فوبيا العراقيين من السيارات المفخخة إلى أبو بريص!

984

آيه منصور حسن/

غير الحروب، والكوارث التي تلازمنا، التصقت بأذهاننا، مخاوف عديدة حيث لا فرار عنها ولا طرق تساعدنا على التخلص منها! انها “الفوبيات” المنتشرة في دواخلنا، إذ تطورت مفاهيم الفوبيا ولم تعد الحيوانات الزاحفة مشكلة تثير الخوف ولا المناطق المرتفعة وحدها من تثير الذعر، فقد تطورت هذه الفوبيا كثيرا وأصبحت (مودرن) وعصرية!

ستسقط المروحة انتبهي!

سهى التي سألتها عما يثير خوفها، ضحكت عاليا وهي تطلب مني أن أحاول تصديقها وعدم السخرية منها تقول:

-أخشى المراوح السقفية كثيرا، حركتها السريعة تجعلني بحالة خوف دائم من سقوطها فوق رأسي، تخيلي أنا لا أستطيع فتح مروحة أبدا، واذا ما جلست في مكان ما كضيفة، أطلب منهم اطفاء المروحة بسرعة حتى أن كنت أشعر بالحر الشديد- وأحيانا- ولا تضحكي- أتخيل أن مروحة ما ستضربني حتى لو كنت في الشارع!. وترجع سهى خوفها من هذا الأمر الى سقوط مروحة على ابن عمها والتسبب في قتله.
جميع السيارات

في الشارع مفخخة!

-في احدى المرات وقف زوجي لشراء بعض الحاجيات ما اضطره لايقاف السيارة جانبا، وتأخر بعض الشيء. وطوال فترة غيابه عني والخوف يلازمني ولم يدعني لحظة، حتى ترجلت من السيارة، لأفتش تحتها عن عبوة ناسفة!

تصمت أم لينا، ثم تكمل حديثها ضاحكة:

-صدقيني رعبي أكبر من هذا فأنا أعاني فوبيا السيارات المفخخة، فبالنسبة لي جميع السيارات في الشارع هي سيارات مفخخة قابلة للانفجار في أي لحظة، أنظر لها بريبة وأخشى أن يصرخ أحدهم مكبرا ويفجر سيارته، أنه رعب حقيقي حقا.
تضيف أم لينا قائلة، أن للسيارات المفخخة التي استمعت لأصواتها وهي تنفجر أثرا لتفاقم هذه الفوبيا. مرة بقينا في زحام لأكثر من نصف ساعة، لم تنفع الآيات القرآنية التي كنت أرددها في داخلي من ازالة خوفي، صرت أتخيل حتى الطفل في السيارة المجاورة إرهابيا يروم تفجير سيارته! تضحك وتكمل:

وعندها لم أحتمل ترجلت من السيارة مع ابنتي، لأترك زوجي في حالة ذهول مني.

كل شيء قابل للسقوط!

(تبارك) لها فوبيا من نوع آخر فهي تشعر، في كل مرة تجلس فيها تحت سقف، أنه سيقع فوقها، والأمر لا يتعدى سقوف الغرف فقط، بل حتى الأسرة والجدران، والأعمدة!.. تقول تبارك:

-لا أعرف ما الذي يحدث لي حقا، أشعر أحيانا أن سقف القاعة سيطيح بنا جميعا، وعندما أحاول اخراج شيء من تحت السرير أشعر أنه سينطبق علي ويحولني الى ورقة، وإذا سرت قرب جدار أشعر أنه سينحني باتجاهي ليسحقني، حتى عمود الكهرباء عندما اقترب منه، أشعر أنه سيهوي علي بقوة.

أخشى الأشياء الجميلة

اذ كانت بعض النسوة، يخشين الزواحف والحيوانات التي تبدو بمظهر غير جيد، فـ (سرى) تشعر بالرعب من القطط! والعصافير، والدجاج، وتضيف لذلك “ابو بريص” وتبكي كثيرا، كلما صادفتها قطة ما، ولا تستطيع الهروب:

-في صغري قفزت بوجهي قطة، ومذ تلك اللحظة وأنا أرى كل قطة أنها تكرهني، وستقفز نحوي، أقف في منتصف الشارع راغبة بالبكاء حقا، اذا ما صادفتني قطة، وفي العادة يهربن، مع هذا، لا أستطيع تحمل وجودهن!

ولا تضحكوا كثيرا، ليس النساء فقط من تتملكهن فوبيا، اذ حاولت ايجاد رجل ما يعاني الفوبيا نفسها فوجدته، أنه محمد الذي يجيبني مستغربا وأنا أسأله:

– ما أكثر ما يرعبك يا محمد؟

-أعاني من المرتفعات كثيرا، وعندي خوف من بعض الزواحف، منذ صغري وأنا أتعجب من قابلية زملائي الامساك بذيل حيوان زاحف، أو ضفدعة. وأتجنب كثيرا النظر الى الأرض حالما نرتفع قليلا، لا أستطيع السفر من دون رعب. اذ لوهلة أشعر وكأن الطائرة ستقع لتتحطم، لهذا لم أجرب السفر يوما ولا أتخيل حدوث ذلك فعلا!

محمد يحاول تحدي روحه المذعورة، لكنه غالبا ما يفشل!

-مرة جربت القفز من مرتفع ذي علو لا بأس به، لكن النتيجة انتهت أن تذهب الشمس وأنا واقف في مكاني.

الفوبيا لا عمر لها

الدكتور قاسم حسن صالح رئيس جمعية علم النفس العراقية حدثنا عن هذه الحالة بالقول:
“الفوبيا Phobia ” مفردة مشتقة من (Phobos).. آله الخوف عند الإغريق، وتعني في اللغة العربية الرّهاب أو الخوف المرضي. وكان فرويد أول من نشر في عام (1909) موضوعاً بشأنه عن حالة هانس الصغير، وهو طفل كان يصاب بالرعب حين يرى الحصان. والرهاب (الفوبيا) خوف فجائي مفرط، يصنف ضمن اضطرابات القلق التي تشمل أيضا اضطرابات: الفزع، الوسواس القسري، وما بعد الضغوط الصدمية.

وتتعدد أسباب الفوبيا بحسب قول الدكتور، بنظرية الوراثية فيرى أن الفوبيا ناجمة عن استعداد بيولوجي وراثي جيني، فيما نظرية التحليل النفسي تؤكد أنها دفاعات (الأنا) ضد القلق الناجم عن كبت دوافع غير مقبولة اجتماعيا أو دينيا، وأخرى ترجعها الى أنها استجابات متعلمة من مواقف حياتية بملاحظة الأطفال لآباء أو أمهات مصابين بالفوبيا.

ويؤكد الدكتور قاسم قائلا: المرجح هو أن لكل حالة (فوبيا) أسبابها الخاصة بها، لكن هناك حالات يصدق عليها تفاعل أكثر من سبب. فمن لديه استعداد وراثي يكون أكثر عرضة للوقوع والمعاناة منها إذا عاش في اسرة توجد فيها حالة فوبيا، او أنها تعتمد أساليب تنشئة تساعد في تطور الحالة كأن تصاب الأم بالفزع من رؤية الفأرة!.

كما ويرى الدكتور قاسم أن الفوبيا لا ترتبط بالعمر أو المستوى الثقافي، اذ يقول:

-كانت لديّ طالبة ماجستير علم نفس، وكنا في غرفة الدراسة لالقاء محاضرة، وفجأة هرعت الطالبة فزعة وعينيها باتجاه الحائط، لدرجة أنها لم تستطع حتى الاستئذان منا!

كان السبب أنها رأت ابو بريص على الحائط!