عمل القاصرات في المقاهي.. براءةٌ تشوّهها الملابس الفاضحة ومساحيق التجميل
آمنة السلامي /
تنتشر في بعض مناطق بغداد ظاهرة غريبة لم يألفها المجتمع العراقي سابقاً، تحمل في طياتها آثاراً مدمرة على مستقبل الجيل الناشئ، فتدليل الأجساد البضّة، والتنورات القصيرة، والتغنج بين الشباب، أصبحت عناوين بارزة لكثير من المقاهي والكازينوهات و”الكوفيشوبات”، التي تستغل القاصرات للعمل فيها ولساعات متأخرة من الليل. وربما يحاول البعض ان يحاكي الطراز الغربي من خلال التقليد الأعمى لممارسات موجودة في دول أخرى دون أن يضع في حسبانه أن إصراره على تنفيذ مثل هذه المشاريع التي لا تناسب طبيعية المجتمع العراقي يؤدي الى نتائج وخيمة تؤثرعلى تنمية المجتمع ومستقبله.
حقوق مهدورة
مجلة (الشبكة العراقية) حاولت عبر تحقيقها هذا الإجابة عن تساؤلات عديدة تقف خلف انتشار هذه الظاهرة، فكان لابد لها أولاً من الاستماع لرأي القانون الذي أوضحته لنا المحامية (بسمة العبيدي) بالقول: إن استغلال القاصرات في العمل بالمقاهي والكازينوهات بات ظاهرة لا يمكن التغاضي عنها، وظهور مثل هذه الحالة في مجتمعاتنا يحتاج الى تظافر الجهود وتفعيل القوانين للسيطرة عليها من أجل حماية الاسرة من التفكك والانحلال. مضيفة ان المادة 29 من الدستور العراقي تنص اولا أ_ الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية ب_ تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة. موضحة أن المادة 30 تكفل الدولة فيها الفرد والأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة وكريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم، لذا يجب على الدولة ان تتخذ موقفاً من هذه الحالة غير المقبولة والمرفوضة شرعاً وقانوناً.
تفكك أسري
ولمعرفة الدوافع والظروف التي تجبر القاصرات على سلوك هذا الطريق والعمل في المقاهي والكازينوهات حاولنا اللقاء بعدد منهن، لكن معظمهن امتنعن عن الحديث، باستثناء (ندى) وهو اسم مستعار للفتاة التي اشترطت عدم الإشارة الى اسمها الصريح او وصورتها.
تقول (ندى) وهي في ربيعها السادس عشر لـ (مجلة الشبكة): طلقني زوجي الذي يكبرني بـ 40 عاما وانا بعمر 15 سنة، كان زوجي ميسور الحال وكان يصرف الأموال بسخاء، عشت معه في البداية حياة الرفاهية الزائفة، لكنه تخلى عني وطلقني بعد ان افتضح أمره عند زوجته الأولى، بعدها عشت أياماً مريرة وعانيت الفقر الذي لا يرحم، وعدت الى الحرمان وعائلتي المشردة التي دفعتي الى هذه الزيجة البائسة، لقد تعودت على المال ولم يكن أمامي للحصول عليه إلا العمل في المقاهي، أتقاضى أجراً لا بأس به، وكثير من الزبائن يعطونني المال كبقشيش ولا أنكر أني دائماً ما أتعرض للمضايقات والكلام غير اللائق، لكن هدفي هو المال الذي ينسيني كل ما أتعرض له!
خياري الوحيد
في منطقة الكرادة وفي الطابق الثاني من إحدى البنايات العالية تعمل (ن،غ) كعاملة في كازينو يرتاده كثير من الشباب، حاولت استدراجها بالكلام فرضت، ثم بعد لحظات انهمرت دموعها وقالت: أعرف أن عملي في هذا المكان معيب ومرفوض، لكني اضطررت للعمل لساعات متأخرة من الليل لأن عائلتي بحاجة الى المال، فأبي متوفى ولا معيل لنا وأمي مريضة انهكتها ظروفنا الصعبة وحاجتها للمال لشراء الدواء ولي خمس أخوات أصغر مني سناً فماذا أعمل؟ بحثت كثيراً عن عمل محترم في إحدى الدوائر دون جدوى الى أن اقترحت علي إحدى صديقاتي العمل في هذا المقهى الى أن يفرجها الله. وعند سؤالنا لها إن كانت تتعرض لمضايقات من الزبائن او من رب العمل؟ أجابت: طبعاً، كثيراً ما اتعرض الى مضايقات وكلام جارح تقريباً كل يوم، في البداية طلب مني رب العمل أن ألبس ملابس قصيرة و(جذّابة) ثم بدأ يسمعني كلاماً ناعماً، تجاوزت تصرفاته وأنا صابرة، ولم يقف الأمر عند هذا، فلي معاناة ثانية مع الزبائن فهم يعمدون في كثير من الأحيان الى إسماعي كلاماً لايصح أن تسمعه فتاة بعمري او يقومون بحركات مبتذلة، لكن ليس لدي خيار غير العمل هنا، علماً أني أعمل دون علم أمي!
أبي دفعني الى هذا العمل!
أما (ي،هـ)، وهي فتاة جامعية تعمل في أحد المقاهى، فتقول: عملي يبدأ من الساعة الثانية بعد الظهر الى الى الساعة العاشرة ليلاً وبعد أن أكمل عملي يقوم أحد العاملين معي في المقهى بإيصالي الى بيتنا، أنا مجبرة على هذا العمل لأن أبي لا يعمل وهو مخمور ليل نهار، ويطالبنا أنا وأختي التي تعمل في صالون نسائي بالمال وينهال علينا بالضرب إن لم نأت له بالنقود، تشاركه وتحثّه زوجته التي تزوجها بعد وفاة والدتي، هذه حالتي وهذا قدري وأنا مجبرة عليه.
آثار مدمرة
وترى الكاتبة سناء المحمداوي: إن الإسلام منح المرأة اهتماماً خاصاً، ومنحها الحرية شريطة عدم الإتيان بما هو محرّم، بمعنى أن الإسلام لم يمنع المرأة من العمل خارج المنزل، مع الحرص أن يكون العمل متناسباً مع طبيعة المرأة وأن يحفظ لها كرامتها وعفّتها وحشمتها، وأن لا يكون فيه تقصير تجاه بيتها وأسرتها. وهذا القول عن المرأة الرشيدة المثقفة لكن ما يحصل في عمل المراهقة والقاصرة هو أمر خطير له تبعات وآثار مدمرة على المجتمع فهن غير بالغات، غير رشيدات، غير مثقفات، ليس لهن تحصيل دراسي، بمعنى أنهن تركن المدرسة واتجهن نحو العمل، كيف بهن وهن يعملن في أماكن تواجد الرجال حصراً! في المقاهي والكوفيشوب وما شابه. وهنا يكون العمل مشبوهاً اذا كان فيه اختلاط محرّم أو اذا يخاف عليها من الوقوع في الحرام، كما أن القاصرات هن بحاجة لنفقة ولسن هن اللواتي ينفقن على الآخرين وأن هذه الظاهرة اتسعت نتيجة الفقر والعوز الذي تفاقم في مجتمعنا نتيجة الحروب والفساد الإداري والمالي. لذا فإن عمل القاصرات هو علامة من علامات انحدار المستوى المعيشي للبلد.
أماكن لتسلية رخيصة
ولعلم الاجتماع رأيه في هذه الظاهرة، اذ يقول الباحث الأكاديمي (رياض ساجت) – جامعة بغداد: إن اللوم لا يقع على القاصرات، بل على الدولة القاصرة التي لا تتابع الالتزام بالقوانين ولاتحاسب أصحاب المقاهي من المخالفين، لاسيما أنها صارت أماكن موبوءة لجذب الشباب بوسائل مختلفة مشروعة وغير مشروعة تزيد أرباحهم، فبينما كانت المقاهي البغدادية نوادي للحوار وتبادل الأفكار أصبح أكثرها الآن مكاناً لتسلية فارغة بجلب بنات قاصرات وهذه هي الطامة الكبرى للمجتمع ولهن.
انفلات اجتماعي
ويسلط الباحث الدكتور (صلاح بوشي) الضوء أكثر على هذه الظاهرة فيقول: إن هذه ظاهرة لا تحظى بالاهتمام الحكومي ولا المجتمع المدني، فنرى فتيات في عمر الزهور يتحولن من تلميذات الى خادمات ونادلات في مقاهٍ ونواد، وهذا ما لا يقبله العرف الاجتماعي ولا المنظومة الأخلاقية العراقية. ويمكننا القول إن الفقر والبطالة والعجز وكبر سن الوالدين والإهمال الكبير للأسرة والطفل من قبل الدولة، تعد من الأسباب الرئيسة لدخول هولاء الفتيات سوق العمل وممارسة مهن بهذا المستوى، وأحذر هنا من عدم الالتفات الى هذه الظاهرة الخطيرة وترك الفتيات يعملن في البيوت كعاملات نظافة او نادلات في المقاهي، لما لهذا الأمر من آثار خطيرة لا يمكن تلافيها في المستقبل.
مواصفات جاذبة!!
خلال جولتنا الصحفية في بعض هذه المقاهي رأينا أن اكثرها يمتلئ بالزبائن على الرغم من ارتفاع اسعار ما تقدمه، ويعود سبب ذلك حسب رأي أحد رواد هذه المقاهي الى أن اصحاب الكوفيشوب يستخدمون عاملات ذوات مواصفات يرغب فيها الرجال كجمال القوام والوجه وتدليل الجسد، وهذه طبعاً كلها مواصفات لجذب الزبائن وخصوصا الشباب ورجال الأعمال الأغنياء الباحثين عن المتعة، أو الجهلة الذين يدفعهم فضولهم او تفاخرهم لدخول هذه الأماكن وما فيها من أجساد يانعة!!