لمــــــــاذا تتحول تقلبات الطبيعة إلى كوارث؟

159

إياد عطية الخالدي/
هل كانت هناك فرصة لتفادي كارثة (درنة)، وهل كان بالإمكان إنقاذ ألوف الناس الذين سُدت عليهم منافذ النجاة في الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا والمغرب لتخفيف حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمدن المنكوبة التي بدت وكأن مخالب أنياب متوحشة قلبت عاليها سافلها؟
ذلك السؤال الذي ينبغي أن نواجهه بشجاعة توازي حجم الآلام التي خلفتها تلك الكوارث.
منذ أن نشأ الإنسان على هذا الكوكب، وهو يبذل الكثير لحماية نفسه من تقلبات الطبيعية، وقد عمل طويلاً لتطوير أداوته لمواجهة تلك التقلبات والوقاية من أضرارها، إذ إنها أكبر خطر يهدد الحياة البشرية، فقد كشف علماء الآثار عن مدن وحضارات في العراق وتركيا اختفت بفعل الفيضانات والأعاصير والزلازل قبل سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، كما يحتفظ الأرشيف الصوري بما سجلته عدسات الكاميرات من أحداث طبيعية تحولت إلى كوارث بسبب عجز الإنسان عن مقاومتها. مع أن الإنسان لم يستسلم للطبيعة مدركاً أنه لن يكون بمنأى عن خطر تقلباتها، لكنه يستطيع الاستجابة لتهديدها ومقاومتها والحد من تأثيرها.
وتعد اليابان، التي عانت طويلاً من أسوأ الزلازل التي كانت تصل قوتها الى أكثر من سبع درجات على مقياس ريختر، تلك التي تتحول الى كوارث إنسانية، كما حصل في زلزال (كانتو) الذي ألحق دماراً هائلاً بطوكيو ويوكوهاما، وأودى بحياة 140 ألف شخص، نموذجاً للدول التي نجحت في مقاومة تقلبات الطبيعية، بعد أن فرضت نظاماً هندسياً متقدماً لمقاومة الزلازل، وبفضله لم يعد اليابانيون يخشون من الزلازل مهما كانت قوتها، فهم يسكنون في ناطحات السحاب ويتفرجون عليها وهي تتأرجح مع حركة الأرض أثناء الزلزال، ثم تعود شامخة في مكانها دون أن تتزحزح قيد أنملة، أو تنثلم منها قطعة صغيرة، فيما مازالت دول أخرى يخيم عليها الفقر ويتلاعب فيها الفساد، إذ يتحول فيها زلزال بقوة متوسطة الى دمار ينهي حياة الألوف من البشر ويدمر الحجر في غضون ثوان معدودة.
ولقد رأينا كيف تحول الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وغرب سورية الى كارثة إنسانية أدت الى قتل وإصابة الألوف والى دمار المدارس والمستشفيات، وتسببت انهيارات المباني في تشريد الناس، كما لاحظنا أن الكارثة حلّت في المباني الضعيفة غير الخاضعة لحسابات السلامة، وتلك التي شيدها مقاولون فاسدون. ولهذا كان بإمكان الأتراك والسوريين مواجهة الزلازل بخسائر أقل لو أنهم عملوا على تطبيق معايير السلامة، لنجحت السلطات في البلدين برصد المباني التي تلاعب الفاسدون بحياة سكانها نتيجة جشعهم وغياب القانون.
وماكنا لنرى المشاهد المؤلمة التي حولت (درنة) الليبية الى مدينة منكوبة بعد إعصار (دانيال)، وكيف تمكنت موجات المياه من ابتلاع ربع بيوت المدينة وسكانها، لو أن الحكومة تنبهت الى المخاطر الجدية التي يشكلها سد متصدع قديم أنشئ في أواسط سبعينيات القرن الفائت، لطالما حذر المعنيون من مخاطره. وما كان لإعصار دانيال أن يتحول الى كارثة لو أن السلطات الليبية اتخذت الإجراءات الوقائية التي ينبغي أن تتخذها الدول لمواجهة انقلابات الطبيعة، ولاسيما أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيه هذه المدينة الى الفيضانات والأعاصير. الأمر ذاته ينطبق على ما حدث في المغرب، حيث كانت المباني الهشة أكثر دماراً وعجزاً عن مقاومة الزلزال الذي ضرب المناطق الجبلية وسط البلاد.
الواقع أن الأمر لا يتعلق فقط في الاستعداد للفيضانات والزلازل، فالجفاف يعد كذلك من أخطر التغيرات التي تواجه الدول والشعوب، عندما يؤدي الى نفوق الحيوانات والأسماك وجفاف الأنهر والبحيرات وهجرة السكان بسبب العطش، كما يحدث في جنوب العراق وعدد من الدول العربية، إذ إن هذا يعد مثالاً على اللامبالاة وعجز الحكومات عن أداء واجباتها تجاه شعوبها وتركهم يواجهون مصيرهم لوحدهم، بسبب تأخرها عن الاستجابة لهذه التحديات عندما كان لديها الكثير من الخيارات قبل أن تحل الكارثة.
ومع التغيرات المناخية التي تضرب الكوكب، فإنه ما عاد بوسع عدد كبير من الدول العربية أن تخبئ رأسها في الرمال، ومنطقتنا على شفا بركان، كونها من أكثر المناطق في العالم تأثراً بتلك التغيرات، لهذا ينبغي أن تكون الدول العربية في أقصى حالات التأهب لهذه التقلبات المناخية، وأن تتخذ كل الإجراءات لحماية شعوبها من التقلبات الطبيعية المتوقعة، وبينها العمل على تثقيف المواطن بمخاطر البناء غير الخاضع لشروط السلامة، ولاسيما في المدن الكبرى، حيث تكثر العشوائيات ويرتفع منسوب الغش وتنتعش مافيات الفساد في البناء مستغلة حاجة السكان المتزايدة الى بيوت تحمي كرامتهم قبل حياتهم. وأن ترفع الدول العربية من قدراتها الفنية بما يجعلها أكثر استعداداً للاستجابة لهذه التحديات التي ليس بوسعها أن تأمن مخاطرها وترهن مستقبلها وحياة شعوبها للأقدار.
وبالطبع.. فإن الدول الفاشلة التي يستبيحها الفساد لن تتمكن من مواجهة التحديات التي تفرضها تقلبات المناخ، مالم تسارع الى اتخاذ جملة من القرارات والقوانين الصارمة ينفذها جهاز إداري نزيه وفعال، وبغير ذلك لا يوجد ما يمنع من إعادة تكرار مآسي درنة ومراكش وإدلب في أكثر من مدينة عربية.. غير رحمة الله سبحانه وتعالى.