قاتل صامت.. يقضي على عمالقة العراق

1٬385

بشير الاعرجي/

يشترك كثير من الشباب المهووسين ببناء عضلاتهم في قاعات بناء الاجسام بعدة صفات: عضلات مفتولة بلا قوة، مزاج متعكّر، الصلع، الزيارة المستمرة لاطباء القلب، عقم يدوم لفترات طويلة، وغيرها من الحالات السلبية الاخرى، لكن ما سببها؟

هوس

في بغداد وجميع محافظات العراق، انتشرت قاعات بناء الاجسام وباعداد كبيرة جدا دون وجود ضوابط محددة، فيكفي توفر مساحة داخل عمارة او ارض متجاوز عليها، وقطع حديد واجهزة رفع الاثقال والجري لافتتاح قاعة تكتظ بالشباب المهووسين ببناء اجساد تزينها العضلات الضخمة، غير ان ما يجري في اغلب تلك القاعات ليس التمرين ورفع الحديد لبناء العضلات، انما ممارسات اخرى تجعل من اجساد الشباب العملاقة مرتعا للامراض الخطرة، ومفاجآت صحية تنهي حياة البعض منهم.

عمالقة بوقت قياسي

قبل مدة اعلنت وزارة الصحة عن اغلاق سبع قاعات لبناء الاجسام في جانب الرصافة ببغداد، لاستخدام المتمرنين فيها لمواد منشطة ممنوعة، لكن لماذا يستخدم الشباب هذه المنشطات، ومن أين تأتي، وكيف يستخدمونها، وهل من بين مئات قاعات بناء الاجسام سبع فقط خالف مرتادوها القوانين؟ بالتأكيد لا، فما نراه وبشكل يومي وجود الكثير من مستخدمي الهرمونات والمواد المنشطة لبناء العضلات، والامثلة كثيرة وحية عن شباب ضعيفي البنية تحولت اجسامهم الى كتل ضخمة بوقت قياسي، نتيجة الحقن بهرمونات تلبس رداء القاتل الصامت.

الحقن الموضعي

مدرب اللياقة البدنية والحاصل على عدة بطولات خارج العراق امير سعد تحدث لـ”للشبكة العراقية” عن مخاطر استخدام الهرمونات بالحقن الموضعي للمتدربين، وقال “يتسبب حقن الابر الموضعية بمخاطر عديدة، ومنها الفشل الكلوي والصلع والتهابات الكبد والارق والعصبية، اضافة الى العقم المؤقت.. تلك المنشطات يستخدمها المتدربون لانها تعطي الغذاء للجسم، ومنها هرمون التستوستيرون لزيادة النمو دون معرفة مضاعفاته”.

والتستوستيرون، هو هرمون موجود لدى الذكور، ويسهم في تمدد العضلات واستطالتها وزيادة حجم العضلات بصورة اسرع من وضعها الحقيقي، لكن هناك هرمون صناعي يتم حقنه موضعيا، وهو مكمن الخطر على الشباب.

بؤرة السنك

وبخصوص المكان الذي يحصل عليه المتدربون على ابر الهرمونات، رفض جميع من تحدثنا معهم من متدربين ولاعبي بناء الاجسام الافصاح عن مكان محدد يحصلون عليه على هذه الابر الخطرة، بل وادّعى اغلبهم عدم تعاطيهم هذه المنشطات، والاكتفاء بالمكملات الغذائية، وهي عبارة عن عبوات بلاستيكية مستوردة من دولة الامارات او الولايات المتحدة، وتحتوي على خلاصة بعض الاغذية، مثل اللحوم والاسماك او الحليب او الفواكه وغيرها من الاغذية .

الخوف من الصحة!

بدأنا رحلة جديدة صوب منطقة السنك، وادعينا السؤال عن انواع محددة من المكملات الغذائية التي يستخدمها لاعبو كمال الاجسام، لكن اصحاب المحال كانوا من الذكاء الذي يصعب معه الحصول على معلومات عن ابر المنشطات، واكد كثير منهم انهم مجرد بائعي مفرد لتلك المكملات، وان هناك تجارا وصفوهم بـ”الحيتان” من خلال السيطرة على تجارة المواد التي تدخل العراق على انها “غير طبية” بحسب ما اظهروه لنا من اجازات الاستيراد، وانكروا ايضا تعاملهم ببيع المواد المنشطة او “الخلطات” كما هو متداول بين الشباب، ورموا اصابع الاتهام نحو نفق لا مخرج منه، وهو تهريب المنشطات عبر دول الجوار، لكن هذا لا يخلي سبيلهم من مسؤولية التجارة بمواد كهذه مع رفضهم جميعا تصوير محتويات محالهم او الافصاح عن اسمائهم الصريحة.

الجهل

قبل البحث عن اجابة شافية لسبب خوف اصحاب محال بيع المكملات الغذائية من وزارة الصحة، تحدثنا مع مدير شعبة الرقابة الصحية التابعة لقسم الصحة العامة في دائرة صحة بغداد الرصافة د.رعد الطائي، واكد لـ”الشبكة العراقية” استمرار دائرته وبالتعاون مع جهاز الامن الوطني باغلاق القاعات الرياضية الي يتم تداول المواد المنشطة فيها، واضاف “تصلنا معلومات عن تعاطي بعض اللاعبين لهرمون التستوستيرون في كثير من تلك القاعات، فنقوم باغلاقها مؤقتا مع اخذ تعهد بعدم السماح بتداول هذا الهرمون المحظور دوليا”. واشار د.الطائي الى ان “الجهل بمخاطر الهرمونات يؤدي الى كوارث حقيقية باجساد الشباب، وسبب تعاطها يعود الى اندفاعهم نحو الظهور بجسد مفتول العضلات، لكن مع الاسف يكون على حساب صحتهم مستقبلا”.

انتاج محلي للمنوعات

قد تكون الهرمونات الممنوعة المهربة عبر المنافذ الحدودية جزءا من الكميات الموجودة في العراق، لكن هل يتم انتاجها محليا؟

احد رواد قاعات بناء الاجسام فضل عدم ذكر اسمه لفت انتباهنا وجود عضلات في ساعده بشكل ضخم ومبالغ به، ما يؤكد انه تعاطى هرمونا بشكل غير قانوني. سألناه بشكل مباشر “هل سبق ان زرقت عضلتك بالتستوستيرون”، فأجاب مباشرة “نعم، اغلب من يمارس رياضة بناء الاجسام يحتاج الى هذه الهرمونات، لانها تعوض الضعف في العضلات التي لا تستجيب الى التمارين، فيتم تعويضها بابر الهرمونات التي تسبب الانتفاخ بمناطق محددة”.

شجعتنا صراحته الى سؤاله عن المكان يحصل منه على هذا الهرمون، وهل هناك نوع محلي يتم تركيبه داخل البلاد، فأجاب “البعض يتاجر به داخل القاعات الرياضية، وهناك انواع يتم تسريبها من المستشفيات الحكومية ويتم خلطها مع مواد اخرى، فتباع للاعبين”.

تسريب الهرمونات

كان من الصعب اثبات رواية تسريب تلك الهرمونات من المستشفيات الى يد التجار لعدم كشف اية جهة رقابية عن وجود اماكن لتصنيع وتركيب المواد المنشطة، لكن مدير اعلام وزارة الصحة د.سيف البدر قال: ان هذا الامر وارد مع وجود ضعاف النفوس في بعض المستشفيات، واضاف “المراكز الصحية التي تتعامل بهذه الهرمونات قليلة جدا لانها حساسة وسريعة التلف، وقد يكون هناك تسريب للهرمونات المنشطة ذات الاستخدامات الطبية المحددة، لكننا لا نستطيع ان نؤكد او ننفي ذلك”.

وتابع مدير اعلام وزارة الصحة بالقول “وجود المنشطات محليا قليل جدا، لان الصيدليات والمذاخر الاهلية لا تتعامل بها، كما ان الهرمونات لا تصرف الا بوصفة طبية في مركز الغدد الصم التابع لمستشفى الكندي ببغداد، لان استخدامها يكون لحالات معينة، ومن الخطر وقوعها بيد من يجهل طريقة استخدامها”.

القاتل بمبويز

سألنا المدرب سعد عن منظر بعض الشباب وهم يمتلكون عضلات ضخمة جدا بمناطق محددة في الجسم، كأن تكون عضلات اليد او الصدر وعدم تناسقها مقارنة مع اجزاء الجسم الاخرى، وهل ان التمرين او استخدام ابر الهرمونات هو السبب، فقال “جميع اصحاب قاعات بناء الاجسام، وحتى المتدربين يعلمون سبب هذا الانتفاخ غير الطبيعي، انها الابر الموضعية التي تحتوي على مادة السيناثول او ما تسمى (بمبويز)، وهي اشبه بالسيليكون في عملها، لكنها تحتوي على احماض دهنية لا يستطيع الدم دفعها داخل اوردته، لذا فهي تتسبب باغلاق مجاري الدم داخل الجسم وتؤدي الى حدوث الجلطات القلبية”. وتابع بالقول “وصل الحال الى قيام بعض اللاعبين نتيجة هوسهم ببناء اجسادهم الى استخدام ابر الانسولين وحقنها في المعدة، لتعويض هبوط السكر بعد التمرين،.

ممدد على السرير

التقينا بالصدفة شابا بعمر العشرين سنة في قسم الطوارئ بمستشفى اليرموك، يعاني من عدم انتظام ضربات القلب، وجدناه ممددا على السرير وسط اصدقائه، وقد وضع الطبيب بأحد اوردته مغذيا مخلوطا بالدواء، تحدث الينا احد اصدقائه وقال “لاحظنا انهيارا مفاجئا وضيقا في التنفس وسرعة كبيرة في ضربات قلبه خلال التدريب في قاعة بناء الاجسام، ونقلنا صديقنا فورا الى المستشفى ليلا خوفا من وفاته”. واضاف “نعلم جيدا انه يتناول المنشطات بشكل مفرط، لانها تسرّع من بناء عضلاته بوقت قياسي.. نصحناه بمخاطر المنشطات وانها قد تودي بحياته، لكنه لم يستمع الينا، وهذه هي النتيجة”.

تحطيم عضلات الكلى

الطبيب الاختصاص بالامراض القلبية والصدرية احمد حكمت تحدث لـ”الشبكة العراقية” عن حالة رصدها في المستشفى الحكومي الذي يعمل فيه، وقال “شاهدت شابا يدخل الى غرفة غسل الكلى، لان عمل كليتيه اصابهما الفشل نتيجة تناوله كميات مفرطة من المواد المنشطة خلال تمارين بناء الاجسام”، واضاف “هناك مادة خطرة اسمها (سيناثول) تستخدم لتضخيم العضلات، وهي تسبب على المدى البعيد الجلطات، فهي تعمل على منح قوة مؤقتة للجسم، ويتحمل معها القلب اجهادا لا يتناسب مع قدرته، كما تعمل منشطات اخرى مثل السترويدات والكبتاكون على كيمياء الجسم او العضلات، وتسبب الادمان على تناولها، لكنها في النتيجة تؤدي الى تليف في الكلى، لان تلك المادة عندما تخرج من الجسم تقوم بتحطيم عضلات الكليتين فتسبب العجز الكلوي”.

المدربون هم السبب!

مدرب كمال الاجسام امير سعد عاد من جديد ليؤكد حقيقة مؤلمة، وقال “استخدام الشباب للمواد المنشطة والهرمونات يكون في بعض الاحيان باشراف بعض اصحاب قاعات بناء الاجسام، واجزم ان ما نسبته 75% من المدربين هم وراء تعاطي لاعبيهم لتلك المواد الممنوعة لاسباب تتعلق بالحصول على الألقاب في مسابقات بناء الاجسام”.

واضاف “هذه المواد تختلف كليا عن المكملات الغذائية التي لا يشكل تناولها خطرا على الجسم، بل على العكس تعمل تلك المنشطات على تحطيم الجسد واصابته بأمراض عديد تبدأ بالجلطات القلبية، مرورا بعجز الكلى والعقم المؤقت، باعتبار ان انواعا من المواد المنشطة توقف الغدة الذكرية وتمنع فعاليتها، لان الجسد متشبع من مواد صناعية تعمل عمل تلك الغدة فيحصل العقم”. وتابع سعد بالقول “اذا لم تكن هناك رقابة صحية كافية على تداول المنشطات، على اللاعبين توعية انفسهم ومراجعة طرق بناء اجسامهم، فما فائدة العضلات المفتولة والجسم ينخره المرض نتيجة لتعاطيه لمواد تحاربها دول العالم كما تحارب المخدرات وتجّارها”.