك في وسط شارع السعدون أو شارع من شوارع الكرادة، أو أن يسرح فكرك بأحد أزقة اشبيلية الرابضة في جنوب إسبانيا. يتكون الحي من قسمين: الأول نواة قديمة في الوسط، والثاني الأحياء الحديثة على الأطراف، غير أن ما يجمع بينهما هو تأثرهما بالطابع الإسلامي إلى حد كبير واختلاط البناءين النصراني والإسلامي.
في هذه الحي سكن العراقيون، ناقلين تفاصيل حياتهم اليومية إليه بعد أن أجبرتهم ظروف قسرية على ترك بلادهم والمجيء إلى إيران منذ نحو اربعة عقود ليحولوا دولت آباد من حي إيراني إلى حي ينبض بالأجواء العراقية.
أسماء عراقية
وانت تتابع الخطى في شوارع الحي تواجهك الاسماء العراقية لشتى أصناف المحال التجارية، فضلاً عن أن عناوينها كلها عراقية. طبيعة البضاعة فيها الطابع العراقي، مثلاً تحضر العباءة العراقية على حساب (الجادر) الإيراني. أما المطاعم فلا تستغرب أنك تراها وكأنك في قلب بغداد، وتحديداً في مدينة الكاظمية، حيث النكهات التي تناسب أذواق الناس ممن يزورون هذا الحي. حتى المساجد والحسينيات هي عراقية، حيث ترى الكاشي الكربلائي وخط الآيات بأسلوب الثلث المشهور في مساجد بغداد وحسينياتها، بل إنك ترى سكان هذا الحي يملأون شوارعها ليلاً وهم يرتدون الدشداشة العراقية. زيادة على ذلك أن هذا الحي أخذ يستقبل سكاناً آخرين من غير العراقيين من بعض الجاليات العربية، على سبيل المثال من سورية ولبنان واليمن والبحرين وحتى من سلطنة عمان، ما جعل العراقي لا يشعر بأية غربة في هذا الحي الذي بات مدينة عربية بامتياز، من ناحية اللغة والعادات والتقاليد وحتى الجدران، فضلاً عن أن هذه الفسيفساء العربية باتت مصدر إغراء وجذب لبقية سكان مدن طهران، رغبة منهم في تناول الوجبات العربية وعلى رأسها السيد كباب المميز و الشاورما والفلافل والسمك، ثم الكنافة والحلوى العربية، المتوفرة على مدار الساعة.
امتزاج التقاليد
بعد هذا التوصيف الممزوج بين جغرافية حي دولت آباد وطبيعتها السكانية بدأنا بتوجيه بعض الاسئلة ضمن جولة قمنا بها بعد تناول طبق كنافة عراقية ساخنة. وبدأنا الحوار مع سيدة عراقية ترتدي عباءة عراقية واضحة الملامح، التي قدمت شرحاً وافياً عن هذا الحي، وأنها من سكنته منذ ما يقارب الأربعين عاماً، إذ الجأتها الظروف للقدوم الى هنا، حتى باتت ترى نفسها من سكانه الأصليين. أما الحاج كاظم (أبو علي)، فقد بادرناه بالسؤال عن حي دولت آباد بعد خروجه من حسينية أهل النجف، فقال “إنه حي هادئ، والعيش فيه طيب، نعم أحن الى بلدي العراق ومدينة المنشأ والولادة (مدينة الديوانية)، لكن باتت لي في هذا الحي ذكريات وأصدقاء وتواصل اجتماعي يوازي ما كان عندي في العراق، حتى أحفادي تعلقوا بهذا الحي وأحبوه، فهم يرونه كمدينة عراقية تبعاً لأجوائه وناسه وطعامه وعاداته وتقاليده.”
ثم انعطفنا لنستريح في أحد المقاهي لشرب الشاي، وتجاذبنا أطراف الحديث مع أحد الجالسين، وهو رجل في الخمسين من عمره، تركز حديثه عن المؤسسات التي أنشأها العراقيون، فذكر أنهم بنوا حسينية أهل النجف، ومستوصف التوحيد، ومؤسسات أخرى أنشأها العراقيون للوفاء باحتياجات أبناء وطنهم. أما زينب، ذات الثلاثين ربيعاً، التي تدرس الطب في إحدى الجامعات الإيرانية فتقول: “مشاعري مختلطة تجاه العراق، فهي مزيج من حب وخوف.” وتضيف: “مثل آلاف العراقيين، لم أشاهد وطني، فقد ولدت هنا وكثيراً ما أشعر بأنني ابنة إيران، غير أني رضعت حب العراق من أحاديث والدي وعندما أسمعه يتحدث بالهاتف إلى عائلته أشعر بالحنين.”
محطتنا الأخيرة كانت مع السيد عمار سالم الحاج الذي تحدث الينا قائلاً إن “سبب مجيئنا الى إيران على الرغم من أننا عراقيون حتى الصميم ونحمل الجنسية العراقية، هو أننا لم نكن نميل إلى حزب البعث، وقد حاولوا إجبارنا على الانخراط في هذا الحزب فرفضنا، فقاموا بترحيلنا الى إيران بحجة أننا إيرانيون.”
وبرغم تلك السنوات الطويلة التي عاشها العراقيون هنا في حي دولت آباد وامتزاجهم بالمجتمع الإيراني، إلا أنهم مازالوا يحافظون على نسقهم الاجتماعي في الحياة بالشكل الذي كانوا عليه في العراق.