عاشوراء.. طقوس وشعائر تفرّد بها العراق ميّزته عن الآخرين
طه حسين /
تتميز الأعياد والمناسبات الدينية بطقوس ومراسم وشعائر خاصة تمتاز باختلافها واختلاف البلد الذي تقام فيه. ولشهر محرم الحرام الذي تبدأ به السنة الهجرية خصوصية كبيرة في العراق من حيث نوعية الطقوس والشعائر التي تقام خلاله.
إذ يستعد العراقيون لاستقبال هذا الشهر الفضيل لإبراز سمات الحزن التي تمثل الأحداث المؤلمة والفاجعة التي ألمت بآل بيت الرسول الكريم (صلوت الله وسلامه عليهم أجمعين) وعترته الطاهرة عام 60 هجرية ومنحته ميزة خاصة لدى جميع المسلمين.
تحضيرات مبكرة
الحاج على هادي العلاق، من ناحية الرشيد – قضاء المحمودية – صاحب موكب (الحسن المجتبى)، أكد أن “الاستعدادات لاستقبال هذا الشهر الفضيل تكون مبكرة وكبيرة في نفس الوقت، ولاسيما أن مسؤولية خدمة ملايين الزائرين المتوجهين الى كربلاء المقدسة لإحياء شعيرة مراسم زيارة أبي عبد الله الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام)، تقع على عاتق أصحاب المواكب الحسينية الذين نذروا أنفسهم وأموالهم لخدمة الزائرين القادمين من جميع محافظات العراق، وكذلك الوافدين من شتى أصقاع الأرض من بلدان عربية وأجنبية لأداء مناسك الزيارة وتقديم التعازي في هذا المصاب الجلل.”
التشابيه ولبس السواد
الحاج حسن هاني الطائي من ناحية اليوسفية، صاحب موكب (دمعة رقية) قال في حديث لـ “مجلة الشبكة” إن “من أهم العادات والتقاليد التي ميزت شهر محرم عن باقي الأشهر هو توشح الجميع باللون الأسود وترك لبس الألوان الأخرى في الغالب تعبيراً عن الحزن وتقديم التعازي بمصاب آل البيت عليهم السلام، إضافة الى إقامة التشابيه التي يجسدون من خلالها عظم الواقعة الأليمة والمصيبة التي طالت عترة المصطفى (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين)، وتقديمها للناس لتبيان حجم الظلم الكبير الذي تعرضت له صفوة خلق الله من قبل الفئة الضالة التي رضيت وقبلت أن تستبيح هذه الدماء الزكية والشريفة والطاهرة.” لافتاً الى “أننا نحرص على تجسيد الواقعة بأدق تفاصيلها وأبعادها من خلال إقامة هذه التشابيه.”
أكلات مميزة
الحاج علي محمد العقيلي من منطقة أبو دشير، صاحب موكب (عبد الله الرضيع)، أشار الى أنه “على الرغم من تعدد الأكلات التي تقدم الى الزائرين من خلال المواكب المنتشرة على طول الطرق المؤدية الى كربلاء المقدسة على مدار أيام الزيارة الأربعينية، إلا أن هنالك عدداً من الأكلات التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بهذه الذكرى الأليمة يحرص الكثير من الناس على تقديمها، ومن أهم تلك الأكلات هي (القيمة) التي نحرص على تقديمها وطبخها بطريقة خاصة وبطعم ومذاق مميزين بما ينسجم مع أهمية تلك المناسبة، وغالباً ما يرافقها الرز عند تقديمها الى الآخرين، إضافة الى الهريسة والزردة والبرياني، التي كان لها النصيب الأكبر في الارتباط بهذه المناسبة العظيمة، فضلاً عن تقديم الماء تذكيراً بعطش الحسين عليه السلام.”
مجالس العزاء
من ضمن الطقوس والشعائر التي اعتاد العراقيون على إحيائها ضمن شهر محرم هي إقامة المجالس الحسينية، سواء للنساء أم الرجال، ويتخلل تلك المجالس سرد القصة للواقعة الأليمة من قبل رجال الدين و(الملّايات)، تسودها أجواء من الحزن والبكاء واللطم حزناً على هول المصيبة وتأسياً بما جرى للعترة الطاهرة الزكية، ولتقديم المواساة ومشاركة الألم والحزن الذي طالهم (عليهم السلام)، وعادة ما تختم تلك المجالس بتقديم الوعظ والدعاء للحاضرين ترحماً على أرواح أموات المسلمين والمسلمات أجمعين.
دروس وعبر
الشيخ أثير الكعبي أوضح أن “لثورة الحسين (عليه السلام) شعائر وطقوس رافقتها، ولها دروس وعبر ميزتها عن باقي الأحداث التي شهدها التاريخ، أهمها أن جميع الثورات التي انتصرت كان انتصارها عبر السيف، إلا ثورة الإمام أبي عبد الله الحسين التي انتهت بانتصار الدم على السيف، وأظهرت للعالم أن الخلود يأتي من خلال التضحية، والتضحية في النفس اسمى غاية الجود، لذا فإن التاريخ قد خلد ذكرى الحسين وأصحابه ومواقفهم المشرفة في الوقوف ضد حكم الطغاة والمستبدين، ممن أرادوا أن يحرفوا الدين ويجيروا تعاليم الإسلام لخدمة مصالحهم الشخصية وأطماعهم وأغراضهم الدنيوية، لكن إرادة الله ومشيئته كانتا فوق إرادة ومشيئة الظالمين.”
مواقف عظيمة
وبين الكعبي أن “من يقرأ سيرة أصحاب الحسين (عليه السلام) وصمودهم بوجه جيش كامل بعدته وعتاده يلمس عظم الشجاعة والتضحية التي تحلى به هؤلاء الرجال العظماء الذين خلدت أسماؤهم في تاريخ البشرية، فمن منا يدخل او يكون في طرف خاسر في المعركة، لكنهم أدركوا أن الخسارة الحقيقية لم تكن في معسكر الحسين عليه السلام، بل إن الخسران المبين كان في المعسكر الثاني، معسكر عمر بن سعد وزياد ابن أبيه، فلقيوا من الله ما يستحقون، الذين رضوا أن يستبيحوا دماء آل بيت النبوة الأطهار وقدموهم قرابين لكي يرضوا عنهم الطغاة والمستبدين، لذا فقد لاحقتهم الويلات واللعنات الى يوم يبعثون، أما اصحاب الحسين (رضوان الله عليهم) أصحاب المواقف العظيمة، فقد أيقنوا أنهم في الطرف الرابح، فإن كان نصراً فهذا ما يحقق الغاية في إعلاء كلمة الحق، وأما الشهادة في سبيل المبادئ وإعلاء كلمة الله العليا.”
مشاهد مؤلمة
وأشار الشيخ الى أن “معركة الطف وما تعرض له الحسين وآل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) خلالها لم يكن بالأمر الهين او السهل، فمشهد فقد الأحباب والأصحاب الذي تكرر منظره أمام أنظار الحسين وزينب الحوراء (عليهما السلام)، لا يمكن لأي مخلوق عادي تحمله بسهولة، لكن هنالك عدداً من المشاهد المؤلمة التي كثيراً ما استوقفتني لشدة وقعها على المتلقي وتأثيرها عليه، فطريقة مقتل العباس (عليه السلام) وتقطيع كفيه ومنعه من إيصال الماء ليروي عطش الحسين، وجريمة مقتل عبد الله الرضيع واختراق السهام جسده الشريف وهو بين يدي أبيه، واقعتان مؤلمتان، كذلك كانت طريقة مقتل علي الأكبر (عليه السلام) الذي ادمت السهام عينيه الشريفتين وعيني حصانه، لينتهي به الأمر في معسكر الأعداء الذين لم يتوانوا في كيل الطعنات والضرب عليه ليخر شهيداً مقطعاً بسيوف أعدائه أمام عيني أبيه الحسين وأمه ليلى وعمته زينب الحوراء (عليهم السلام).”
شجاعة زينب
وبين الكعبي أن “واقعة الطف وما احتوته من مصائب، أفرزت شخصية عظيمة عدت الخطيب الأول لمنبر الحسين، والمحامي الذي استطاع الوقوف بوجه الطغاة والمستبدين، فخطبتها العصماء التي ألقتها في مجلس يزيد ابن معاوية والشجاعة والكبرياء اللتين أظهرتهما، وإصرارها على تلقين هذا الطاغية المتجبر درساً لن ينساه، فقد استطاعت فضحه ولجمه، من خلال بيان الحقيقة ببلاغة عظيمة وكبيرة، ولم يختصر دور الحوراء (عليها السلام) في الدفاع عن قضية الحسين (عليه السلام)، بل كانت أم الأحزان التي تمكنت من تجاوز المحن التي مرت بها بصبر وعزيمة وإباء، وكانت الحضن الدافئ والأم الرؤوم الذي احتضن آل بيت النبوة وأكمل مسيرتهم الإصلاحية التي أنارت دروب البشرية من خلال العلوم التي قدمها أئمة الهدى من آل بيت الرسول (عليهم الصلاة والسلام أجمعين).”