لا أمل بالعلاج من السرطان في مستشفى “الأمل”

2٬803

سها الشيخلي/

ارتفعت حالات الإصابة بمرض السرطان في العراق، لاسباب عديدة ومنها ما تعرض له في سنوات سابقة الى قصف بمختلف انواع الأسلحة الكيماوية والمشعّة، ما لوّث البيئة بشكل كبير .

ويعاني أغلب المصابين بالأورام السرطانية من شح الأدوية التي اختفت من المستشفيات، وثمة اتهامات بتسريبها الى الصيدليات الأهلية وإعادة بيعها الى المرضى،فضلاً عن أن عدد المستشفيات ولاخدماتها تفي بعلاج هذه الاعداد من المرضى.

“مجلة الشبكة” كانت في مستشفى الامل الذي على مايبدو انه بحاجة الى جرعات من الامل لتنتشله من واقعه المؤلم،وتسعف مراجعيه من المرضى في محنتهم ورحلتهم المضنية للبحث عن علاج لهذا المرض الخطير.

المعدل العالمي

يشرح الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور (سيف بدر) لمجلة “الشبكة” اسباب وحقيقة مرض السرطان مبيناً انه من الأمراض الخبيثة وهوغيرانتقالي، وسببه نمو وانقسام غير طبيعي في خلايا الجسم، لعدة اسباب وممكن حدوثه في أية خلية وفي اي نسيج في جسم الانسان، وله عدة اقسام وتشعبات، وكل الأعمار معرّضة للإصابة به، ولكن مع تقدم العمرتزداد احتمالات الإصابة، وتتساوى الإصابة به بين المرأة والرجل، لكن عالميا هناك زيادة في اصابة المرأة بسرطان الثدي، وممكن حدوثه في ثدي الرجل وتكون اخطر ولكن بنسبة اقل، واكد الدكتور بدر ان نسبة حدوث السرطان في العراق هي ضمن المعدل العالمي نسبة الى عدد السكان، ونحن لا نختلف عن دول الجوار بنسب الإصابة ان لم نكن اقل منهم نسبيا، وهذا لا يعني عدم وجود آلاف الحالات سنوياً ولكن ضمن المعايير الدولية لمنظمة الصحة العالمية. أما معدل انتشاره بين المحافظات فليس هناك فرق معنوي احصائياً، فكلما كان عدد سكان المحافظة كبيراً تكون الزيادة كبيرة، مثلما يحدث في البصرة كونها تشهد زيادة في السكان.

ولفت الدكتور بدر الى أن علاج السرطان مكلف وأن كلفة علاج المريض الواحد تصل الى اكثر من مئة ألف دولار، وهذا عبء كبير على كاهل الوزارة. ومنذ عام 2014لدينا ازمة في التمويل، فقد تم تخفيض الدعم المالي بنسبة 65% وفي الوقت نفسه زادت نسبة سكان العراق، ففي كل سنة هناك زيادة من 3-4 ملايين نسمة وهذا يعني زيادة المرض، كما ان الحرب على الإرهاب فاقمت معاناة الوزارة حيث استنزفت كوادر الوزارة واموالها وحدثت لدينا مشكلة في بعض الأمراض من ضمنها الأمراض السرطانية، لكن الوضع الحالي افضل من نهاية العام الماضي، وقد استحصلنا مؤخرا مبالغ شهرية ثابتة مقطوعة لتسعة مراكز تخصصية في العراق اغلبها مراكز سرطان، وايضا تم افتتاح مركز الأورام الوطني في بناية فندق القناة سابقا ما قلل الزخم على مدينة الطب، وكل هذه الجهود لن تحل المشكلة ما لم نجد آلية الحل الجذري لواقع الخدمات الصحية، الذي هو التمويل والاصلاح الاداري.

وأكد بدر ان عدد المستشفيات بصورة عامة غير كاف، وهو عشر المطلوب وعدد المستشفيات العامة في العراق 240 مستشفى، ولدينا مشكلة قوامها مثلث صحي أضلعه النظام الصحي والكادر والتمويل.

قيد الوصول

في (مستشفى الأمل) التقينا معاون مدير المستشفى والمدير الفني الدكتور (ابراهيم فاضل ابراهيم) الذي قال: لدينا نقص في ادوية علاجات الأورام، ولكن هناك جهوداً للوزارة ولإدارة مدينة الطب، وقد وفروا (خمسين نوعا من الأدوية) خاصة بالأورام العامة، والآن هي قيد الوصول، واكد الدكتور ابراهيم أن كل الأدوية تصرف للمرضى مجاناً مؤكداً ان المستشفى بحاجة الى كوادر مختبرية وادارية.

العلاج الإشعاعي

مسؤول وحدة العلاج الإشعاعي (جليل كريم) قال لمجلة “الشبكة”: لدينا في هذه الوحدة جهازان، الاول بطاقتين، ام وبي (10و6)، ويستقبل الجهازان يومياً نحو مئة مريض، كما أن لدينا جهازين عاطلين! ونعمل بشفت صباحي وآخر مسائي، ونعالج أغلب الأورام منها أورام الدماغ والرئة والحنجرة وبقية الأورام التي يمكن معالجتها بالإشعاع، والجلسات الشعاعية تختلف حسب حالة المرض ومكان الورم، ونقدم العلاج الشعاعي يومياً، عدا يومي الخميس والجمعة، وفي هذه الوحدة يعمل بصفة معالج 35 معالجاً من كلا الجنسين.

العلاج الكيمياوي

يقول الممرض الجامعي (احمد رسن)، وهو ايضا معاون مدير شؤون التمريض: نستقبل يوميا من 100-200 مريض، ويشمل عملنا الدخول الأولي وسحب السوائل للعلاج الكيمياوي والعلاج التلطيفي ونقل الدم والبلازما، ونقدم العلاج الكيمياوي مع العلم أن كل الأدوية بما فيها (البراستمول) يحوي على مواد كيمياوية, وكل عضو يصاب بالسرطان له علاج كيمياوي خاص به، ويقوم العلاج الكيمياوي بالحد من انتشار الورم وتحجيمه، اما سقوط الشعر لدى العلاج بالكيمياوي فهو امر طبيعي جدا، وفي الجلسة الخامسة او السادسة يبدأ تساقط الشعر، ولكن بعد مرور(9-6 )اشهر يعود الشعر بالنمو من جديد.

دخلنا ردهة صغيرة للمريضات وتحدثت الينا المريضة (…) 34عاماً التي كانت موظفة في احد مستشفيات بغداد في مركز زرع الكلى، ومنذ عام 2010 وهي مصابة بمرض السرطان في الغدة اللعابية، واخذت 65جرعة وعدداً من علاج الإشعاع، واغلب الأدوية غير متوفرة لكنها في الصيدليات الخارجية موجودة إلا أن سعرها مرتفع.
المريضة (…..) عمرها 42سنة متزوجة ولديها خمسة اطفال مصابة بسرطان الثدي، تقول انها تشتري الحقنة الخاصة بمرضها بسعر (160الف دينار) من خارج المستشفى لعدم وجودها فيه، وكذلك تأخذ العلاج الهرموني وهو الآخر غير متوفر فتضطر لشرائه من خارج المستشفى، وسعر الشريط الواحد 38 الف دينار، وتضيف: اضافة الى ان التحاليل والمفراس كلها على نفقتي لأنها غير متوفرة، وانا احتاج الدواء باستمرار وهذا يعني المزيد من الشراء، وتقول: نسمع بوصول الدواء لكننا لا نراه.

حديث المرضى

أحد المرضى، وعمره 52عاماً، قال إن أغلب الأجهزة عاطلة ومنذ اشهر ما يجعل المرضى يتأخرون في العلاج، فهناك جهازا اشعاع عاطلان ولم يتم استبدالهما ولا شراء الجديد ليقلل من شدة الزحام على العلاج الإشعاعي كونه ضرورياً لايقاف انتشار الورم.

رجل كان يحمل طفلاً بعمر 10سنوات قال انه جاء من البصرة وان المستشفى هناك مكتظ بالمرضى الذين لا يجدون العلاج بكل انواعه. مريض آخر كان في الاستعلامات يتوسل الموظف المسؤول لكي يدخل زوجته المصابة بسرطان الثدي وقد جاء هو الآخر من البصرة وسألنا أحد الأطباء (…) لماذا نرى اغلب المرضى من البصرة فقال: يزداد عدد وفيات الأطفال في مستشفى البصرة لأمراض السرطان بسبب نقص الأدوية والخدمات والأجهزة ما جعل ذوي المريض يبيعون منازلهم من اجل السفر الى الخارج للعلاج، وقد اطلق ناشطون حملة كبرى لجمع التبرعات وهي بعنوان (جرعة أمل)، ووجّه البعض العتب الى الحكومة العراقية لكون هؤلاء الأطفال ضمن مسؤولية الحكومة وواجبها توفير العلاج لهم.

التلوث البيئي

ولفتت الدكتورة (…) الى اخطاء اقترفتها الحكومة فاقمت من أزمة مرض السرطان بعد دمج وزارة البيئة المختصة بمعالجة الملوثات بوزارة الصحة فاصبح عملها منخفضاً، كما تعاني المحافظات الجنوبية من نسب مرتفعة من التلوث البيئي، منها مياه الصرف الصحي ومياه الأنهار ومخلفات الحروب ومخلفات الاستخراج النفطي، وان بعض المستشفيات تلقي بمياه الأنهار مخلفاتها دون اية معالجة تذكر.

العلاج في الخارج

يعاني المصابون بالسرطان في اغلب المستشفيات العراقية من شحّ الأدوية ما يضطرهم الى الاعتماد على انفسهم في شراء الأدوية وهي مكلفة او السفر الى خارج العراق. وأكد أحد الأطباء أن المستشفيات في بغداد والبصرة، بل وفي كل المحافظات غير قادرة على استيعاب الأعداد المتزيادة لمرضى السرطان لذلك لا توجد كوادر طبية ولا اجهزة تكفي لمنح المرضى علاجاً منظماً، لذا نجد ان المئات من المصابين يغادرون العراق للعلاج في ايران وتركيا والأردن والهند، ووزارة الصحة لا تمتلك احصائية عنهم كونهم يعالجون خارج العراق بسبب قلة الاهتمام بالمستشفيات الحكومية.

اليورانيوم المنضّب

أشارت دراسات علمية عالمية الى انه خلال حرب 1991 التي شنتها الولايات المتحدة على العراق استخدمت فيها المئات من الأطنان من دقائق اليورانيوم المنضّب والتي غطّت مساحات شاسعة من صحارى الجنوب والغرب العراقي كفيلة بإشباع أجواء العراق بتلك الدقائق على مدى سنوات، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الأهداف التي ضربت بأعتدة اليورانيوم ليست كلها في جبهات القتال، وانما في العمق ايضا كما حصل في قضاء السلمان وناحية النخيب، بل حتى الأحياء السكنية في المدن الأخرى، وكانت النتيجة، كما يقول أحد أطباء الأورام، ظهور اعراض مرضية وأورام وولادات مشوّهة وإسقاطات لأجنّة قبل اكتمالها وانتشرت تلك الأورام بين الأطفال لا لشيء الا لكونهم يمثلون الجيل الجديد.