مؤسسةُ ميثم التمّار دروسٌ خصوصية بالمجان

1٬000

ذوالفقار يوسف /

تهدف المدارس الى تقديم بيئة تعليمية فاعلة، تؤهّل طلبة اليوم ليكونوا قادة المستقبل، وهذا ماعهدناه دائماً في أهداف كل مؤسسة تعليمية، حكومية كانت أم أهلية، إلا أن الغريب في الأمر هو عدم تهيئة هذه البيئة بشكل صحيح وإهمالها، وفي بعض الأحيان هدم أهدافها، ما يجعل الطالب عرضة للضياع وعدم الاستفادة وبالتالي تركه الدراسة. مؤسسة ميثم التمّار الخدمية استطاعت أن تحل هذه المشكلة التي تواجه أبناء مدينتهم.
الشيخ ثائر العبادي، رئيس مؤسسة ميثم التمّار الخدمية، يحدثنا عن ابتكار هذا المشروع الخدمي قائلاً: “استطاعت مؤسسة ميثم التمّار الخيرية التعليمية أن تجد بعض الحلول لمشكلة التعليم بصورة خاطئة وغير كافية، من خلال افتتاح مدرسة ميثم التمّار داخل مسجد (آل الرسول) في منطقة ميثم التمّار، الشماعية سابقاً، استطعنا من خلالها جذب المدرسين والأساتذة في كافة المجالات لتوفير جزء من وقتهم لتعليم الطلبة بالمجان خارج إطار المدارس. ولأن بداية تعليم اللغة والنحو، وحتى الأدب، كانت آنذاك داخل المساجد، ولعدم توفر مكان لمشروعنا، استطعنا أن نخصص الوقت والمساحة الكافية في المسجد لتدريس الطلبة ومن كل الفئات العمرية.”
مضيفاً: “بعد نجاح هذا المشروع من خلال التعاون والتكاتف، استطعنا أن نوفرعلى الطلبة مبالغ مادية كبيرة كانت ستدفع الى المدرسين الخصوصيين تتعدى مئات الآلاف، وأيضاً معالجة مشكلة طرق التدريس في المدارس الحكومية، وعدم توفر الوقت الكافي لفهم الدرس، وامتلاء الصف أكثر من المعقول ما يجعل الطلبة مهددين بعدم فهم المادة. ولأن المسجد مكان روحي استطعنا أن نُهيئ أكثر من مادة تعليمية كتنمية لعقل الطالب وطريقة مواكبته للحياة والتطور بشكل صحيح، وكل ذلك بالمجان ومن خلال مساهمات سكنة المنطقة ومؤسسة ميثم التمّار وبدون دعم مادي من أي حزب أو أية جهة أخرى، وقد لاقينا إقبالاً واسعاً من الطلبة وأولياء أمورهم ومن الأكاديميين والأساتذة، لأن المشروع ماهو إلا خدمة لأبنائنا الذين لابد أن يقف العراق مرة أخرى بسواعدهم وعقولهم النيّرة، وهذا الشيء لايتحقق إلا بالتعليم، لهذا أقدم شكري واعتزازي بكل القائمين على المشروع من مدرسين ومساهمين، ولكل معلم وأستاذ في العراق راجياً منهم الالتفات الى وضع الطلبة لكونهم مستقبل العراق واستقراره وتطوره.”
إعلام المؤسسة
لايخلو أي مشروع من الجانب الإعلامي، باعتباره نافذة انتشار لتنبيه من يريد المشاركة في هذا المشروع.
الأستاذ صفاء حسن، أحد أعضاء مؤسسة ميثم التمّار، يحدثنا في هذا المجال ويقول: “إن مواقع التواصل الاجتماعي اختصرت لنا الطريق في إيصال دعوتنا للمساهمة في هذا المشروع التربوي، ولجذب أكبر عدد ممكن من الطلبة كان لابد من استغلال هذه الأداة التسويقية المهمة في إيصال ما نريد إيصاله، وشمل ذلك المدرسين في بداية الأمر بسبب النقص الحاصل في الكادر التدريسي، ووفقنا بعد ذلك باكتمال عددهم، ومازلنا مستمرين في مجال الإعلام لرغبة الطلبة الجدد بالالتحاق في صفوف الطلبة من مرتادي المسجد، اذ استطاع “الفيسبوك” كأداة إعلامية مهمة تحقيق جزء كبير من مبادرتنا وإنجاح هذا المشروع.”
المسجد التربوي
الأستاذ إبراهيم هاتو، معاون في ثانوية المتميزين، يوضح لنا آلية تنظيم الصفوف والوقت قائلاً: “تم تكليفي من قبل المؤسسة بإطلاق مشروع مدرسة ميثم التمّار في جامع آل الرسول، والتي مهمتها إعطاء دروس تقوية لأبناء المنطقة، حيث رحب العديد من الأهالي بالفكرة، بعدها تم تثبيت أسمائهم لتنظيم الأوقات، وعلى وجه الخصوص المراحل المنتهية من السادس الإبتدائي والثالث المتوسط والسادس الإعدادي ولكلا الجنسين، وبوقت لايتعدى الثلاث ساعات، اذ تبدأ الدروس من الساعة الثامنة مساءً وذلك بسبب أوقات الصلاة في المسجد وحتى لايتم التعارض مع وجود الطلبة في ذلك الوقت. أما في شهر رمضان المبارك فقمنا باستغلال وقت السحور لنمدد أوقات التدريس الى الثانية بعد منتصف الليل، وقد لاحظنا ازدياد أعداد الطلبة مع اقتراب الامتحانات النهائية، والجميل في الأمر هو رغبة الطلبة أنفسهم في التعلم وبالتحديد طلبة السادس الإبتدائي، وهذا ماجعلنا نعمل أكثر لأجل تعليمهم ومساعدتهم، لهذا خصصنا عدة جوائز تحفيزية تعطى للطلبة المتميزين.”
دمج الفلسفات
الدكتور صفاء الساعدي، اختصاص فيزياء الليزر الكهروموسايلات والاختصاص الدقيق النانوباتريز، أحد المساهمين في هذا المشروع، ومدرس لمادتي الفيزياء والرياضيات يشير الى أن”المبادرة تشكلت بشكل طوعي، وبدون اي دعم او توجيه من جهة رسمية او حزب، وحتى المطبوعات المستخدمة في التدريس هي على حسابنا الشخصي.”
مضيفاً: “قد يتساءل البعض عن سبب اختيارنا للمسجد في تدريس الطلبة، الا أننا عند رجوعنا الى الحركة الفكرية في التاريخ المعاصر في ضم المجاميع من الناس وتعليمهم داخل المساجد، دمجنا الفلسفة الدينية بالفلسفة الأكاديمية، وأي زائر للمسجد في هذا الوقت يلاحظ خلو المسجد من رجال الدين أثناء تدريسنا للطلبة، وماهذا الا ترجمه واضحة بأن المسجد بعد صلاة المغرب يتحول الى مكان أكاديمي هدفه التعليم.”
القلم والعقال!
اجتاحت حمّى التعليم مدينة ميثم التمّار عند فتح باب التبرع أمام القادرين من معلمين ومدرسين، إلا أن هناك فئة أخرى قادرة على إعطاء ماتستطيع لأجل تعليم أبنائهم.
الشيخ فالح الفنجان(60عاماً) الملقب بـ(أبو حبيب) أحد وجهاء عشيرته استجاب لهذا المشروع بتطوعه لتعليم الطلبة لمادة الرياضيات رغم كبر سنّه، يقول: “إن الطالب الذي يستطيع حل مسألة رياضية معتمداً على قانون رياضي كان قد درسه قبل ذلك يكون من الصعب تغيير مفهومه في استيعاب طريقة أخرى، لهذا نحن نحاول إيصال المعلومات بشكل مجزأ ومبسط لكي يتناسب مع فكر الطالب ومقدرته في الاستيعاب، وحتى لاينجرف مع الروتين التدريسي الذي يبعده وينفره من المادة.”
الأستاذ والشاعر وسام عباس، أحد مدرسي مادة اللغة العربية، بيّن”أن مهمتنا كانت صعبة في البداية، لكننا أتممنا المشروع بالصورة التي نتمناها، والآن نقوم بتهيئة الطلبة الى الامتحانات النهائية على الرغم من الكم الهائل من الالتزامات التي تواجهنا في مكان عملنا في المدارس الحكومية، خصوصاً في بداية الامتحانات، ولكن سبب معرفتنا بالوضع التربوي السيئ لأبناء المنطقة جعلنا نشعر بمعاناتهم التي يواجهونها من صعوية المناهج وضيق الوقت بسبب العطل، التي تجعل المدرس في أزمة عدم إيفاء حق المادة وإكمالها بصورة صحيحة، ولا ننسى أعداد الطلبة الكبيرة في الصف الواحد، وما انطلاق هذا المشروع إلا لمعالجة هذه المشكلات او جزء منها لكي ننهض بالعراق وأبنائه من جديد.”
“النظافة من الإيمان”
لاتقتصر طرق التدريس في مسجد آل الرسول على المناهج الدراسية فقط، فهناك مواد أخرى توجيهية تقع على عاتق كادر التدريس، وباعتبار الطلبة من مسؤولياتهم حتى وإن كانوا خارج المدرسة، منها آداب الكلام، والالتزام بالأوقات، والأخلاق، والنظافة، فمشاركة المدرسين والطلبة في تنظيف المسجد وتنظيمه بعد كل حصة ماهي إلا دليل على نجاح هذا المشروع في تنمية أبنائنا نحو الأفضل.
الأستاذ صالح كاطع، مدرس اللغة العربية في جامع آل الرسول، يقول: “اطلعت على أحد منشورات أعضاء المؤسسة في موقع التواصل الاجتماعي(الفيسبوك)، وطلبهم لأساتذة يعملون بالمجان في المسجد لتدريس الطلبة من أبناء المنطقة، ما جعلني أرحب بالفكرة لعلمي بمدى حاجتنا لمثل هذه المشاريع التربوية، ولمعرفتي بفقر حالهم وصعوبة اشتراكهم في الدروس الخصوصية التي وصلت البشاعة ببعض المدرسين بتحصيل مبالغ ضخمة من الطلبة لتعليمهم خارج إطار المدرسة، وكمعلم لمادة اللغة العربية للصفين الخامس والسادس الإبتدائي، كان لابد من أن أكون مساهماً في هذا المشروع التعليمي، وقد خصصت جزءاً من وقتي لخدمة الطلبة بسعادة كبيرة .”