طرائف مدرسية

138

حسن العاني/
عيد الشجرة: إنه النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي، وأنا تلميذ مدرسة الكرخ الابتدائية، وقد اصطحب معلم الرياضة الأستاذ جواد (رحمه الله) تلاميذ الصف السادس – كنتُ من بينهم – للمشاركة في احتفالات (عيد الشجرة) المصادف يوم (21 آذار) – كان معظم الناس يسمون هذا اليوم (دورة السنة)، قبل أن تتراجع هذه المسميات الجميلة والعملية لصالح عيد النوروز!
الصورة التي استعيدها الآن، أن عشرات المدارس الابتدائية قد حضرت مثلنا.. كان مكان مدرستنا أمام المحطة العالمية، والجميع بانتظار وصول الملك فيصل الثاني ليشاركنا الاحتفاء كما نحتفي بعيد الشجرة.. وأخيراً وصل موكب جلالته فاستقبلناه بالتصفيق الحار، وكفّه المزدانة بخاتم فستقي ترد علينا التحية مقرونة بابتسامة رقيقة.. بعدها عدنا الى بيوتنا مغمورين بالسعادة!!
في يوم الشجرة دأبت بعض الأُسر على إعداد (صينية) طعام شبيهة بصينية زكريا، ولايكتمل الطقس إلا بقراءة القرآن الكريم، وأحلى ما حصل لي هو أن جارتنا (أم محمود) استدعتني للقراءة، كوني ختمت القرآن عند الملا، وصوتي كما تقول أمي أعذب من صوت (صديقة الملاية)، وقرأت ما تيسر من الآيات الشريفة وعيني لا تغادر الصينية الأرستقراطية، حتى إذا انتهيت ملأت أم محمود جيوبي بأنواع الكرزات والحامض حلو مع (مئة فلس)، تعادل اليوميات التي أتقاضاها من والدي لمدة عشرة أيام. لكن أرقى ما حصلت عليه هو صحن (الدولمة) الذي وضعته جارتنا الكريمة أمامي و.. ولأول مرة في حياتي أعرف أن (لحم الغنم) هو من مكونات الدولمة!! ومع ما أشعر به من حياء وأنا أذكر هذه المعلومة، لكن لابد من ذكرها، فقد أكلت ضعف حاجتي الى الشبع!!
في اليوم الثاني، راح المعلم جواد يسألنا واحداً واحداً عن أفضل ما رأيناه يوم أمس، وكانت الإجابات موحدة: (جلالة الملك فيصل)، وحين سألني السؤال نفسه كنت صادقاً بأعلى درجات الصدق وأنا أرد عليه [ستاد أفضل شيء البارحة هو دولمة أم محمود] .. ما زلت حتى هذه اللحظة أجهل لماذا اختنق المعلم من الضحك حتى كاد يسقط أرضاً …
جمهورية بابل: هو العام الدراسي 1958- 1959، كنتُ يومها طالباً في المرحلة المتوسطة، وما زال العراق يعيش أجواء الحدث العظيم (انقلاب 14 تموز)، وها نحن ذات يوم دراسي، والمادة هي (التاريخ القديم)، وإذا بزيارة مفاجئة للمفتش، وكان أستاذ التاريخ المتزمت في تمسكه بما يصدر عن الوزارة من قرارات أو تعليمات أو توجيهات ، يتحدث بما أوتي من إخلاص وعلم غزير ولغة جميلة عن (جمهورية بابل)، والمنجزات الكبيرة التي تحققت على يد (رئيس الجمهورية حمورابي)، حتى إذا انتهى، استأذن المفتش منه، وقال لنا بعد أن اثنى على مدرسنا عظيم الثناء (أستاذكم الكريم يقصد مملكة بابل والملك حمورابي، ففي ذلك الزمن لم يكن النظام الجمهوري معروفاً، لكنها زلة لسان، و .. ) وقاطعه أستاذنا منفعلاً (لا يا أستاذ.. أرجوك.. بل هي جمهورية بابل، فقد تسلمنا كتاباً رسمياً من وزارة التربية يقضي بإبدال مفردتي الملك أو المملكة أينما وردت الى جمهورية)، وغادر المشرف الصف على عجل، لكي يأخذ راحته في الضحك!!