النساء وقيادة المركبات تحداً مجتمعي

175

يوسف المحسن /

التقلبات الحياتية والحروب والصراعات والنمو السريع للحضارة، أدخلت المرأة في الجو المشحون لهذا الاحتدام، إذ أنها بقيت طوال عقود وقرون تحاول أن تجد لها مكاناً مناسباً. وإذا كانت الأعمال المناطة بالنساء بدأت تميل لتتناسب مع قدراتهن الجسمانية والذهنية مع انحسار الأعمال الشاقة السابقة، فإن زيادة المهام وتشعبها هي القربان الذي دفعته المرأة لتوفير الاندماج السلس بالملفات الحياتية.
كثير من النسوة والفتيات العراقيات أصبحن يقدن السيارات في استجابة حقيقية لمتطلبات الحياة المعاصرة، فلا وقت لانتظار خطوط النقل، ولا مساحة لاستيعاب أمزجة سائقي سيارات الأجرة، بحسب وصف البعض منهن، والأعمال تنجز بسرعة حال امتلاك مركبة.
هوية مجتمعية
“إن قيادة المركبة بالنسبة للسيدات والفتيات كانت تحدياً للوهلة الأولى، بيد أنها باتت تعبيراً عن ضرورة اقتصادية واجتماعية، ذلك لأن النساء غالباً ما ينجزن أعمالهن بسرعة ودقة أكبر فيما لو امتلكن مركبات. المشاوير اليومية والتسوق وإيصال الأولاد الى مدارسهم، والذهاب الى العمل والإيفاء بالالتزامات الاجتماعية والتزاور، كلها أصبحت ميسرة.”
هذا ما تؤكده الصحفية إسراء الساعدي، التي عبرت عن إيمانها بأهمية امتلاك الجنس اللطيف للسيارات. الساعدي قالت -في حديث لـ”الشبكة”- إن “قيادة المرأة لسيارتها هي إثبات لقدرتها على تحمل مصاعب الحياة، ذلك لأن السياقة مسؤولية كبيرة، فالغالبية ممن يقودون المركبات هم الرجال، بالعودة الى الطبيعة الإنسانية والوضع الاجتماعي والمواصفات الجسمانية.” الساعدي، التي تدير منظمة (عيون الإعلام الإنسانية)، وهي ناشطة نسوية أضافت أن “البعد الاجتماعي لقيادة المركبة يرتبط بتمكينها ومنحها مساحة حرية لاتخاذ القرارات وضمان السير الآمن لها ولأسرتها وأطفالها دون مضايقات، وهو ما يتوفر بشكل أكبر عندما تقود السيارة.” وتضيف: “مواجهة الزخم أو إرباك السير او الحوادث تعد مسؤولية، قالوا إن السياقة من بين الفعاليات غير المناسبة للنساء، لكن ما أراه اليوم هو القيادة النسوية للسيارات الخصوصي وبأعداد كثيرة، إنه أمر مفرح ودلالة على أن المرأة قادرة على تحمل صعوبة المسؤولية.”
لا تمييز مرورياً
“حصول النساء على إجازات قيادة المركبات يخضع لذات المعايير والشروط المطلوبة من الرجال، إذ لا تفضيل ولا استثناء، في الثقافة المرورية والسلامة الجسمانية واختبار القيادة”، هذا ما أعلنت عنه مديرية المرور العامة في أكثر من مناسبة. إذ يقول العميد الحقوقي حسن صويح، مدير مرور محافظة المثنى، إن “التعليمات الصادرة من مديرية المرور العامة لا تشير الى اختلاف في الاختبار بين طالبي إجازة السياقة من النساء والرجال، أما المبادرات لتشجيع النسوة على المراجعة فاقتصرت على تخصيص منافذ وحواسيب لبصمة النساء مع مراعاة الأولوية.”
العميد صويح أضاف في تصريح لـ “مجلة الشبكة” إن “سلسلة التسهيلات الممنوحة، والتحولات المجتمعية في النظرة الى المشاركة النسوية، اسهمت في زيادة إقبال السيدات، سواء الموظفات أو ربات المنازل على اقتناء وقيادة المركبات.” مشيراً إلى أن “مديريته منحت أربعمئة وسبع وخمسين إجازة قيادة مركبة للسيدات خلال العام 2021، فيما الأشهر السبعة الأولى من هذا العام شهدت طباعة 214 إجازة.”
الأكثر التزاماً والأقل تسبباً في الحوادث
تنحاز الدراسات البحثية النفسية الى المرأة وتمنحها مؤهلات على الرجل من حيث القدرة على إنجاز أكثر من مهمة في ذات الوقت، وعدم تشتت انتباهها عن العمل الأساسي الذي تقوم به، مثل قيادة المركبة. منصات إعلامية وصحفية نسبت ورقة بحثية الى مجلة (إم بي سي) في علم النفس، تشير فيها الى تفوق واضح للنساء على الرجال في القدرة على إدارة الأعمال في ذات الوقت، تفوق أكدته دراسة لمعهد (بونيمون)، وهو مركز الأبحاث البارز المختص بسياسات الخصوصية وحماية البيانات وأمن المعلومات، وهو أيضا شركة استشارية بحثية، إذ ذهب الى أن تشتت انتباه النساء يقل أثناء العمل خاصة، ويمكن للمرأة العمل لفترات أطول من دون تشتيت الانتباه، كما أنّ الدردشات الجانبية او الحديث بالهاتف لا يشتت الانتباه بالقدر الذي يحصل مع الرجال، وهي الصفات التي يتحدث عنها المتخصصون عند الإشارة الى حقائق مثل التي أكدها لنا العميد الحقوقي حسن صويح بأن “النساء هن الأكثر التزاماً بالقوانين المرورية والأقل تسبباً في حوادث السير.” رأي تسانده –وبقوة- الصحفية إسراء الساعدي، التي ترجحه الى “طبيعة النساء في السير وفق النظام والتنظيم والتركيز على التعليمات الرسمية والالتزام بالأنظمة والقوانين بشكل دقيق، بالإضافة الى حيائها من الوقوف في طوابير المخالفين والغرامات المرورية.”
ما يحكى عن المضايقات
“الكلمات الخادشة للحياء، وعدم إفساح المجال، والنظرات، واستخدام المنبهات، لم تعد سلوكيات موجودة في الشوارع العراقية اليوم، على العكس من العقود الماضية، فالمجتمع تقبل حضور المرأة وفاعليتها، والمساندة والدعم اللذين حصلت عليهما المرأة في رحلتها للحصول على إجازة قيادة المركبة يبدو أنه متواصل في الشارع، بحسب ما لمسناه وسمعناه من شهادات.”
ختمت الساعدي حديثها بالقول “لم أسمع عن المضايقات إلا القليل، بل على العكس فقد رأيت ولمست حالات كثيرة لمساعدة النساء عندما يتعرضن لبعض الحوادث او الأعطال او غيرها، حيث يسارع كثيرون لمد يد العون، والجميل أن غالبية السائقين يبدون تعاوناً في الشارع ويمنحون الأولوية للمركبات التي تقودها النساء.”