رغبة بالتغيير أم هروب من البكالوريا!؟

221

علي غني /

غالباً ما يفضل الطلبة اختيار الدراسات التي تلبي رغباتهم، وتبدأ هذه الأمنيات المؤجلة عند اجتياز المرحلة المتوسطة والعبور الى الدراسة الإعدادية، فغالبية الطلبة يختارون الفروع العلمية أو الادبية، إذ تتصدر مجالات الطب والهندسة والقانون الأمنيات، وتراود الأحلام كل شباب العراق.
لكن الذي حدث في الخمس سنوات الأخيرة هو الاتجاه الى التعليم المهني ومعاهد الفنون الجميلة. فما الذي استجد في الأمر؟ هل سئم الطلبة بكالوريا العلمي والأدبي وضغوطاتها؟ أم هي رغبة في الحصول سريعاً على مهنة تغنيهم عن (ذل الوظيفة)، أم أن هناك أسباباً أخرى؟ فتعالوا معنا.
سوق العمل
قد يكون رأي المهندس (شهاب أحمد كاظم الخزرجي)، مدير إعدادية العامل للحاسبات وتقنية المعلومات، في محله عندما عزا أسباب هذه الهجرة الى الخطط التطويرية التي عملت بها المديرية العامة للتعليم المهني في الآونة الأخيرة بتطوير المناهج الدراسية واستحداث أقسام جديدة تلبي حاجة سوق العمل في بلدنا، فضلاً عن زيادة نسبة القبول للطلبة الأوائل في المدارس المهنية المقبولين في الجامعات الحكومية، حتى وصلت الى ١٥% من مجموع الأوائل لكل قسم، كل هذه العوامل أثمرت عن زيادة الإقبال على مدارس التعليم المهني، وربما أضيف سبباً خفياً لمسناه خلال متابعتنا لشؤون طلبة المدارس المهنية، وهو الرغبة في تطوير معلوماتهم العملية، لأنهم سئموا الجانب النظري في الدراسة الأكاديمية.
كل يعرف اختصاصه
فيما يرى المهندس (بلال كامل) مدرس مادة الرياضيات في الإعدادية نفسها أن طالب التعليم المهني يعرف اختصاصه مسبقاً، والكلية التي يرغب فيها (ما يعني أن مستقبله شديد الوضوح)، على النقيض من التعليم الأكاديمي الذي يشوبه الغموض، فمعدلات القبول تتباين بين سنة وأخرى، وقد لا يحصل على الاختصاص الذي يرغب إكمال دراسته فيه، كما أن هناك سبباً مقنعاً يكمن في تفضيل الدراسة المهنية على الدراسة الأكاديمية، ألا وهو قلة المصاريف التي يتحملها الطالب، ولاسيما المبالغ التي ينفقها طلبة الدراسة الإعدادية على التدريس الخصوصي للحصول على المعدل المطلوب، الى جانب رفع نسبة قبول الطلبة الأوائل في الجامعات الحكومية.
وأيده في الرأي الأستاذ محمد، زميله في القسم ذاته، مضيفاً: أن السبب الرئيس في الإقبال على الدراسة المهنية يكمن في زيادة النسبة المئوية لأعداد الطلاب المقبولين بالجامعات في أقسام الهندسة الصباحية، وثانياً تنوع المجالات.
صقل المواهب
بعد أن عرفنا أسباب إقبال الطلبة على المدارس المهنية، انتقلنا الى معاهد الفنون الجميلة التي سعت الوزارة الى زيادة أعدادها، وفتح المزيد منها في بغداد والمحافظات، فتصدى لهذا الموضوع الأستاذ (علي اسماعيل زاير) مدير الإعداد والتدريب في المديرية العامة لتربية الكرخ الثانية قائلاً: إن معاهد الفنون الجميلة تعتبر فرصة للطلبة الذين يحملون حساً فنياً لصقل مواهبهم في وقت مبكر، أي أسرع من الانتظار لإكمال المرحلة الإعدادية ثم الدخول في منافسة قد تكون غير مضمونة للحصول على مقعد في كلية الفنون الجميلة.
وتابع زاير: يجد العديد من الطلبة، الذين يرغبون في التعيين، الفرصة أكبر لهم من خلال شهادة الدبلوم التي تحمل مؤهلاً تربوياً فنياً مقبولاً في التنافس على مقاعد معلمي التربية الفنية.
التنمية المستدامة
إلى ذلك.. يبين الأستاذ (كرم أسامة النعيمي)، مدير التعليم المهني في الكرخ الثانية: أن هذا النمط من التعليم يمثل ركيزة أساسيه من ركائز التنمية المستدامة، ربما الاهتمام به ونشره وتطويره من أهم الأسباب التي أدت الى تحقيق دول عديدة إنجازات تقنيه، وما حققته من تقدم ورقيّ اقتصادي واجتماعي.
ويتابع: يعد التعليم المهني مساراً تربوياً نافعاً، فهو يستقبل الطلبة خريجي المرحلة المتوسطة، الذين لديهم رغبة في تعلم حرفه او مهنة، اذ يشمل التعليم المهني فروعاً عدة، منها وأولها الفرع الصناعي الذي يمتلك (26) تخصصاً دقيقاً منها: (البناء والكهرباء والصناعات البتروكيمياوية والصناعات الغذائية وتكرير النفط ومعالجة الغاز ومعالجة المياه والأجهزة الطبية والإلكترونيك والمصاعد الكهربائية).. وغيرها من التخصصات.
أما الفرع الثاني فهو الفرع التجاري الذي يشتمل على تخصص الإدارة وتخصص المحاسبة. والفرع الثالث هو فرع الحاسوب وتقنيات المعلومات ويشمل الشبكات وتجميع وصيانة الحاسوب والهاتف المحمول وتخصص الإدارة الإلكترونية. أما الفرع الرابع فهو الفرع الزراعي الذي يتناول في منهجه أساليب الزراعة الحديثة. والفرع الخامس هو فرع السياحة الذي يشتمل على الإدارة السياحية والإسكان الفندقي والضيافة. والفرع السادس هو فرع الفنون التطبيقية الذي يشمل الديكور وفن التربية الأسرية.
مؤسسة عريقة
يضيف (النعيمي): أن مؤسسة التعليم المهني من المؤسسات العريقة التي تأسست مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وهي إحدى مؤسسات وزارة التربية العراقية، لكن ضعف وارتباك إدارة الدولة، والقطاع الاقتصادي بنحو خاص، هما السببان الأساسيان في خلق الاتجاهات السلبية في المجتمع تجاه التعليم المهني، ومن الواضح أن التعليم المهني يرتبط ارتباطاً عضوياً مع سوق العمل، فهو يوفر له احتياجاته من مهارات، وأن ضعف الادارة الاقتصادية يكمن بإغراق البلد بالسلع المستوردة، وهذا بدوره يضعف القطاع العام والقطاع الخاص، اذ يترك العديد من أصحاب المهن مهنهم، ويغلق أصحاب المصانع مصانعهم، وهذا بدوره يؤدي الى انحسار فرص العمل المتوفرة لمخرجات التعليم المهني وانتشار البطالة.
دعم التعليم المهني
نعترف بصدق أن التعليم المهني يمكن أن يتطور نحو الأحسن لو أدخلنا الجانب الإنتاجي في عملية التعليم، الذي كان متبعاً في السنوات قبل التغيير، لكنه كان يجري بعمليات روتينية وشكلية، لكنها والحق يقال، كانت مشجعة تهدف الى معرفة الواقع العملي للإنتاج، لذا نقترح أن تقوم الحكومة بدعم التعليم المهني، انتبهوا.. فإن لدينا عباقرة في التعليم المهني، فدعوهم يبدعون لتغيير معادلة سوق العمل.