في صيفنا اللاهب.. أبطال حياة يقاومون الشمس
ذوالفقار يوسف -عدسة: كنان الحلفي /
“فوران، صَمط، مخنطل وأعصابي منتهية”.. مصطلحات ترافق العراقيين في فصل الصيف، فلا تكاد جملة تخلو من هذهِ المصطلحات الشعبية عند السؤال عن أحوالهم، والّتي تصف حرارة الصيف ومعاناتهم في هذا الموسم، فهو المناخ الذي يقتل الحرث والنسل ويغضب الحليم.
في العراق انقلب المناخ جذرياً، إذ أن فصل الشتاء أصبح أقصر مع مرور السنوات، وتبدلت تسميتهُ إلى فصل الربيع، أما الصيف فقد أصبح بُركاناً يستمر بالثورة على أبنائه وقد تتعدى درجة حرارتهُ الـ50 مئوية، إلا أن الكَسَبة لم يستسلموا لمواجهة موجاته المستمرة، في السعي لاستحصال قوت يومهم، ومعيشتهم وعوائلهم.. هؤلاء هم أبطال صيف العراق وشمسها.
أمل
أرصاد جوية وأخبار وتصريحات، جعلت العراقيين يترقبون خيطاً من الأمل بانخفاض درجات الحرارة الّتي بلغت أقصاها، وتُعتبر الأقسى في العراق.
مسلم محراث(31 عاماً) أحد أبطال هذا المناخ يحدثنا وقد امتزج عرق جبينه بالتراب فيقول: “إن عملي في مجال البناء هو الأصعب، لكوني أعمل على إضافة الحجر لواجهات المنازل، فرغم ثقل هذه الأحجار إلا أنني قد اعتدتُ أن أحملها بلا تردُد خاصة في فصل الشتاء، فصار عملنا يقتصر على هذا الفصل فقط، اما في فصل الصيف فانا أرى نفسي كرجل عجوز في الـ70 من عمره، يرافقني الخمول والتعب، لا أقوى على حمل حجر كُنت أحمل أضعافهُ في فصل الشتاء، وعملي تحت أشعة هذه الشمس بشكل مباشر يؤثر على صحتي وليس على إصراري لإكمال عملي الذي يشكل مصدر رزقي الوحيد، وسأبقى أُقاوم الشمس وحرارتها مهما ارتفعت، على أمل لقاء الشتاء وإقباله علينا مبكراً”.
ماجد والمروحة
نصحت الحكومة في ظل هذهِ التطورات المناخية، في بيان صادر عنها من أجل سلامة المواطنين، بتلافي أشعة الشمس وحرارتها أثناء فصل الصيف، إذ قالت:”يجب تجنب التعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر ولا سيما في الفترة من الساعة 10 صباحاً وحتى الساعة 3 ظهراً، ووضع غطاء على الرأس كوقاية من هذه الأشعة”.
ماجد سالم (37 عاماً) أحد العاملين في سوق الشورجة في مجال حمل ونقل الأغراض من السوق والى الشارع يقول: “عندما سمعت هذا البيان من محطات التلفاز ضحكتُ، ولكن بحسرة كبيرة، متسائلاً: هل هذا هو الحل برأي الحكومة؟ أن نجلس في البيت بدون عمل؟ هل سيخصصون لنا راتباً يكفينا نحن وعوائلنا حتى ينتهي هذا الفصل؟ هل سنكون في مأمن في بيوتنا التي تغيب عنها الطاقة الكهربائية على فترات يومياً.
يضيف ماجد، وبهزة يد: “يحاولون إقناعنا”، ويضيف “أن عملي كحمال في السوق صار أصعب من ذي قبل بسبب الحرارة اللاهبة، وصرت لا أتحمل حتى من يقف في طريقي وأنا أحمل البضائع، وحالتي النفسية تسوء يوماً بعد آخر كلما اشتد الحر، ما جعلني أفقد أعصابي لمرات عديدة، وقد وصل بي الحال الى الشجار مع أحدهم، ومؤخراً أصبحت التجئ الى مروحة تنفث الهواء والماء، وضعها أحد تجار سوق الشورجة، ما يجعلني أستمر بهذه المعاناة التي لا سبيل لي إلا أن أقاومها من أجل لقمة العيش الكريمة”.
“فلافي”
يقول “فلافي”، أحد مقدمي فقرات الفكاهة في لاس فيغاس، عند تقديمه فقرة تخص المناخ في الخليج: لقد واجهني أحد الأشخاص في الخليج وقد تجهمَ وجههُ طول فترة لقائنا، ما جعلني أتساءل عن سبب هذا التجهُم والوجه الغاضب المستمر عند الخليجيين؟ وعندما سألتهُ عن ذلك، أجابني “يافلافي إنه وجه الصيف، أعطني جهاز تكييف، وكُن واثقاً بأنهُ سيتبدل دائماً الى وجه مبتسم”.
حسين غالب(32 عاماً) كان لهُ وجه يشبه وجه ذلك الخليجي، وهو عامل تنطيف في الشوارع، يحدثنا قائلاً: “لا أكذبك القول إن الخطورة التي أواجهها في هذا الشارع مخافة الدهس هي أولى معاناتي وهمومي، يضاف إليها موسم الصيف في البلد، إذ أن الحرارة تكاد تخرج من عيني، واشعُر أن ملابسي قد طبُعت على جسدي من شدة الحر، حتى يصل بي الامر الى الشعور بأن حذائي يُريد أن ينفجر بسبب الإسفلت الذي يكون كالفرن في ذروة وقت الظهيرة، فلا مناص غير الحركة المستمرة، وأحياناً أقوم بلبس قناع لأحمي به رأسي ووجهي من صفعات الشمس وأشعتها المستمرة”.
وقد أصيب غالب بالمرض لمرات عدة، ويضيف: “لم أجد بديلاً لهذا العمل، وكل سنة أقول فيها إنها الأخيرة لي بهذا العمل، إلا أنها محض آمال في بلد نهشهُ الفساد، وصار أبناؤهُ كالعصافير التي تلوذ بأقرب ظل تراه، ليقيها من هذه الأشعة الحارقة”. وكان غالب قد طالب أمانة بغداد بمساعدته في عمله بالتخلص من النفايات، إلا أنهم أعطوه كيس نفايات فقط بسبب عدم توفر العربات، لهذا اكتفى بالقول: “مستورة والحمد لله لكي أعيش بكرامة، وأن لا أمُد يدي الى الناس، مهما كانت الظروف مريرة”.
بلا تبريد
تؤثر الحرارة المفرطة بشكل ملحوظ على حياة الإنسان، وحالته النفسية والبدنية، لهذا فقد تم اختراع العديد من الأجهزة التي من مميزاتها التقليل من هذا الخطر، إلا أن هناك العديد من الناس لايستطيعون سد تكاليف هذه الأجهزة كما هو الحال مع أكرم رسول(43 عاماً) الذي يحدثنا قائلاً: “لم أجد غير العمل كسائق لسيارة أجرة لكسب لقمة عيشي، فقد استأجرت عجلة من أحد أقربائي لكي أعمل عليها مقابل 100 ألف دينار أسبوعياً، إلا أن الصيف وحرارته حالت دون أن أسدد مبلغ الإيجار، وأن أعيل نفسي وعائلتي مع غلاء المعيشة، فقد كان جهاز التكييف في العجلة عاطلاً، وصاحبها يرفض أن يقوم بتصليحه على نفقته الخاصة، مكتفياً بالقول “خذ أجرة أسبوع واحد واجمعها مع محصولك وقم بتصليح التكييف”، ولأن أغلب الناس لا يستقلون عجلات الأُجرة التي تفتقر الى التبريد، أصبحت أنقل البضائع بدلاً من البشر، وأعاني حرارة العجلة لوحدي، ومهما يكُن فإن الحياة علمتنا أن لا نتخاذل وأن نواصلها مهما كانت الصعاب.
الدكتور قيصر صاحب يؤكد: “تكون درجة حرارة جسم الإنسان الطبيعية بين 37 و38 درجة مئوية، وارتفاعها فوق ذلك يُسبب الشعور بالإعياء الحراري المستمر بسبب ضمور العضلات، حيث تبدأ وظائف الجسم بالتوقف بسبب تأثيرها على العمليات الكيمياوية داخله، وتؤدي الى ارتفاع في ضغط دمه”.
مشيراً الى: “أن أغلب العراقيين اليوم يعانون الأمراض التي تسببها حرارة الصيف، كالتيفوئيد، وضغط الدم المُرتفع، وأحيانا الجفاف والإعياء الحراري، وأنه يجب الوقاية من اشعة الشمس لا سيما على منطقة الرأس”.