سيكون إلكترونياً لأول مرة عام من الاستعداد لإجراء التعداد
يوسف جابر/
مع وروده في البرنامج الحكومي والمنهاج الوزاري وتخصيص كلف إجرائه ضمن الموازنة الاتحادية لهذا العام، دخلت عملية تنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن المنعطف الأخير بعد سلسلة من التأجيلات التي تعاقبت، كان آخرها الحضور غير المرحب به لجائحة كورونا. تشرين الثاني من العام المقبل هو الموعد لرسم لقطة سكانية اجتماعية واقتصادية تدعم خطط التنمية.
يمثل إعلان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التخطيط محمد علي تميم عن الموعد النهائي لإجراء التعداد العام للسكان والمساكن في العراق وهو شهر تشرين الثاني نوفمبر 2024 الانطلاقة الرسمية لعملية إجراء هذا التعداد. تميم قال إن “تنفيذ التعداد هو حاجة وطنية تفرضها خطط التنمية والمسارات الاقتصادية السليمة المرتكزة إلى مؤشرات وشواهد إحصائية دقيقة ورصينة.” لافتاً إلى أن “رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني وجه بضرورة المضي في تنفيذ التعداد العام وتوفير الدعم اللازم له.” مبيناً أن “150ألف عداد وسبع عشرة وزارة اتحادية سوف يشاركون وزارة التخطيط في إنجاح عملية التعداد العام، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية الساندة.”
تعداد إلكتروني
وعلى العكس من التعدادات التي أجريت في الأعوام 1957 و 1977 و1987 و1997، فإن العمل يجري لتنفيذ تعداد إلكتروني باستخدام أجهزة لوحية (التابلت) التي يحملها العداد معه ليقوم بإدخال المعلومات التي تُرسل بشكل آلي إلى مركز جمع البيانات في وزارة التخطيط. إجراءٌ يقول عنه مراقبون إنه يؤمن دِقة النتائج وسرعة إتمامها بسقف لا يتجاوز الأشهر الثلاثة، على العكس من التجارب السابقة التي احتاجت الى سنوات من العمل وتحليل البيانات.
عن مراحل إجراء التعداد، يقول الإحصائي الأقدم (أنمار طالب صالح) إنها “لم تتغير، ومازالت هي ذاتها، وهي مرحلة الحزم والحصر والترقيم ومرحلة عد السكّان، وأخيراً مرحلة اعلان النتائج.” صالح أضاف أن “التغيير في آلية إجراء التعداد العام للسكان والمساكن هو في الأدوات المستخدمة، حيث الأجهزة اللوحية والطواقم المدربة، ناهيك عن المعلومات التي يجري جمعها وفقاً للاستمارات المعدّة.”
عام الاستعداد للتعداد
الجهاز المركزي للإحصاء أعد خطة إجراء التعداد التنموي الأول والأكبر من حيث شموله جميع العراقيين والنازحين واللاجئين والفئات الهشة، للتعرف على أعدادهم وخصائصهم الديموغرافية والمناطق التي يتركزون فيها، والنتائج المترتبة عليه سوف تكون دليل عمل يقود خطط التنمية والمشاريع بما يضمن دقة التوجهات الاقتصادية وقدراً أكبر من العدالة الاجتماعية. يضيف الإحصائي الأقدم أنمار طالب صالح، الذي يشغل منصب مدير الإحصاء في محافظة المثنى إن “الاستمارة الإلكترونية التي سوف تستخدم أثناء عملية إجراء التعداد تضمن رسم خارطة واضحة عن أعداد السكان واحتياجاتهم وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية، ولاسيما مع استخدام تكنلوجيا المعلومات.” صالح.. الحاصل على شهادة الدبلوم العالي في الإحصاء التطبيقي من جامعة بغداد أضاف لـ(الشبكة) أن “دائرته في مدينة السماوة أكملت عملية تشكيل اللجان الخاصة بالتعداد على مستوى الوحدات الإدارية، إذ سيترأس المحافظ اللجنة العليا للتعداد العام للسكان والمساكن، بانتظار إيعاز الجهاز المركزي للإحصاء بتنفيذ بقية المراحل الاستعدادية، وفي مقدمتها تدريب الطواقم العاملة والعدادين.
المعوقات هي .. هي
إن عملية إجراء التعداد العام للسكّان والمساكن، وإن عبرت الموانع والعقبات السابقة وصارت جزءاً من خطة حكومية تحت التنفيذ، إلا أن هناك حزمة صعوبات ما زالت قائمة ولم تتغير كثيراً، فالطبيعة السلوكية لشرائح واسعة من المجتمع العراقي بقيت تنظر إلى التعداد العام على أنه اداة للتعقب والمحاسبة، في وقت يقول فيه المسؤولون إنه لا يتعدى كونه حصيلة رقمية وخارطة معلوماتية لابد لعمليات التنمية من أن ترتكز إليها. فيما تقول الصحفية (فرح الجبوري)، التي تعمل مراسلة لقناة (العراقية العامة) إنها “تلمس مثل هذه التوجهات عند كثير من العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل، التي تمتنع دوماً عن إعطاء المعلومات والأرقام الدقيقة عن مداخيلها الرئيسة والثانوية، معللين ذلك باحتمال حرمانهم من مخصصات برنامج الرعاية الاجتماعية، وثمة أسباب أخرى تقف وراء عدم الكشف عن المداخيل والموارد والممتلكات، سواء الثابتة أو المنقولة، ومن بينها الخشية من الحسد أو المنافسة، وعوامل كثيرة أخرى، كما أن عملية إجراء التعداد لابد من أن تسبقها حملة تثقيفية وتوعوية تشجع السكان على التعامل بشفافية ودقة مع العدادين.” الجبوري ختمت “ولا ننسى الاعتقاد السائد بأن الكشف عن الممتلكات والمداخيل ربما يجلب رسوماً وضرائب على المُلّاك.”
لكن الإحصائي أنمار طالب صالح بدد تلك المخاوف حين قال “على العكس من ذلك، فإن إطلاع المؤسسات الحكومية على الحاجة الفعلية للأفراد والمجتمع تمكنهم من توفيرها، سواء الخدمات الصحية أو البلدية أو التعليمية وحتى الزراعية.” مضيفاً أنه “يتمنى إلزام المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص باعتماد البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء ووزارة التخطيط عند تنفيذ المشاريع او تنظيم الحملات، وهو ما سيحدث بعد اعلان نتائج التعداد.”
وحتى تجيء لحظة قيام العدادين بطرق أبواب المنازل بعد عام تقريباً، تبقى لحظة رؤيتهم حاملين الأجهزة اللوحية وهم يدورون في المحلات ويدونون الملاحظات، لحظة فارقة بالنسبة للكثير من كبار السن ومن الذين حضروا التعدادات الورقيّة السابقة وما فيها وما عليها.