لماذا ارتبطت خرافة (الطنطل) و (السعلوة) بالتراث العراقي؟

100

سعد محسن خليل
رسوم: عامر آل جازع/
يتفق أكثر العراقيين على أن الخرافة هي مجرد تخيلات دون وجود دليل أو سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة بوجودها، وأن أكثر الخرافات مرتبط بالفلكلور الشعبي، إذ إن الخرافة هي الاعتقاد والفكرة القائمة على مجرد تخيلات عادة ما تكون إرثاً تاريخياً تتناوله الشعوب وتتناقله الأجيال، وهو معتقد لاعقلاني او ممارسة مغلوطة.
الخرافات قد تكون دينية أو ثقافية أو اجتماعية، وقد تكون شخصية بقصد المزاح الذي يتحول إلى حقيقة راسخة في ذهن المتلقي. ونتيجة للجهل والتخلف اللذين أصابا المجتمع العراقي على مدى العقود الماضية، انتشرت مجموعة من الخرافات، منها مثلاً أن تعليق حدوة حصان على مدخل البيت يجلب الحظ ويبعد الشر، إضافة إلى أن معظم العراقيين يتشاءمون من الرقم 13.

بيوت يسكنها الجن ..!
انتشرت في المدن العراقية قديماً قصص عن البيت المسكون بالجن، ومعظمها قصص كاذبة ومختلقة من قبل أناس قد يكون لهم خلاف أو ضغينة مع صاحب الدار. حدثني أحد الأصدقاء إنه كان مستأجراً لبيت بسعر زهيد، وأن صاحبه كان يرغب بزيادة مبلغ الإيجار. وقال إني رفضت تلك الزيادة الكبيرة، وحدث خلاف بيني وبينه كاد يصل إلى المحاكم، ونكاية به روجت إشاعة مفادها أن البيت مسكون بالجن، وأني كثيراً ما راودني العديد منهم في الدار، وعممت هذه الإشاعة في المنطقة، وعندما تركت الدار وانتقلت إلى منطقة أخرى، أصبح هذا البيت من المحظورات، ولم يتقدم أي شخص لتأجيره، فبقي متروكاً لسنيين، لكونه -حسب الإشاعة التي قمت ببثها- بيتاً مسكوناً بالجن، حتى أن صاحب الدار عرض مبلغاً بسيطاً لتأجيره، لكن لم يتقدم عليه أحد.

البطل الخائف من الجن
ومن القصص التي يتداولها سكان بغداد، قصة ذلك الشخص الذي كان يدعي الرجولة والشجاعة وهو خالي الوفاض، وحاول سكان المحلة اختباره بأن يدخل بيتاً مسكوناً في ساعة متأخرة من الليل وأن يدق (مسماراً) في صالة الدار، فأبدى هذا الشخص استعداده لتنفيذ ذلك، وما إن دخل الدار المسكونة حتى سمع السكان صرخة مدوية، فظنوا أنه قد يكون دخل في صراع مع الجن، لكنهم في الصباح وجدوا هذا الشخص مغمى عليه، إذ تبين أنه من الخوف دق المسمار في ذيل دشداشته، ولما همَّ بالخروج من الدار ظن أن الجن قد أمسك به، ففقد الوعي. وكثير من هذه الحالات تحدث لتزيد الشك بوجود ما يسمى (الجني)، وهي في مجملها محض خيال.

(الطنطل) و(السعلوة)
ومن القصص التي ذكرت عن بغداد يقال إنه في زمن السلطانة (ساتي)، وهي من حفيدات هولاكو، انتشرت حكاية الطنطل والسعلوة وما إلى ذلك، لإخافة سكان بغداد وجعلهم يبقون في بيوتهم بعد المغيب والعشاء، لأن من يخرج بعد هذه الأوقات سوف يلاقي الطنطل الذي قد يفعل به مايشاء، ما دعا العائلات البغدادية إلى المكوث في بيوتهم. هذا الوضع لم ينطلِ على بعض سكان بغداد، الذين خرجوا لملاقاة الطنطل وقتله، إلا أنهم لم يجدوه، فأشاعوا بين الناس أنه لا وجود لمثل هذا الادعاء. وبعد أن استراح الناس من شر الطنطل لفترة، وأخذوا يخرجون في الليل، قامت شرطة السلطانة (ساتي) ببث إشاعة جديدة قالت فيها إن الطنطل قد لا يأخذ شكل البشر، وانما قد يكون على شكل قط أو كلب أسود. عاد الناس إلى خوفهم وأغلقوا أبوابهم. واستمر الحال هكذا لفترة قصيرة حتى ضجر أحد الأشخاص من سكان منطقة الكرخ فقرر الخروج لوحده لملاقاة الطنطل، سواء أكان قطاً أو كلباً أسود، فراح يقتل كل ما يصادفه من قطط وكلاب سود دون رأفة فأطلق سكان بغداد عليه لقب (أبو سودة) تكريماً لشجاعته. واستمر الحال وعاد الهدوء والطمأنينة إلى بغداد. لكن هذا الوضع لم يعجب السلطانة (ساتي) ففكرت بالتخلص من (أبي سودة)، إذ سلطت عليه عدداً كبيراً من رجال الشرطة في أحد أزقة بغداد قطعوه إرباً إرباً ورموه قرب نهر دجلة، ثم أشاعوا بين الناس أن (أبا سودة) كان بطلاً وشجاعاً، لكن شيخ الطناطل اعترضه وهو في طريقه إلى السلطانة وكان كلباً أسود كبير الحجم مزقه إرباً إرباً، لذا فإن عملية القتل كما رواها الجندرمة أبكت سكان بغداد.
ومهما قيل أو يقال تبقى قصص الطنطل والسعلوة قصصاً خرافية كلها محض خيال السلطات والناس، لا تستند إلى دليل علمي.